اتهمت صحيفة الشروق المقربة من مصادر القرار النافذة بالجزائر أمس مباشرة الحكام الفرنسيين بمحاباة المغرب على حساب الجزائر . و زعمت ذات الصحيفة في مقال موقع قبل أيام من زيارة الدولة التي يقوم بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الى الجزائر أن نتائج زيارة وزيره الأول جان مارك إيرولت كشفت وأثبتت وجود انحياز لا لبس فيه من باريس نحو الرباط. و استدلت ذات الصحيفة التي تعبر عادة عن مواقف و مصالح المؤسسة العسكرية النافذة بمراكز القرار بقصر المرادية لتبرير هجومها على قصر الايليزي في هذا الظرف الحساس و أياما فقط قبل زيارة هولاند الى كون باريس منحت تسهيلات في صورة قرض بقيمة 107 مليون أورو، إلى جانب استثمارات أخرى للجانب المغربي، على عكس ما هو منتظر من زيارة هولاند، والتي يسعى من ورائها الطرف الفرنسي حسب الصحيفة إلى التفاوض من أجل الحصول على حصته من كعكة ال 200 مليار دولار، التي خصصتها الحكومة الجزائرية من فائض العملة الصعبة المتوفر في خزينتها لإنجاز مشاريع تنموية في مختلف القطاعات ستكون مناسبة فقط لإنقاذ الشركات الفرنسية من الافلاس وإنعاش الاقتصاد الفرنسي المتعثر. و عادة ما يشكل أسلوب تعامل الادارة الفرنسية مع علاقاتها بشمال إفريقيا موضوع تعاليق و ردات فعل سياسية بالرباط و الجزائر . فقد دأبت الجزائر الرسمية على انتقاد ما وصفته في أكثر من مناسبة بانحياز إدارة الرئيس اليميني ساركوزي للرباط في العديد من القضايا ذات الطابع الاقتصادي و السياسي . و ظل النظام الجزائري يمني النفس بعد انتخاب الاشتراكي فرانسوا هولاند رئيسا لفرنسا في أن يباشر فريقه الذي يضم عدة شخصيات سياسية مقربة من محيط الحكم بالجارة الجزائر تعديلا لأولويات السياسة الخارجية تجاه المغرب العربي بما يؤسس لكبح جماح التقارب المسجل تاريخيا بين الرباط و باريس . أكثر من ذلك سربت أطراف ديبلوماسية جزائرية في وقت سابق ما وصفته بارادة هولاند إعادة النظر في منظومة التوازن الحساس في علاقات باريس بشريكتها الرباط و إعادة ترتيب عقارب الديبلوماسية الخارجية لقصر الايليزي في إتجاه محور أكثر مردودية إقتصاديا يتمثل في تكريس الريادة الاقليمية للحزائر كمحاور أساسي لباريس بشمال إفريقيا إقتصاديا و ترجيح كفته إستراتيجيا . على أن استقبال الرئيس الفرنسي هولاند عشية انتخابه لجلالة الملك و تجديد الخارجية الفرنسية لدعمها لمقترح الحكم الذاتي كحل لنزاع الصحراء و تماهي الموقفين المغربي و الفرنسي من أزمة مالي,كلها عوامل ستبدد الطموح الجزائري في تطويع إدارة الاشتراكيين بقصر الايليزي وتسخيرها لخدمة الأجندة الاقليمية و الدولية لقصر المرادية . و واقع الأمر أن الجزائر الرسمية التي تستعد لاستقبال ساكن الايليزي تنظر بعين الريبة و الحذر للمكانة التي منحها رئيس حكومة باريس للمغرب و التي وصفها بالمتفردة و المتميزة . و ضمن نفس المنحى ستكون زيارة هولاند مناسبة للساسة الجزائريين للضغط على باريس بلغة الصفقات التجارية لكبح جماح التقارب « المقلق» المسجل على محور الرباط باريس . و ستستحضر المفاوضات الثنائية بين باريس و مستعمرتها السابقة ملف « مصنع رائد السيارات رونو الذي ضلت الحكومة الجزائرية تعلق العديد من الآمال في أن تحتضنه الجزائر قبل أن يقرر الصانع الفرنسي لاعتبارات إقتصادية و تقنية محضة أن يفضل موقع طنجة لاستقباله و هو ما شكل في حينه صفعة قوية للجزائر التي فتحت مع إدارة المؤسسة الفرنسية مفاوضات إضافية لضمان إستقطاب مصنع مماثل بالشمال الجزائري لنفس العلامة التجارية و هو ما يبدو صعب التحقيق في الظرف الراهن . الادارة الفرنسية تدرك حجم مصالحها الاقتصادية بالجزائر وتتفهم حاجة النظام الجزائري الى إعتراف رمزي بموقع الرائد الاستراتيجي بمنطقة شمال إفريقيا , و لهذه الأسباب التي تعكس الحساسية المطلقة للحكام الجزائريين تجاه أي مكسب سياسي أو إقتصادي يحققه الجار المغربي في كفة التوازنات الجيوسياسية الاقليمية و الدولية ستكون مهمة هولاند جد صعبة في تحقيق توازن القراءة الفرنسية للوضع الاستراتيجي بشمال إفريقيا و من المؤكد أن زيارته للجزائر ستصطدم حتما بالعديد من التحفظات و العتاب الصادر من مختلف الفرقاء المتحكمين فيالشأن السياسي الجزائري والتي حدت بأحدهم قبل أيام فقط الى إعلان مقاطعة خطاب هولاند المبرمج بالبرلمان الجزائري . المؤكد أن الحمولة الاقتصادية لنتائج زيارة رئيس الحكومة الفرنسية للرباط أغاظت بهذا الشكل الساسة الجزائريين فماذا ستكون ردة فعل نفس هذه الأطراف حين ستحل مناسبة تداول مجلس الأمن أبريل المقبل في ملف النزاع في الصحراء .