القدس العربي كشفت عملية تبادل الاسر ، التي تمت بين المقاومة الاسلامية اللبنانية (حزب الله) واسرائيل ، عن حقيقتين اساسيتين: الاول ضعف اسرائيل وتراجع قدراتها في فرض املاءاتها عل الطرف الآخر، والثانية تهميش دور السلطة الفلسطينية في رام الله، واضمحلال دور المؤسسات التابعة لها ومنظمة التحرير الفلسطينية عل وجه الخصوص. فقد كان لافتا، ومن خلال ردود الفعل الاسرائيلية واللبنانية، ان حالة من الحزن خيمت عل الاسرائيليين، بينما استقبل اللبنانيون والفلسطينيون اسراهم وجثامين شهدائهم بمهرجانات من الفرح والموسيقى واللافتات الترحيبية، وخرج رؤساء لبنان الثلاثة الى المطار لاستقبال سمير القنطار ورفاقه. ولعل الاهم من كل هذا وذاك هو بروز "حزب الله" كقوة اقليمية كبر تتعامل من موقع الند مع دولة اسرائيل التي فازت في جميع حروبها مع الانظمة الرسمية العربية، ولم تهزم الا عل ايدي المقاومة الاسلامية مرتين، الاول في العام الفين عندما اجبرت عل الانسحاب من جنوب لبنان من طرف واحد، ودون مفاوضات، والثانية في حرب تموز (يوليوز) عام 2006 التي يحتفل اللبنانيون بذكراها الثانية هذا الشهر. نقطة اخر يمكن التوقف عندها بتمعن من خلال متابعة هذا الحدث التاريخي. وهي تتجسد في الادارة المتميزة لقيادة "حزب الله" لأزمة الرهائن والمفاوضات بشأنها. فلم تعرف الحكومة الاسرائيلية مصير الجنديين الاسيرين الا في اللحظات الاخيرة، فقد اعطت قيادة "حزب الله" انطباعا مستمرا بانهما عل قيد الحياة، ولم تكشف عن وفاتهما الا بعد ان اوشكت الصفقة عل الاكتمال. هذه تجربة فريدة من نوعها تستحق الدراسة بتعمق لاستخلاص العبر منها، خاصة من قبل فصائل المقاومة الاسلامية الفلسطينية، وحركة "حماس" عل وجه التحديد التي تحتفظ بالاسير الاسرائيلي، جلعاد شاليط، في منطقة ما في قطاع غزة. من المؤكد ان حركة "حماس" تعلمت كثيرا من تجربة "حزب الله" في المجالات كافة، العسكرية والسياسة والاجتماعية، وهذا ما يفسر قدرتها عل اخفاء الجندي شاليط طوال هذه الفترة دون ان ينجح الاسرائيليون ومخابراتهم في الوصول اليه رغم اختراقاتهم الامنية العديدة في القطاع، المحدودة مساحته في اقل من 150 ميلا مربعا فقط، حيث لا جبال ولا وديان ولا غابات. اسرائيل تفقد بريقها تدريجيا، مثلما تفقد في الوقت نفسه سمعتها كقوة عسكرية اقليمية عظمى، والسبب في ذلك انها تمر في اول اختبار حقيقي لقدراتها على يد قوة عربية غير رسمية، او بالاحر ليس لها اي علاقة مع اي نظام رسمي عربي. ولا نبالغ اذا قلنا ان المصير البائس الذي وصلت اليه منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها يعود بالدرجة الاول الى ارتباطاتها بانظمة رسمية عربية متهاونة ومرتبطة بالولايات المتحدةالامريكية ومشاريعها في المنطقة. تبادل الاسر، وبالطريقة التي شاهدناها ، هو الانتصار الثالث للمقاومة اللبنانية بعد انتصاريها العسكريين باخراج القوات الاسرائيلية مهزومة من جنوب لبنان، وهزيمة الغزو الاسرائيلي الاخير للبنان، وتحطيم اسطورة الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر. الاسرائيليون يجب ان يدركوا ان الزمن يتغير، ولكن ليس لصالحهم، وانما لصالح الشعوب العربية، ومن يضحك اخيرا يضحك كثيرا ، مثلما يقول المثل الشهير.