لم يعد يفصل الدستور الجديد عن إطفاء شمعته الأولى سوى أيام قليلة من دخوله حيز التنفيذ في 29 يوليوز من السنة الماضية بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.11.91 الصادر في 27 من شعبان 1432 ( 29 يوليوز2011 ) مادام تطبيق أحكام الدستور مرتبط بإقراره من طرف المجلس الدستوري. إن ميلاد وثيقة دستورية جديدة خرجت من رحم نخبة مغربية في إطار مقاربة تشاركية شكلت تجربة فريدة علق عليها المغاربة آمالا كبيرة في تحقيق التحول الديمقراطي المنشود بأبعاده السياسية الاقتصادية والإجتماعية والحقوقية،مما جعلهم وغيرهم من المهتمين بالشأن المغربي يتتبعون باهتمام بالغ مسار وخطوات تفعيل وتطبيق مضامين الدستور الجديد مادام الإصلاح الدستوري ليس غاية في حد ذاته بقدر ما هو وسيلة لتحقيق تطلعات المواطنين والاستجابة لانتظار اتهم وانشغالاتهم في مختلف مجالات الحياة ، مادامت قيمة الوثيقة الدستورية لا تكمن فقط فيما جاءت به من أحكام، ولكن بتطبيق مضامينها التطبيق الديمقراطي الأمثل في إطار التوجهات والاختيارات التي اعتمدها الشعب المغربي عندما صوت بأغلبية ساحقة على الإصلاح الدستوري المنشود في فاتح يوليوز 2011، مادام الإصلاح الدستوري الذي أعلن عنه جلالة الملك في خطاب 9 مارس شكل محطة تاريخية في الحياة السياسية المغربية والمسار الديمقراطي بالبلاد . - فإلى أي مدى تم تفعيل أحكام الدستور في إطار الاختيار الديمقراطي الذي أصبح إحدى ثوابت الأمة في ظل الإصلاح الدستوري الجديد ؟ - هل هناك إستراتيجية واضحة المعالم وأجندة محددة لضمان التفعيل الديمقراطي للوثيقة الدستورية الجديدة ؟ وإلى أي حد لمس المواطنون تفعيلا حقيقيا لهذا الإصلاح الدستوري في مختلف أوجه الحياة سواء فيما يتعلق بحقوق المواطنة الحقة ، ربط المسؤولية بالمحاسبة ، إعمال معايير الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام ، اعتبار القانون أسمى تعبير عن إرادة الأمة والجميع أشخاصا ذاتيين واعتباريين ، بما فيهم السلطات العمومية متساوون وملزمون بالامتثال له ، ضمان المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين ، الحق في الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام ، الحق في الاستفادة من العلاج والعناية الصحية والحماية الاجتماعية وتعليم عصري ميسر والسكن اللائق والشغل والتنمية المستدامة وغيرها من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمدنية المنصوص عليها في الفصول 31-32-33-34-35-36،بالإضافة إلى ما نص عليه الدستور من مبادئ الحكامة الجيدة في تنظيم المرافق العمومية وكيفية الاستفادة منها بما يضمن ربط المسؤولية بالمحاسبة . لقد تباينت مواقف وآراء المهتمين والمتتبعين للشأن السياسي المغربي بخصوص مدى تطبيق أحكام الدستور بعد مرور سنة على دخوله حيز التنفيذ ، حيث تفاوتت ردود الفعل بين متفائل ومتشائم ،ولكنها أجمعت على تحقيق مكاسب دستورية مهمة تمثلت أساسا في احترام المنهجية الديمقراطية بتعيين جلالة الملك لرئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 25 نونبر 2011 وتشكيل الحكومة على أساس نتائجها وفقا لأحكام الفصل 47 من الدستور،تنصيب الحكومة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلعة للأعضاء الذين يتألف منهم لصالح البرنامج الحكومي الذي قدم خطوطه الرئيسية رئيس الحكومة أمام البرلمان ، احترام المقتضى الدستوري الذي يهم جلسات الأسئلة الشفهية الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة للحكومة وبالمقابل ، هناك اجماع على ضرورة تسريع وتيرة التفعيل الأمثل للدستور الجديد باعتباره يمثل تطورا مهما في البناء الدستوري للبلاد ومدخلا رئيسيا للإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية وإعطاء الممارسة الديمقراطية مدلولها الحقيقي بما يضمن تجاوز مرحلة الانتقال الدستوري في أقرب الآجال لما فيه تجسيد الشرعية الدستورية باحترام أحكام الدستور نصا وروحا وإعادة الثقة في المؤسسات في إطار فصل السلط وتوازنها وتعاونها وربط المسؤولية بالمحاسبة . الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بالتفعيل الديمقراطي للدستور ، بما في ذلك التعجيل بتنفيذ مخطط تشريعي سواء تعلق الأمر بالقوانين التنظيمية أو القوانين المؤسسة باعتبارها تشكل المدخل الأساسي للبناء الدستوري ومسؤولية مشتركة بين الحكومة والبرلمان مادام كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية موكول إليهما مهمة اقتراح هذه القوانين كما ينص على ذلك الفصل 78 من الدستور مادام البناء الدستوري باعتباره كل لا يتجزأ يشكل لحظة تأسيسية ينبغي الانخراط فيه بكل قوة بما يضمن التفعيل الأمثل لمضامينه روحا ونصا كما تم الانخراط في مرحلة الإصلاح الدستوري ابتداء من التجاوب الشعبي مع إعلان 9 مارس لميلاد وثيقة دستورية جديدة إلى التصويت الإيجابي مع الدستور مرورا بالمشاركة المكثفة في المحكمة الدستورية ، بما يضمن لهذا البناء الدستوري قوته ومناعته ونجاعته في تحقيق الأهداف والمرامي المتوخاة منه من حيث تحصين النموذج الديمقراطي المغربي المتميز وجعله دعامة أساسية لانخراط المغرب نادي الأنظمة الديمقراطية المعاصرة ورافعة رئيسية للتنمية.