من سيحكم غزة بعد العدوان الإسرائيلي المدمّر؟    اتحاد طنجة يتفوق على ضيفه الفتح الرياضي (1-0)    زياش يطالب غلطة سراي بمستحقاته المالية    البطولة... نهضة الزمامرة يلحق الهزيمة 16 بشباب المحمدية هذا الموسم ويواصل مطاردة المتصدر    الموت يفجع النجمة المصرية ياسمين عبد العزيز    "بنك المغرب" يكشف لرتفاع سغر صرف الدرهم    استبعاد حكيمي من مباراة لانس يثير القلق قبل مواجهة مانشستر سيتي    برنامج "رعاية".. قافلة طبية بجماعة الزاوية سيدي عبد القادر باقليم الحسيمة    مبادرة تشريعية لتشديد العقوبات لمواجهة استغلال الأطفال في التسول    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    إعلان سقوط حكومة أخنوش على لسان المنصوري وبركة    الوزير نزار بركة يطلق مشاريع تنموية استراتيجية بإقليم العرائش    شرطة الفنيدق تُطيح بعصابة متخصصة في سرقة ممتلكات المواطنين    استئناف بطولة الهواة مطلع فبراير المقبل    انقلاب شاحنة يكشف عن مخطط تهريب 15 طناً من الحشيش    حزب "العدالة والتنمية" يجدد مطالبه بالإفراج عن النقيب زيان ونشطاء حراك الريف    "الجهاد الإسلامي": إن الغارات الإسرائيلية قبل وقف إطلاق النار قد تؤدي لمقتل الرهائن    السياقة المتهورة تورط شخصين أحدهما مبحوث عنه وطنيا بالبيضاء    اغتيال قاضيين بالمحكمة العليا الإيرانية    باعتراف المنتدى الاقتصادي العالمي.. مصنع صيني بطنجة يصنف الأول بإفريقيا يحقق إنجازًا صناعيًا رائدًا في إنتاج قطع غيار السيارات    المنصوري: طموحنا في " الأصالة والمعاصرة" تصدر الانتخابات المقبلة وقيادة الحكومة    بنكيران يعيد ملف الصحراء الشرقية المغربية إلى الواجهة.. ومؤرخ: معطيات تاريخية موثقة    نقابة "البيجيدي" تطالب بمراجعة المقتضيات الزجرية الواردة بمشروع قانون الإضراب    المغرب يشيد باتفاق وقف إطلاق النار في غزة ويدعو الطرفين لإحلال السلام    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نقابة الصحافيين بتطوان تنظم بشفشاون "الملتقى الأول للإعلام والقضايا الوطنية"    إسبانيا تُخصص 2.6 مليون أورو لترميم المستشفى الإسباني في طنجة    إقليم صفرو يشجع إقبال الاستثمار    كيف تصل التمور الجزائرية الممنوعة إلى الأسواق المغربية؟ ولماذا لا يتم حظرها رغم الخطر الصحي؟    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون موضوع غلاء المعيشة وأزمة الجفاف    ابن كيران: شعورنا بأن الحكومة لا تبالي بالشعب وكأنها جاءت بالمشروعية من جهة أخرى    المغرب يُعزز ريادته الأمنية في إفريقيا .. ومبادرة الدرون تفضح تخبط الجزائر    الرئيس اللبناني يطالب بانسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب بحلول 26 يناير    صحيفة "غلوبال تايمز": 80% من المشاركين في استطلاع عالمي يشعرون بتفاؤل كبير حيال مستقبل الصين الاقتصادي    المغرب-فلسطين.. بحث سبل تعزيز التعاون الثنائي في المجال الفلاحي    شياومي المغرب تطلق سلسلة هواتف Redmi Note 14 الجديدة    وفاة لاعب مانشستر يونايتد السابق دينيس لو عن 84 عاما    "إف بي أي" يثمن ويشيد بتعاون المخابرات المغربية في قضية اعتقال "سليمان الأمريكي"    مجلس الوزراء الإسرائيلي يوافق على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    بطولة ألمانيا: البرتغالي بالينيا يعود لتدريبات بايرن ميونيخ    نهضة بركان يطرح تذاكر مواجهة ستيلينبوش الجنوب إفريقي    الدار البيضاء.. سفير الصين بالمغرب يدشن الاحتفالات بعيد الربيع الصيني    حملة تفتيشية بالمدينة العتيقة لطنجة تغلق محلات لبيع المواد الغذائية والتجميل لعدم الالتزام بالضوابط الصحية    الدار البيضاء.. سفير الصين بالمغرب يدشن الاحتفالات بعيد الربيع الصيني    "بوحمرون" يجلب قلق ساكنة طنجة.. مسؤولون: الوضع تحت السيطرة    أوريد يوقع بمرتيل كتابه "الإغراء الأخير للغرب: تداعيات الحرب على غزة"    قصة حب ومليون دولار.. تعليق من براد بيت على قصة الفرنسية التي خدعت بغرامه    حمودان يقدم لوحات فنية في طنجة    مزاد يثمن الفن التشكيلي بالبيضاء    «نحو مغرب خال من السيدا بحلول 2030»: اليوم الدراسي للفريق الاشتراكي يسائل السياسات العمومية والمبادرات المدنية    تناول المضادات الحيوية بدون استشارة الطبيب..مختص يفرد التداعيات ل" رسالة 24 "    خبيرة توضح كيف يرتبط داء السيدا بأمراض الجهاز الهضمي..    HomePure Zayn من QNET يحدد معيارًا جديدًا للعيش الصحي    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرجم
نشر في العلم يوم 07 - 06 - 2013

عندما يطفئ حارس السجن علينا الضوء في بداية الليل تنطلق ألسنتنا من عقالها. نحن في الزنزانة خمسة عشر فردا في سجن الدار البيضاء في سنة 1953 وزنزانتنا تضم المعتقلين الوطنيين الذين شاركوا في مظاهرة ديسمبر 1952. كلنا معروضون في ملف واحد ومعنا آخرون في زنازين أخرى، أمام المحكمة العسكرية لتقرر في أمرنا ما نستحقه من عقاب لأننا أولا تقدمنا بالمطالبة بالاستقلال وثانيا لأننا نظمنا إضرابا عاما في المغرب على إثر اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد على يد منظمة اليد الحمراء العنصرية، فعبَّرنا عن التضامن مع تونس ضد الاستعمار الفرنسي هناك ومكايد الاستعمار الفرنسي في المغرب.
عندما يطفئ حارس السجن الضوء، تنطلق الألسنة من عقالها ويبدأ كل واحد يتكلم بما في نفسه عسى أن يستجيب النوم جماعة أو فرادى. لكن النقيب (أو الشريف) الذي اخترناه لتنظيم العمل في زنزانتنا هو من يختار كل ليلة من سيتكلم. في هذه الليلة سيتكلم صديقنا عبد الرحيم المراكشي. إن حديث المراكشي هذا سمعناه عدة مرات وهو من ألذ أحاديث السجناء، يروي عن مراكش ويروي عن أهلها نكتا تثير الضحك والإعجاب بلهجته وبحسن أدائه. في هذه الليلة قال سأتحدث لكم عن الرجم. وماهو الرجم عندنا؟ ليس رجم الزاني والزانية بل رجم البيوت. بيوت مراكش معروف أن بعضها يتعرض للرجم بالحجارة من أعلى حلقة السطح إلى وسط الدار في الأسفل، فيزعج السكان ويضطرهم إما إلى الصلح مع من تسبب فيه من الجيران أو من أعداء السكان من أحياء أخرى، وإما أن يغادروا البيت إلى غيره.
يقول بعض الناس إنه عمل من أعمال السحرة، هم الذين يسلطون هذا النوع من الرجم على العائلة حتى تصلح حالها أو تغادر البيت. نحن في بيتنا والحمد لله لا يجاورنا إلا جار على اليمين وجار على اليسار وليس لنا غيرهما وهم من أعز الناس وأفضل الناس وليس بيننا وبينهم إلا المودة والخير. فإذا جاءنا الرجم كما يحدث لبعض العائلات، فليس هناك حسب ما نعرف بيننا سبب يجعله يُسلط علينا، فعائلتنا والحمد لله مشهورة في البلد بالتقوى وحسن المعاملة، بل نحن في تجارتنا أو أعمالنا كلها يلجأ بعض الناس إلى تحكيمنا في مشاكلهم، فكيف نكون نحن سببا في إزعاج الغير؟ إذن فالذي وقع أدهشنا وأثار استغرابنا. منا من قال يجب أن نبحث عن فقيه يطرد عنا هذا البلاء، ومنا من قال هناك ساحر يجب أن نستعين به لرفع الأذى. نحن في بيتنا أسرة واحدة، ابن خالنا هوا لذي تزوج من قريبة من جدتي وأقمنا له العرس في بيتنا، وبما أنه غير مقيم دوما في مراكش بل يتنقل بحكم تجارته في مجاهل إفريقيا ثم يعود، طلب منا أن تبقى زوجته معنا حتى يستقر نهائيا. قلنا لا بأس، هذه شابة في مقتبل العمر تطفح حيوية ونشاطا وتساهم في أعمال البيت من غسل وطبخ ومساعدة لكل أفراد العائلة، خفيفة الحركة ودمثة الطباع وحسنة السيرة، لانعرف عنها ولا عن حياتها قبل أن تلتحق بالمنزل أي تصرف يثير الاستنكار.
هذا الذي حل بنا أصابنا بالذعر فأصبحنا نغلق أبواب البيت بعد صلاة المغرب حتى إذا انطلق الرجم نكون قد ابتعدنا عن وسط الدار الذي يصبح مليئا بالحجارة الصغيرة والكبيرة. في هذا الجو قدَّرتُ أنا أنه يمكن أن أصعد إلى السطح، وخلف الباب هناك فتحات يمكن أن أراقب منها السطح يمينا ويسارا لعلّي أعثر على شخص يرمينا بالحجارة أو أتبيّن على الأقل من أي اتجاه تأتي الحجارة، فإذا لم أجد شيئا وكان هناك عامل سحري ربما أدركت كيف يتسلط علينا هذا الأمر.
عندما دخلت أمي وإخوتي إلى غرفتنا ودخل إلى الغرفة الأخرى من يسكنها ومنهم تلك الزوجة الشابة الحديثة العهد معنا، تسللتُ إلى السطح ووقفت وراء الباب أتطلع ذات اليمين وذات اليسار وأراقب كل الجهات فلم أر لا حجرا ولا من يرجمنا بالحجر، فقررت أن أمكث مدة لأستبين لعلّي أعثر على شيء أستدل به على ما يحدث. رغم الظلام حولي كنت أستطيع أن أبصر جيدا على ضوء القمر إن جاءت حجرة من أي جهة. لايهمني كم من الوقت سأظل على هذه الحال بقدر ما يهمني أن أعود إلى أسرتي بالخبر اليقين عن مصدر الحجارة. مر اليوم الأول ولم أطلع أحدا على محاولتي التي دامت ساعات على السطح، فعدت إلى فراشي ونمت. في الغد استمر القذف بالحجارة فانطلقت إلى السطح أراقب مرة أخرى يمينا ويسارا.
وبعد برهة أحسست أن تلك الشابة زوجة ابن خالي صعدت بدورها تراقب فسألتني: هل رأيت شيئا؟ مكثنا فترة من الزمن كل واحد يتربص بجهة ثم قررنا أن نتبادل الجهات. ثم فجأة شعرت بها تلفني بذراعها بقوة وتنكبُّ على وجهي وفمي بقبلاتها الحارة، فأصابني الذعر والهلع وأنا الذي طيلة حياتي لم ألتفتْ لامرأة وكنت خجولا وحيِيّاً وبعيدا عن كل شبهة مما قد يفعله الشباب في سني، فأنا لم أعرف امرأة في حياتي. قبلتني وقبلتها ولكن على غير قبلةالأم أو الجدة، حاولت أن أتنصل منها فإذا هي تطوقني وتنهال علي بكل ما أوتيتْ من قوة، تضرعتُ إليها بأنني أخشى أن يكتشفنا أحد ونحن في تلك الوضعية، رجوتُها ثم رجوتُها أن تكف عني حتى لايرانا أحد فقالت: لاتخف فالأبواب مغلقة والكل نائم وأنا صعدتُ إلى هنا عمدا لألتقيك ولا تبقى وحدك، فما الذي حدث لك؟ رأتني أرتعد وبعد إلحاح مني نزلت وبقيت أنتظر ساعة أو بعض ساعة حتى هدأت نفسي وزال عني الهلع، ثم عدت إلى فراشي واستسلمت للنوم.
في الحقيقة منذ تلك الليلة لم تسقط علينا حجرة، فقال البعض إنها بركة الفقيه الذي أتي للمنزل ووضع التمائم وأحرق البخور، وقال آخرون إنه من دعاء امرأة شريفة ذات بركة زارتنا فجاء الخلاص من تلك الحجارة، ولم يعلم أحد أني كنت أراقب وأني أثناء تلك المراقبة تحمَّلتُ أمرا عسيرا حتى ارتفع الأذى. ثم كتمت ما حدث لي وقررت ألا أتصادم مع تلك السيدة الشابة وأن لا أختلي بها أبدا في المنزل، وملأت وقتي بالعمل خارج الدار في الدراسة ولقاء الأصدقاء، حتى إذا جن الليل عدت وبقيت بجوار أمي وتجنبت لقاء الشابة. أخيرا اهتديت للعمل السياسي فانخرطت في الحزب وأصبحت أشغل وقتي بالعمل في مقر الحزب مع الجماعة حتى قادني عملي هذا إلى السجن.
قال أحد السجناء في الزنزانة: هذا يوسف! فقال: قصتي تشبه إلى حد ما قصة النبي يوسف ولكن هذا الأخير كان له المجال ليهمّ َولايفعل، وكان له المجال ليمتنع، أما أنا فقد وقع علي الهجوم وطوِّقتُ فجأة لم أستطع أن أتخلص من قبضة هذه المرأة إلا بعد جهد جهيد. على كل حال انقطع الرجم واستمرت بعد ذلك حياتنا بهدوء.
انتهى حديث صاحبنا ونام جميع من في الزنزانة. في الصباح حينما خرجنا إلى ساحة السجن للاستراحة قلت له إن قصتك عجيبة وتستحق التسجيل، فقال: هل يمكنك أن تدوِّنها؟ قلت: سوف أفعل، وها أنا ذا أفعل بعد سنين وفاء بعهدي وإن كنت لا أدري اليوم ما حل برفيق السجن هذا ولا ما حل بالسيدة التي حكى عنها، ولكن أروي القصة كما سمعتها منه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.