من حين لآخر وخاصة خلال فترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية تكثر في المنطقة العربية وبدرجة أقل خارجها التصريحات والتحليلات التي تتنبأ بتحولات هامة في سياسة واشنطن تجاه القضية الفلسطينية، وفي الغالب تكون تلك التخمينات ذات توجه إيجابي بالنسبة لإيجاد حل لمأساة الشعب الفلسطيني. التجربة خاصة منذ حرب يونيو 1967 أثبتت أن الأمر لم يتعد الجري وراء السراب، وأنه تم استغلال الأوهام بشكل كثيف مما وفر مكاسب كبيرة لواشنطن وتل أبيب. الأمر الإيجابي أن الكثيرين أصبحوا بحكم التجربة قادرين على فهم الحقيقة أي الفارق بين السراب والواقع. في الرابع من يونيو 2009 ألقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطابا سمي "بداية جديدة" في قاعة الاستقبال الكبرى في جامعة القاهرة. وذكرت مصادر كثيرة أن الخطاب جاء وفاء بوعد من أوباما أثناء حملته الانتخابية بأن يوجه رسالة إلى المسلمين من عاصمة إسلامية في أشهره الرئاسية الأولى. وكالة رويترز ذكرت أن هدف الخطاب هو تحسين العلاقة بين أمريكا والعالم الإسلامي التي تشوهت كثيرا أثناء فترة رئاسة جورج بوش الابن. دعت خطبة أوباما إلى الفهم المتبادل بين العالم الإسلامي والعالم الغربي قائلا "أنه يجب على الطرفين أن يبذلا كل ما في وسعيهما لمواجهة التطرف العنفي. كان جزء طويل نسبيا في الخطبة هو حديثه عن السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. حيث أكد أوباما العلاقة القوية بين أمريكا وإسرائيل واصفا إياها بقوله "لا يمكن قطع الأواصر أبدا"، لكنه وصف أيضا حال الفلسطينيين بأنه "لا يطاق" وأكد أن تطلعاتهم لبناء الدولة، شرعية تماما كشرعية طموح إسرائيل في وطن يهودي. خلال السنوات الأربع التي تلت خطابه في القاهرة ضربت واشنطن بعرض الحائط أغلب ما تصور البعض أنه تم الإلتزام به. عودة إلى المسلسل القديم بعد إعادة انتخاب أوباما يوم 6 نوفمبر 2012 لولاية رئاسية جديدة مدتها أربع سنوات، عاد مسلسل الحديث عن التحولات القادمة الواعدة في سياسة البيت الأبيض خاصة في منطقة الشرق الأوسط الكبير وبالأخص فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. ولكن الملفت هو أن التركيز حتى الأن جاء من مصادر غربية. نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية يوم الخميس 8 نوفمبر 2012 تحليلا كتبه مراسلها جوليان بورغر تحت عنوان "فرصة اوباما الثانية لتغيير العالم"، في اشارة الى أنه قد يتحرر خلالها من القيود التي تفرضها عليه جماعات الضغط لأنه لن يحتاجها في انتخابات قادمة، بحيث تصبح لديه القدرة على التأثير في الاحداث في الشرق الاوسط بعد أن أحجم في ولايته الأولى عن استخدامها. جاء في التحليل: "في آخر مرة ظهر فيها اوباما منتصرا أمام الآلاف من أنصاره في شيكاغو ووعد بالتغيير، كان هناك إحساس بأن انتخاب أول رئيس أسود لأمريكا، اسمه الأوسط حسين، سيغير العالم. ومنذ تلك اللحظة عام 2008، تغير العالم بالفعل ولكن ليس من جانب اوباما. قوة الولايات المتحدة تقلصت عالميا ولم يكن لدى الولايات المتحدة خيار كبير سوى التطلع بدهشة والذهول أمام ظاهرة الصعود الصيني. أمام اوباما الآن أربع سنوات وفرصة ثانية للوفاء بوعده بأن يصبح وكيلا للتغير في العالم. منطق الفترة الثانية سيدفع به للمحاولة بالتأكيد. وكل الرؤساء يريدون إرثا باقيا، والغالبية الجمهورية في مجلس النواب والتي لها نزعة انتقامية عنيدة سترسل اوباما باحثا عن طريق في الخارج حيث سيتمتع بيد طليقة أكثر. أوباما سحب رسميا قواته من العراق. وبحلول العام 2014 ستكون القوات القتالية الأمريكية قد غادرت أفغانستان على الصعيد الرسمي أيضا. واستطاع كذلك إبعاد أمريكا عن الصراع السوري، ولكن الدعم للمعارضة المسلحة، الخفي منه والعلني، من المتوقع أن يزداد ببطء مع استمرارية القتال. اوباما بحاجة لتثبيت علاقات الولايات المتحدة مع موسكو للمحافظة على مبادرته "محور لآسيا" التي هدفها احتواء الصين الصاعدة والواثقة جدا، والتي بدأت في تحدي حلفاء أمريكا الإقليميين بخصوص الأراضي. وعليه أن يستمر في دعم هذه التحالفات ولكن ليست له سيطرة كبيرة على القوة الدافعة في المنطقة، والمتمثلة في النمو الاقتصادي الصيني والقلق السياسي المرافق لذلك. صعود الصين والقوى الجديدة الأخرى مثل البرازيل والهند يشكل تذكيرا بأن الولايات المتحدة تعمل في عالم متعدد الأقطاب. وسيكافح اوباما ضد القدرة المتناقصة للرئاسة الأمريكية على صياغة الأحداث في أنحاء العالم. ثمة استثناء واحد هو الشرق الأوسط، وخصوصا الصراع الاسرائيلي الفلسطيني. التحالف مع اسرائيل سيعطي اوباما نفوذا قويا يمكنه أن يؤثر على مسار الأحداث لكنه حتى الآن أحجم عن استخدامه. وفي خطابه الثاني الواعد بالتحولات في السياسة الخارجية الذي ألقاه في القاهرة تعهد اوباما بتغيير الدور الأمريكي في الشرق الأوسط وفهم العرب ذلك بأنه مزيد من الضغط من جانب الولايات المتحدة على اسرائيل لقبول اتفاق سلام يبقي للفلسطينيين دولة قابلة للحياة في حدود 1967. وعلى أي حال ففي مواجهة مع نتنياهو حول مستوطنات الضفة الغربية، تراجع اوباما، مفكرا في متطلبات إعادة انتخابه في بلاد موالية بقوة لاسرائيل. والسؤال الآن هو ما إذا كان لدى اوباما من قوة الاحتمال ما يدفع به للمحاولة من جديد". بلير والتبشير بأفق جديد المبعوث الدولي للشرق الاوسط توني بلير انضم يوم الاربعاء 7 نوفمبر للمبشرين بتطور في سياسة البيت الأبيض حيث قال أن إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما يفتح الطريق أمام استئناف الجهود لاحياء مفاوضات السلام المتوقفة بين اسرائيل والفلسطينيين. وذكر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق وثان مهندس للحرب ضد العراق، الذي كان يتحدث لوكالة رويترز انه لا يعتقد ان الولايات المتحدة فقدت الاهتمام بالصراع المستمر منذ عدة عقود مضيفا انه يأمل ان يرى مبادرة جديدة قريبا. وقال بلير في مقابلة بمكتبه في القدس "أعتقد أن إعادة انتخاب الرئيس أوباما تمنحنا فرصة للعودة الى مفاوضات السلام باحساس متجدد بقوة دفع وخطة للمضي قدما". ويمثل بلير اللجنة الرباعية للوساطة في الشرق الاوسط التي تضم الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة وروسيا وزار إسرائيل والأراضي الفلسطينية نحو 90 مرة منذ توليه مهمته في عام 2007. وذكر بلير انه يتفهم احباط الفلسطينيين لكنه نفى ما يتردد بشأن انتهاء فرصة حل الدولتين مع وجود أكثر من 500 ألف اسرائيلي الان يعيشون في اراض استولت عليها اسرائيل في حرب عام 1967. وقال بلير "أصبح من المألوف الآن القول بأن حل الدولتين لن ينجح. فقط ابحث عن البديل للحظة. ما الذي يعنيه حل دولة واحدة؟. انه يعني أنك ترسخ الصراع في هذه الدولة أيا كان شكلها". وامتنع بلير عن تأييد أو إدانة التحرك الفلسطيني في الأممالمتحدة لكنه حذر من أي ردود فعل متسرعة. وأضاف "يجب ان نتفهم الوضع الذي وجد الفلسطينيون أنفسهم فيه. المسألة كلها تتعلق بمصداقية الخطوات نحو الدولة. من مصلحتنا ان نقدم لهم طريقا يقود إلى الامام يسمح لنا على نحو أو آخر بالعودة إلى مائدة التفاوض". وأضاف بلير "لا أعتقد انه حدث أي تغير في رأي الرئيس أوباما وهو انه من المصلحة الاستراتيجية للولايات المتحدة والعالم ايجاد حل للقضية الفلسطينية الاسرائيلية". وفي وقت سابق قال سفير الولايات المتحدة لدى اسرائيل دان شابيرو انه من غير الواقعي الاعتقاد بأن اوباما سيتجاهل القضية الفلسطينية في ولايته الثانية. وأضاف دون ان يقدم أي توقع لما قد يفعله أوباما "دائما تجد القضية الفلسطينية طريقها للعودة الى جدول الأعمال. ولا يمكن توقع ان تختفي أو أن تبقى في ذيل الاهتمامات". وامتنع بلير عن التعليق على الخطوات المستقبلية مكتفيا بقوله انه من المهم ايجاد الاطار الصحيح للمحادثات. وذكر "أرى ان هذه القضية ما زالت مهمة للغاية ويمكن حلها. ليس لدي شكك في ذلك لكن هل يحدث هذا .. تلك مسألة أخرى". انتقام شخصي يوم 8 نوفمبر 2012 جاء في تقرير لوكالة فرانس برس بقلم جان لوك رينودي تحت عنوان "إسرائيل في موقف دفاعي وتخشى انتقاما محتملا من اوباما": وجدت الحكومة الاسرائيلية نفسها في موقف دفاعي بعدما تحدثت المعارضة والمعلقون عن احتمال "انتقام" الرئيس الامريكي باراك اوباما من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعد دعمه للمرشح الجمهوري الخاسر ميت رومني. وحاول وزير المال يوفال شتاينتز المقرب من نتنياهو دحض الاتهامات بالتدخل في الانتخابات قائلا للاذاعة العامة: "لم نتدخل في الانتخابات الامريكية وكنا حذرين للغاية". واضاف: "اولئك الذين ينشرون معلومات كاذبة عن التدخل الاسرائيلي في الانتخابات يضرون بمصالح اسرائيل"، في اشارة خصوصا الى رئيس الوزراء السابق ايهود اولمرت. وكان اولمرت الذي يفكر بالعودة الى السياسة عبر المشاركة في الانتخابات التشريعية في 22 يناير 2013، قال للجالية اليهودية في نيويورك بان نتنياهو "خرق القواعد الاساسية التي تحكم العلاقات بين الدول"، بحسب ما تناقلته وسائل الاعلام الاسرائيلية. من جهتها، نددت زهافا جالؤون من حزب ميرتس اليساري "بتدخل بنيامين نتنياهو السافر في الانتخابات الامريكية" ووصفته "بالرهان غير المسؤول". ورد نتنياهو في تصريحات نقلتها الاذاعة الاسرائيلية قائلا ان "بعض الاصوات بيننا تحاول افتعال خلاف مع الولايات المتحدة، لكنهم لن ينجحوا. سأواصل العمل من كثب مع الرئيس اوباما للدفاع عن مصالح اسرائيل". ولدى نتنياهو ورومني، اللذين يعدان من التيار اليميني في إسرائيل والولايات المتحدة، تقارب ايديولوجي يعززه انتماء رومني للديانة المورمونية التي تدعم في العادة اليمين الاسرائيلي المتطرف. وحاول سفير الولايات المتحدة في اسرائيل دان شابيرو تهدئة الاجواء قائلا للاذاعة ان "المعلومات حول رغبة في الانتقام لدى اوباما سخيفة". وتساءل المعلقون الاسرائيليون عن "الثمن" الذي سيقوم اوباما بتدفيعه لنتنياهو قبل شهرين من موعد الانتخابات التشريعية التي ترتدي اهمية بالغة في اسرائيل. وقالت صحيفة "يديعوت احرونوت": "نتنياهو راهن وسندفع نحن الثمن" بينما كتبت صحيفة "هآرتس" بان "لدى اوباما الان اربعة اعوام لتصفية حساباته مع نتنياهو لدعمه المفتوح لميت رومني، لاضعافه امام الكونغرس ولتجميد مفاوضات السلام مع الفلسطينيين بسبب الاستيطان وبسبب محاولاته تلقينه درسا عن الملف الايراني". من جهته رأى المعلق السياسي في الاذاعة العامة الإسرائيلية ان "الاختبار الاول للعلاقات بين نتنياهو واوباما سيجري عندما يقدم الفلسطينيون طلبا للحصول على صفة دولة غير عضو لفلسطين في الامم المتحدة". واضاف: "يامل نتنياهو في ان يقوم الامريكيون بالضغط على محمود عباس للتخلي عن المشروع، لكن الرئيس الامريكي سيطلب مقابل ذلك من رئيس الوزراء ابداء المرونة تجاه الفلسطينيين". وسيتركز الاختبار الثاني حول البرنامج النووي الايراني. ووفقا لعدد من المعلقين، فان اوباما قد يحاول التفاوض على اتفاق مع طهران من دون وضع حد زمني لذلك بينما يتهم نتنياهو ايران بالدخول في المحادثات لكسب الوقت". التحد الأول في تحليل للسياسة الخارجية لواشنطن، قال دبلوماسي أمريكي تنقّل في أكثر من دولة في آسيا وأمريكا اللاتينية، خلال محاضرةً بجامعة إلينوي في شيكاغو، بعد يوم من إعلان فوز أوباما: إن أول تحد لأوباما سيكون في رده على توجه الفلسطينيين إلى الأممالمتحدة، وستكون هذه نقطة البداية في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. وفي توضيح أكثر للصحف، عقب انتهاء المحاضرة، حول التحولات الجديدة في سياسة أوباما تجاه فلسطين وحل الدولتين والعلاقة مع نتنياهو بعد الدعم العلني الذي قدمه الأخير إلى رومني، قال: بالنسبة إلى أوباما، فإن العلاقات مع إسرائيل بشكل خاص غير مبنية على علاقة أفراد، أو مفهوم الحب أو الكره، لأن هذا تحليل سطحي، والعلاقة الشخصية لن تؤثر على العلاقات الإستراتيجية التي تحددها مجموعة من المؤسسات في الولايات المتحدة على رأسها الكونغرس ولوبيات الضغط المختلفة، علماً أن الانتخابات لم تغير كثيرا في موازين القوى في الكونغرس، والمعادلة باقية على ما هي عليه، ولكن مع إمكانية الضغط النفسي الذي سيمارسه أوباما في قضايا تكتيكية وليست إستراتيجية. أما بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، فإن التطور الإيجابي الوحيد يتمثل في المرونة التي سيظهرها أوباما الآن بعيدا عن الضغوط الانتخابية، وهذا سيخلق له فرصةً مهمةً للحركة والمناورة، ولكن ليس بعمق كبير. كما أن المؤشرات الأخرى لقوة الرئيس الأمريكي الخارجية الجديدة ستكون قائمةً على مدى الإنجازات التي سيحققها داخليا، بمعنى التحولات الاقتصادية والمالية الإيجابية أو السلبية على المواطن الأمريكي، فكلما نجح أوباما في تحقيق أثر إيجابي على القضايا الاقتصادية، تصاعدت قوته الخارجية. أما فيما يتعلّق بحل الدولتين، فما زال هذا الحل هو الخيار الأفضل لواشنطن، وهو ما يتطلب مزيدا من الضغط على الإسرائيليين والفلسطينيين للقبول بحلول وسط في القضايا الأساسية. حسب قول الدبلوماسي الأمريكي، الذي لا يوضح ماهية هذه الضغوط. بمعنى آخر، فإن المرونة التي توافرت لأوباما الآن لا يمكن أن تؤدي إلى تحولات إستراتيجية تجاه القضية الفلسطينية، علاقة التوتر الشخصية مع نتنياهو لن تساهم في قلب الموازين. الكاتب والمحل السياسي عبد الله السناوي صرح بعد الانتخابات الأمريكية: الاستراتيجية الامريكية واحدة تحكمها مصالحها سواء فاز اوباما او رومني، لكن الوسائل تختلف. واوضح السناوي ان هناك مصالح امريكية مؤكدة في استمرار العلاقات المصرية الاسرائيلية وتطبيعها، وتهميش القضية الفلسطينية والمضي في اسقاط النظام السوري واعادة ترتيب المنطقة من جديد، وهذا هو ما سيسعى اليه اوباما. نهج أمريكي لا يتغير قبل خمسة أيام من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، جاء في تقرير إعلامي غربي من القدس المحتلة: سيشعر معظم الإسرائيليين بالاطمئنان إذا فاز ميت رومني لأنهم سيفوزون بصديق لا يجادل، بدلا من منتقد لهم في البيت الأبيض. لكن محللين يرون ان أي تغيير سيكون في الاغلب في الأسلوب وليس الجوهر، حيث يتوقع أن تتبع أي إدارة جمهورية قد تجيء الى البيت الأبيض الطريق الذي خطه بالفعل الرئيس الأمريكي باراك أوباما مرشح الحزب الديمقراطي عندما يتعلق الأمر بإيرانوالفلسطينيين. والولايات المتحدة وإسرائيل دولتان حليفتان مرتبطتان ببعضهما البعض بقوة تجمع بينهما تحديات أساسية لدرجة أن من يكون في سدة السلطة لن يفرق كثيرا. وذكر زلمان شوفال، وهو سفير إسرائيلي سابق لدى الولايات المتحدة وعضو في حزب ليكود المحافظ الحاكم: "هناك قدر كبير من الاستمرارية في السياسة الخارجية، لا تتغير الأمور بين عشية وضحاها إذا تولى رئيس جديد السلطة". ولم يأسر أوباما قط قلوب الإسرائيليين ولا رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو. فالرئيس الأميركي اتهم بالضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات للفلسطينيين، خاصة في إطار جهوده لوقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة ورفض وضع خطوط حمراء للمشروع النووي الإيراني. وعلى الرغم من إشراف أوباما على علاقات عسكرية متقاربة بشكل لم يسبق له مثيل بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن الإسرائيليين يتذكرون أمورا اعتبرت هفوات، مثل عندما لم يكن لدى أوباما وقت للقاء نتنياهو أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لنيويورك شهر اكتوبر 2012 لالقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويلام أوباما أيضا على عدم زيارته لإسرائيل منذ توليه الرئاسة الأمريكية. لكن أربعة فقط من بين أحدث 11 رئيسا أمريكيا زاروا إسرائيل أثناء توليهم الرئاسة، وكان بينهم اثنان فقط زاروها في فترتهم الرئاسية الأولى. وأظهر استطلاع كشفت عنه جامعة تل أبيب أن يهود إسرائيل يفضلون رومني على أوباما بنسبة ثلاثة إلى واحد، وذلك على عكس النتيجة المتوقعة لتصويت اليهود في الولايات المتحدة. وقال إيهود ياري، وهو زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى المقيم في إسرائيل: "هناك وضوح تام بين رئيس الوزراء والبيت الأبيض ومعظم الإسرائيليين يعتقدون أن أوباما تعمد أن تسير الأمور على هذا النحو". واستطرد: "لكن لن يكون هناك اختلاف كبير بين أوباما ورمني فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني أو حتى في القضية الإيرانية. إن مسار السياسة الأمريكية في المستقبل محدد سلفا إلى حد كبير". ويشار إلى أنه خلال المناظرة الرئاسية الأخيرة قبل الانتخابات تم ذكر إسرائيل 34 مرة في حين لم يرد ذكر للفلسطينيين سوى مرة واحدة. وذكر آرون دافيد ميلر وهو مستشار أمريكي سابق بشأن عملية السلام إنه "بعد كل الوقت والجهد الذي بذله أوباما في القضية خلال فترة رئاسته والاستياء الذي قوبل به من طرفي الصراع، فمن غير المرجح أن يتطرق إلى الصراع قريبا". وأضاف: "إن التصور بأن الرئيس الأمريكي، وبعد تخلصه من الضغوط السياسية، سيتجه نحو خطة سلام طموحة ومبالغ فيها تضعه في صراع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي هو محض أوهام". الولاء المطلق خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية حاول الجمهوريون بقيادة ميت رومني إضعاف أوباما بتوجيه الاتهامات له بالتقصير في تأييد اسرائيل بالرغم من سجله الواضح في دعمها. هذه الجهود لم تثمر لأن الغالبية تتفق على ان اوباما ليس مذنبا بالتخلي عن اسرائيل. ويشير البروفسور روبرت فريدمان من جامعة بالتيمور العبرية، إلى زيادة الدعم العسكري لاسرائيل والمسافات التي قطعتها الولايات المتحدة خلال عام 2011 لصد جهود السلطة الفلسطينية لاستخدام الامم المتحدة كمنتدى لتحقيق الاعتراف بالدولة. وكتب فريدمان في صحيفة "بالتيمور صن": "اوباما هو أفضل رئيس أمريكي في التاريخ بالنسبة إلى اسرائيل". ويسجل أن الديمقراطيين تداركوا تأخرهم خلال مؤتمرهم الذي جرى في نطاق الاعداد للحملة الانتخابية، في تحديد موقفهم من قضايا أساسية بالنسبة للحركة الصهيونية، وإستدركوا بالتأكيد في برنامج حزبهم على أن "القدس هي وستظل عاصمة لاسرائيل". وقد إعيد إدراج ذلك الأمر من خلال تصويت جرى بطلب من الرئيس اوباما. وحقيقة أنه شعر بالحاجة إلى التدخل بنفسه هي كاشفة بحد ذاتها: فهو يعلم أن خسارة حتى صوت يهودي واحد هي أمر لا يمكنه تحمله. حوارات عديدة أجريت مع ناخبين يهود قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية بينت حجم إمتنان الكثير من الناخبين اليهود الأمريكيين لسياسة أوباما. قال عميرة غولدشتاين: "اوباما فعل كل شيء باستطاعته لدعم اسرائيل. تخلصنا "ويعني هنا إسرائيل" تدريجيا ولمدة طويلة قادمة من الكثير من التهديدات، مساندة واشنطن للثورة في سوريا حطمت القدرة العسكرية لدمشق وطوقت عنق حزب الله اللبناني بحبل مشنقة، ومصر مشغولة بتبعات ثورة 25 يناير 2011 والأحداث في القاهرة ستقود إلى مزيد من استنزاف قدراتها واستقرارها، كل ذلك تم في ظل توجيهات أوباما. أوباما كان حكيما فلم يختر دائما سبل الصدام المباشر مع خصوم إسرائيل، لقد وصل إلى ما يفيد عن طريق أطراف ثالثة وبإسلوب منخفض الكلفة". مخاوف أمريكية أكد المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي إن الولايات المتحدة تخشى قيام أي ديمقراطية حقيقية تعكس الرأي العام للشعوب في المنطقة العربية خاصة مع تداعي قوى هيمنتها على العالم. وذكر تشومسكي الأستاذ الفخري في قسم اللغويات والفلسفة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والمحلل السياسي المشهور بنشاطه الفكري ومعارضته للسياسة الخارجية الأمريكية وإنتقاده للاحتلال الإسرائيلي، في محاضرة في الجامعة الأمريكيةبالقاهرة يوم الثلاثاء 23 اكتوبر 2012: إن الأمر الأخطر بالنسبة للولايات المتحدة سيكون التحركات تجاه استقلالية القرار في منطقة الشرق الاوسط. وأضاف أن مخططين أدركوا منذ الاربعينيات من القرن الماضي أن السيطرة على مناطق مخزونات الطاقة في الشرق الاوسط له علاقة كبيرة بالسيطرة على العالم أجمع. وأضاف أنه لا يعني بالضرورة هنا الاستحواذ على مصادر الطاقة في المنطقة وإنما السيطرة عليها فقط حتى ولو اعتمدت الولايات المتحدة كلية على الطاقة الشمسية أو على مخزوناتها النفطية. وذكر تشومسكي أن هناك خطرا آخر في منطقة الشرق الاوسط بالنسبة للولايات المتحدة يتمثل في احتمال أن تتحرك المنطقة صوب استقلالية حقيقية لها معنى وقال إن هذا يمثل تهديدا خطيرا لها. وأشار إلى أن هناك دراسات كثيرة للرأي العام في العالم العربي أجرتها وكالات أمريكية لاستطلاع الرأي وتوصلت إلى نتائج مشابهة تفيد بأن الولايات المتحدة لا تريد حقا أن تعبر السياسات في الدول العربية كمصر وغيرها عن الرأي العام لشعوب المنطقة. وذكر المفكر الأمريكي اليهودي المشهور خاصة في الغرب أن تعامل واشنطن مع العديد من الاحداث في المنطقة العربية يظهر بوضوح الطريقة التي يتعامل بها الغرب بشكل عام مع الديمقراطية حيث يكون "لا بأس بها طالما تأتي بالنتيجة التي يرغب بها الغرب". أوهام خطة من 14 نقطة يوم الخميس 8 نوفمبر 2012 قال المبعوث الخاص السابق للرئيس الأمريكي باراك أوباما لعملية السلام دينس روس: "إننا لن نرى تغيرا كبيرا في سلوك إدارة أوباما في دورتها الثانية تجاه عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل" بما يكسر الجمود ويجلب الطرفين إلى الاتفاق على المسائل العالقة بينهما والخروج من الحلقة المفرغة والتوصل للحل المرجو. وكان روس يتحدث في مؤتمر نظمه "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، مركز الفكر المقرب من الحكومات الإسرائيلية المتتابعة، خاصة الليكودية منها حيث كان يعمل مسؤولا في السابق، ويحتل اليوم موقع "كبير المستشارين" للمعهد، تحت عنوان "بعد الانتخابات: آثار انعكاسات السياسة الخارجية الأمريكية على الشرق الأوسط" لبحث الأولويات التي يجب على إدارة أوباما تبنيها في الشرق الأوسط في دورته الرئاسية الثانية. وقال روس الذي شارك بالندوة إلى جانب مدير المعهد روبرت ساتلوف والباحث في المعهد جيم جيفريز الذي عمل سفيرا للولايات المتحدة في العراق حتى ربيع 2012 "إن تركيز اهتمام الإدارة في دورة أوباما التالية يجب أن يعطى إلى الملف النووي الإيراني" بانعكاساته وتداعياته الخطيرة على العالم حسب زعمه. أما بما يخص "عملية السلام" بين الفلسطينيين وإسرائيل يقول روس "لقد فقد كل من الإسرائيليين والفلسطينيين حماسهم، وربما آمالهم، في تحقيق صفقة تنتهي بحل الدولتين والفلسطينيين، وبالتالي فإن انخراط الإدارة المقبل في هذه العملية يجب أن ينضبط إلى المعطيات الجديدة." ويضيف روس الذي كرر أكثر من مرة "إن الفلسطينيين لم يعودوا مهتمين بحل الدولتين" أن على الرئيس أوباما أن يوجه رسالة إلى إسرائيل مفادها أن "الوضع الراهن صعب الاستدامة" ويجب اتخاذ خطوات لازمة لتدارك احتمال انهيار السلطة الفلسطينية. وأضاف روس قبل القيام برحلة إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة على رأس وفد من كبار باحثي المعهد وأنصارهم لبحث الأوضاع الراهنة مع المسؤولين من الطرفين: "الخطوات الثنائية الملحة التي يمكن من اتخاذها من قبل الطرفين إلى حين التوصل إلى اتفاق سلام شامل بينهما" في إطار رده على سؤال وجهته صحيفة القدس بخصوص رؤيته لهذه الخطوات "إنني أحمل معي خطة من 14 نقطة: سبعة يقوم بها الإسرائيليون وسبعة أخرى ينفذها الفلسطينيون". وشرح روس أن اقتراحه الذي يرفض الخطوات الانفرادية ولكنه يصبو إلى إعادة بناء الثقة بين الطرفين، في فترة يتحدثون فيها مع بعضهم البعض كحوار الطرشان "يتطلب من إسرائيل: 1- تعويض المستوطنين المستعدين إخلاء بيوتهم في الضفة الغربية والعودة إلى داخل إسرائيل. 2- بناء مساكن لهم في المناطق المقرة لإسرائيل. 3- البناء والتوسع في المستوطنات الشرعية والتي هي جزء من إسرائيل. 4- العمل على دعم الاقتصاد الفلسطيني والسماح للفلسطينيين بفضاء اقتصادي متنامي هم في أشد الحاجة اليه. 5- تخفيف القيود على الفلسطينيين في منطقتي "ب" و "ج"، 6- إعطاء الفلسطينيين سلطات أمنية في منطق "ب". وأخيراً، 7- يجب على إسرائيل في المنطقة "أ" التي تقع تحت سيطرة السلطة الكاملة عدم التوغل في أراضيها تحت أي ظرف وبدلاً من ذلك التوصل إلى برتوكولات تنسيق أمني مع الفلسطينيين للتعامل مع أي ظرف أمني". أما بالنسبة للفلسطينيين فيقترح روس أن "عليهم اتخاذ خطوات تنص على: 1- وضع إسرائيل على الخارطة الخاصة بهم، الفلسطينيون لديهم الكثير من الخرائط التي تبين المستوطنات الإسرائيلية ولا تظهر إسرائيل، 2- وقف التحريض ضد إسرائيل. 3- معنى دولتين لشعبين هو الإقرار بارتباط الطرفين التاريخي بهذه الأرض. 4- العمل على أقلمة الشعب الفلسطيني لتقبل السلام، هذا السلام الذي كان يسميه ياسر عرفات "سلام الشجعان" بمعنى استعداد الطرفين لتقديم التنازلات الموجعة. 5- العمل على إعادة بناء مخيمات اللاجئين وإنقاذ الفلسطينيين الذي يقيمون فيها من الأوضاع البائسة التي يعيشونها. 6- الاستمرار في بناء مؤسسات الدولة لإثبات أهلية الفلسطينيين للحصول عليها. وأخيرا 7- فسح المجال لرؤية الإسرائيليين على أنهم بشر خاصة وان خبرة الفلسطينيين تقتصر كثيراً من الأحيان على مواجهة الجنود الإسرائيليين، ولا يعرفون من الإسرائيليين إلا الجنود، والبدء بالتبادل في إرسال الشبيبة الفلسطينية لإسرائيل، ربما ابتداء من الصف الثالث أو الرابع". أما روبرت ساتلوف، مدير المعهد، فوجه نصيحة للرئيس الأمريكي أوباما قائلاً "الأولوية ألأولى هي ردع إيران، الثانية في العمل مع القادة الجدد في مصر، الثالثة دعم المعارضة السورية بشكل مباشر، أما بخصوص عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين فهي ليست أولوية، ولكن الحفاظ على السلطة الفلسطينية فتعتبر أولوية مهمة". [email protected]