مما لاشك في أن الدعم الذي تخصصه الدولة لبعض المواد الأساسية كالمشتقات البترولية والقمح اللين والسكر تنزل بكل ثقلها لتزيد من تأزيم الميزانية العامة. فقد ارتفع هذا الدعم إلى 51 مليار درهم في سنة 2011 بنسبة ارتفاع وصلت إلى 59.1 في المائة حتى متم يوليوز 2012 ليستقر في 31.8 مليون درهم مقابل 20 مليون درهم خلال نفس فترة 2011. ووصلت نسبة تنفيذ نفقات المقاصة إلى 80.6 في المائة خلال الستة أشهر الأولى من سنة 2012 متسببة في ركود فظيع لامكانيات صندوق المقاصة كما أشار إلى ذلك وزير المالية الذي يقدر أن هذه النسبة «كان من الممكن أن تكون أكثر أهمية لو أن قرار الزيادة في أسعار المحروقات الذي لجأت إليه السلطات العمومية بداية من 2 يونيو 2012 لم يتم تنفيذه». وتشكل عمليات الدعم تكليفا ثقيلا بخصوص الميزانية العامة التي أصبحت تهدد الميزانية والاستثمار العمومي اللازم لإنعاش النمو. وكإجراءات لدعم القدرة الشرائية لفائدة السكان الفقراء، فإن إجراءات الدعم هذه لا تستجيب لرغبات وأهداف هؤلاء السكان لأنها تتوجه إلى الفئات الميسورة من السكان وإلى بعض الصناعات التي تستخدمها كوسيلة للامتصاص وتستفيد منها بدون شروط. وهكذا أصبح إصلاح نظام المقاصة مطلوباً أكثر وورشه أصبح واحداً من أكثر العمليات الملحة في إطار البرنامج الحكومي. وإذا كانت ظروف وشروط هذا الاصلاح لم تتضح حتى اليوم، فإن الحكومة تعتزم إطلاق هذا الورش بشكل متصاعد بشأن سنوات عديدة لتفادي المنعرجات التي أخرت عمليات الدعم. إن إصلاح نظام المقاصة يجب أن يكون عميقا بهدف ضمان مزيد من الاستقرار الاجتماعي في البلاد حسب ما أكده وزير الشؤون العامة والحكامة نجيب بوليف. وإذا كانت الحكومة تهتم ببعض التجارب الدولية في مجال إصلاح نظام المقاصة ومواجهة الفقر كما هو الحال في البرازيل، فيبدو كما لو أنها تريد توجيه هذه التجارب الدولية باتجاه سيناريو نقل مالي حسب الدراسة الحديثة لمجلس المنافسة على تحرير أسعار المواد المدعمة. فارتفاع الأسعار نتيجة تحريرها يمس مستوى معيش المستهلكين وخاصة السكان الضعفاء طالما أن الأمر يتعلق بمواد أساسية. فالزيادة الأكثر أهمية هي تلك المتعلقة بغاز البوطان الذي ارتفع سعره بحوالي 2.10 في المائة. وهذه الزيادات تتضرر منها ولاشك فروع لصناعات تستخدم مثل هذه المواد في تنفيذ نشاطها وخاصة صناعات الأغذية الفلاحية، والنقل، ومواد إنتاج الكهرباء. وبخصوص الزيادة في المواد الأخرى كالبنزين والكازوال والفيول فإنها تضر بالفئات الضعيفة لكن بشكل غير مباشر (لتكلفة النقل والكهرباء مثلا). كما أن تحرير الأسعار يدفع إلى الرفع من النفقات بنسبة 422درهم للشخص الواحد خلال سنة بخصوص المواد الثلاثة المذكورة أي في المعدل إنفاق إضافي بنسبة 2.11 في المائة سنويا بالنسبة لأسرة من خمسة أفراد. وهكذا يكون لتحرير الأسعار تأثيرات ملموسة على القدرة الشرائية للمواطنين وخاصة الضعفاء... وهذا ما يجب أن يهتم به كل نظام إصلاح للمقاصة.