دعا جلالة الملك في الخطاب الذي وجهه إلى الأمة بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب وعيد الشباب، إلى وضع استراتيجية شاملة للنهوض بالشباب على قاعدة منظومة تربوية مندمجة تجمع بين الهوية الوطنية وبين الانفتاح على العالم انطلاقا من تحليل عميق للواقع ومعالجة عملية للمشاكل التي تعاني منها القوى الشبابية الحية في البلاد واستشرافاً لآفاق المستقبل الذي تتضافر الجهود الوطنية لبنائه. وكان الحرص الذي أبداه جلالة الملك على الربط بين ذكرى ثورة الملك والشعب وعيد الشباب، ذا دلالة عميقة في سياق المرحلة الراهنة التي تتبوأ فيه قضايا الشباب المكانة المتقدمة ضمن اهتمامات الحكومة باعتبار أن العناية بالشباب والعمل على فتح أبواب الأمل أمامه وتوفير الفرص الملائمة لاستغلال قدراته وتوظيف طاقاته، يمثلان الأسبقية في المخطط الإنمائي الهادف إلى الانتقال بالمغرب من مرحلة كانت تتسم بالتعثر والبطء وربما القصور والعجز في السياسات التنموية، إلى المرحلة الحاسمة التي تتجاوز المعوقات وتنطلق نحو بناء التنمية الشاملة المستدامة التي تستفيد من ثمراتها الأجيال الحالية والأجيال المقبلة في توازن مدروس هو خاصية من خصائص البرنامج الحكومي الحالي. ومن دلالات هذا الربط المحكم بين ثورة الملك والشعب وعيد الشباب، أن النهوض بالقوى الشبابية الحية هو بكل المقاييس استمرار لهذه الثورة الوطنية التي انطلقت في سنة 1953 ومرّت بمراحل كثيرة مثلت محطات فاصلةً في تاريخ المغرب المعاصر، كانت كل مرحلة منها تجديداً لمضامين الثورة، وتطويراً لأهدافها، وتحديثاً لوسائلها، وضخاً لدماء جديدة في شرايينها في تواصل واستمرار هما الطابع المميز للمعارك التي ينخرط فيها الشعب بقيادة العرش في تلاحم وترابط وميثاق غليظ هو العروة الوثقى التي لا انفصام لها. لقد أكد الخطاب الملكي السامي بما اشتمل عليه من مضامين عميقة، أن النهوض بالشباب على جميع المستويات ووفق رؤية شمولية، هو المعركة الكبرى التي يتوجب على جميع المغاربة خوضها، وليس على الحكومة فحسب، لأن التحديات أكبر من أن تواجهها السلطة التنفيذية في معزل عن السلطات الأخرى، وعن المجتمع المدني والقطاع الخاص وكل القوى الحية في البلاد. ولذلك كان الأمر يحتاج إلى وضع استراتيجية وطنية تقوم على منظومة تربوية شاملة ومتناسقة تجمع بين النمط التعليمي الحديث الذي ينمي الحس النقدي ويشجع على الابتكار وعلى تفجير الملكات لدى الناشئة، وبين التكوين والتدريب وصقل المواهب وخلق الحوافز وصولا إلى التعليم النافع الذي يقوم على الجودة بكل مدلولاتها. فالتعليم الجيد هو التعليم الراقي الذي يساهم في التنمية ولا يكون عبئاً على التنمية. حقا لقد وضع الخطاب الملكي النقط فوق الحروف، حين ربط بين النهوض بالشباب وبين المنظومة التربوية التعليمية الجديدة التي تواكب متغيرات العصر وتستجيب لتطلعات الشباب الذي يبحث عن ذاته ويطمح في التغيير البناء لا التغيير الهدّام وينشد الحياة الكريمة التي تقوي روح الانتماء وإرادة البناء والأمل في المستقبل. فاستراتيجية النهوض بالشباب وإشراكهم في تنمية الوطن وفتح الآفاق الواسعة أمامهم، كل ذلك جزء من المسؤولية الجماعية، وشكلٌ جديدٌ من ثورة الملك والشعب التي لم تكن تستهدف تحرير الوطن وعودة الملك الشرعي فحسب، وإنما كانت ولا تزال ترمي إلى تحرير المواطن وتكريمه لأنه جوهرة هذا الوطن وصاحب الحق في أن يحيا حياة حرة كريمة عزيزة في ظل الأمن والأمان والاستقرار والسلم الأهلى والتنمية الشاملة التي يجني ثمارها كل المواطنين بدون استثناء. فليست الاستراتيجية المطلوبة التي دعا إليها جلالة الملك مجرد خطة عمل سياسية واجتماعية واقتصادية، ولكنها مشروع وطني جديد للنماء وللبناء ولترسيخ الانتماء إلى هذا الوطن، إنها بعبارة واضحة مركزة ومختصرة، خطةٌ وطنيةٌ شاملة وجامعة لبناء المستقبل. وبذلك يكون جلالة الملك بحسّه الوطني المرهف وبرؤيته الثاقبة إلى المستقبل، قد رسم خريطة الطريق نحو النهوض بالشباب حتى يكون عماد النهضة المغربية الجديدة.