لا يمكن لمن يقرأ عبد الجبار السحيمي ويعرفه، أن يتجاوز وقفة ضرورية عند باكورة إنتاجه الإبداعي، المتمثلة في مجموعته القصصية "الممكن من المستحيل"، لا بالضرورة من حيث ما تقتضيه بحكم موقعها في الأدب المغربي فحسب، من الدلالة التأسيسية والترسيخية لفن كان وما يزال يتجدد، ولا من حيث دلالتها على التطور الفني للمبدع، وإنما من حيث ما تتيحه للفكر المتمعن من فرص التأمل وسوانح التأويل والاستنتاج، وهذه إحدى مقامات الارتقاء في العمل الفني والإبداع الأدبي. صحيح كما يقول "أوسكار وايلد" في إحدى خواطره البسيطة الدالة، إن أي تأويل للعمل الأدبي مسؤولية يتحملها وحده المؤول؛ بيد أنها هنا، وربما دائماً، مسؤولية مقبولة ومشرفة، وهي ما يؤسس قيمة العمل الإبداعي الذي من شأنه ألا يسلمك كليته بالمباشر، أو أن من شأنه أنك لا تستوعب كل رسالته إذا وقفت عند مجرد الأولي السطحي والظاهري، والحال أن الإبداع القصصي لعبد الجبار، يسهل مهمتك إذا كنت راغباً في المعنى أو المغزى الجاهز مباشرة، وفي اقتطاف الوارد أول شئ إلى الفهم والتصور، فهو بطبيعته أدب لا يتقعر ولا يتمحل، لا شكلا ولا مضموناً ولا لساناً، لكنه لا يسف أو يبتذل، بل هو أعلق ما يكون بالمتداول من مقولة "السهل الممتنع"، فنحن مع عبد الجبار في عالم سردي قصير، يحمل كل الخصائص الفنية لجنسه الأدبي، ولا تنقصه الخصوصية الذاتية لعبد الجبار من فرادة في الرؤية ودقة في الرصد والاقتناص، مع اقتصاد في العبارة والإشارة. يمكنك في قصص عبد الجبار، أن تقف عند الحدث والمشهد والشخصية وجماع ذلك كله وما في معناه، لتتشبع بروح القص مما يحقق غايتك في الفائدة والمتعة، لكن يمكنك أن تذهب إلى بعيد، إن كنت غاوي مغامرة فكرية ورحلة على أطياف الحروف، وبدلا من أن تسائل عبد الجبار أو تتساءل بصدد ما يكتبه عما يريد أن يقول، كما نتساءل في العادة أمام خطب ما او خطاب رغبة في التأكذ والتأكيد، أو طمعاً في مزيد فهم ووضوح؛ يمكنك على نحو مغاير تماماً، أن تتساءل بكل جدارة هنا، عما لا يريد أن يقوله الكاتب، والمسألة هنا بالغة الدقة في التمييز بين ما يريد الخطاب أن يقول، وما يريد ألا يقول، دون أن تكون لها علاقة بالموقف والمسؤولية، فهي تبقى إبداعية تواصلية خاصة وخالصة، وهنا مدخل استشفاف ما بين السطور، وتقري البياضات، والتفتح لإشعاع النص، مما يتجاوز العبارة والحدث والشخصية وكل النواقل التواصلية المعتادة والمباشرة. البداية إذن من البداية، أو مما قبل البداية، فهما سيان؛ ونقصد بذلك ما قبل أول قصة في المجموعة. بطبيعة الحال، قد يوجي هذا التنبيه إلى أننا أمام "عتبة" غالباً ما تكون هامشية، إن لم نقل دخيلة على النص، تؤسس عبر إيماء أو إيحاء، وظيفتها التهييئ أو التحفيز أو الاستباق أو الإثارة، كما أنها تأتي مستعارة من مجال ما، أو شحص، أي أنها تحمل مرجعية قد تكون حقيقة مؤكدة، كما قد تكون لا مؤكدة ولا حقيقية، أو غير ذلك مما يضاعف من قوة فعلها وشدة تأثيرها؛ بيد أن العتبة السحيمية هنا مخالفة لكل ذلك، وهي في واقع الأمر ليست مجرد عتبة، بل هي باب لا ثقيل ولا هين ولا بين ذلك، بل بوزن وفعل ما تريده وتستطيعه أنت، فهو على مقاسك وقدرك، ومفتاحه منك إليك بين يديك. إنه بكل بساطة بداية البداية أو ما قبلها، وهو ما يمثله العنوان ذاته "الممكن من المستحيل"، وعندما تبحث عن قصة تحمل هذا العنوان، ضمن ما تحتويه المحموعة من جملة 14 قصة التي تشملها الأضمومة، فلن تجد واحدة بهذا العنوان، فلا هي القصة الأولى كما يعمد إلى ذلك أغلب الأدباء، ولا هي الأخيرة كما يذهب إليه آخرون، ولا بين ذلك وسطاً أو طرفاً، كما ينصرف إلى ذلك الذهن الذي يبلغ حد لعبته في الافتراض، فيكل ويترك لعبته التخمينية مفتتحاً ومتابعاً قراءته، أو يتغذى وينشحذ ليظل منشغلا بحدود اللعبة وما وراء حدودها، متسائلا ما الذي يريد ألا أن يقوله عبد الجبار: أ المستحيل من الممكن؟ والعكس؟ أيهما هذا وأيهما ذلك؟ ما الكنه والعلاقة؟ إن عنواناً كهذا بلا استعارة من عتبة، ولا توجيه من مقدمة، يضعك على حدود المغامرة وبين حدودها اللانهائية المختلفة، ومقام "بين الحدود" هذا هو "الشفرة" الأولية أو المبدئية للنص إذا جاز التعبير، وهي ما يمنحه الوضوح والالتباس اللازمين، مشكلا تضاريسه وبسائطه، ليخرج به من مقام النثرية السردية الملساء، إلى تلك التي تظل عالقة بطعم الهم والانشغال. البنية الحدودية ما بين المستحيل والممكن، هي لا هذا ولا ذاك، أو هما معاً على وجه جدلي يتيح الانتقال من هذا إلى ذاك والعكس، لأنه مقام الإرادة والأمل والتطلع، دينامية جدل يبدو "قضاء قدرياً" أو ضرورياً على الأصح، يتولد فيها كل طرف عن الآخر، معادلة كل فيها شرط ضده وعامله، يتوقف وجود كل منهما على الآخر، توالد ليل ونهار في دورة وجودية أزلية. لا يعتي الموقف الفكري هنا استكانة لقاهر ظروف "قضاء قدرية" ولا خنوعاً واستسلاماً، بقدر ما يعني إرادة وتصميماً على ممارسة الوجود واعتبار معادلته الصعبة، بما يعني تحمل الدور ضمن جدل الممكن والمستحيل: يمثل المستحيل واقعاً صلداً رابضاً كاتماً، ليتولد من صلبه الممكن بإرادة خلق إنسانية؛ وبالمقابل يتجسد الواقع بدوره في مستوى الممكن حاداً محدوداً ضيقاً مضيّقاً كاتماً ضابطاً ضاغطا، يتولد منه المستحيل بإرادة خلق إنسانية؛ هنا جدلية توالد اللانهائي من المحدد المحدود، وهناك تخلّق المحدد المحدود من رحم اللانهائي، فيغدو المستحيل ممكناً والممكن مستحيلا في جدلية عميقة البساطة والبداهة، والفاعل إرادة الإنسان ووعيه والتزامه. تطالعنا أول قصة، مفتتح المجموعة بعنوان "المساء الأخير"(1) لتطرح جدلية الأمل واليأس في موقع وجودي بامتياز، وهو موقف الحب بما يتطلبه من مقاساة أسئلة حارقة وانتظار، هل يتم اللقاء أم لا يتم؟ وهو لقاء ليس الأول من نوعه، وإنما ياتي بعد علاقة تبدو متأرجحة بين قطبين: مثال الحب كما يرتسم في الفكر وتتعشقه المشاعر الذاتية من جهة، ومتطلبات الواقع المادية بما تطرحه من أسئلة، طرفان: أي منهما الممكن وأيهما المستحيل؟ يتجاذبان أو يصطرعان لينجلي الموقف عن عدم لقاء، أو بالأحرى عن نهاية انتظار أو اقتطاع حبله، بما يمثل إرادة أو شبه إرادة لتجسيد الموقف: إرادة؟ شبه إرادة؟ تخطيط وقصد وتصميم لصنع اللحظة؟ خضوع واستسلام وقبول لما يمليه الموقف وشروطه؟ أيهما الممكن؟ أيهما المستحيل؟ أما آخر قصة، قفل الباحة إن صح التعبير، فتوافينا بعنوان "كما هي العادة"(2)؛ والعادة أن يعود إليها في عشهما المألوف بعد عقدين من عشرة زواج، بحيث تحفظ حركات عودته عن طهر قلب، وتستعيدها في غيابه كما في توقع عودته الآلية عقب انتهاء نوبة عمله الليلية كل ليلة... كل شئ في علاقتهما دخل خانة المعتاد المكرر، كل شئ آلي، على مدى عقدين بدون نتيجة مرجوة، بلا إنجاب... لكنه هذه المرة لم يعد، ولن... ما بين مصراعي بابي المجموعة، من دخول وخروج، بغض النظر عن التفصيل التأثيث كما يعبر البعض نجد طرفي المعادلة الأزلية، جدلية توالد لا ينقطع ما بين ممكن ومستحيل، مستحيل وممكن، أيهما ذا؟ أيهما ذاك؟ مرة أخرى وأكثر من مرة وأوفر، تأخذنا قوة الجدل التضادي في خضم إنسانية الإنسان، وكأن بنا نوشك أن نندفع باتجاه استنتاج أو سؤال على الأقل، مؤداه: هذا التضاد الصميمي، متضمن انتصاراته في فشله، حامل فشله في انتصاراته، أهو وليد الطبيعة نظام موضوعات، أم إيقاع في الذات؟ وينسج معجم المجموعة جواً من تعميق الشعور بالمحرجة في أي من لحظات الموقف، معجم بقدر ما هو إنساني بسيط العبارة، مقتصد التوصيف، دقيق اللمحة كأنه الحياد، بقدر ما هو مفعم بالمشاعر والإيحاء، محمل ببياض يدعوك إلى متابعة الصورة الهامشية المجانبة على طرف البؤرة، لتحتل الصدارة والمركز، بتشكيل ذاتي منها أو منك. لست أبداً ولن تكون في أدب الهامش، لكنك تتنقل في أنماط من الوجود الهامشي يحتل البؤرة ويتمركز، لست في السواد والظلمة الكفكاوية، لكنك مدعو إلى الكشف عن ثقب النور، حيثما كان أو يجب أن يكون. ينبثق ثقب النور في أغلس لحظات اليأس والقنوط، شموخ تطلع وأمل، مواجهة الواقع الماثل في قوة وسطوة بالغة؛ والذات ساحة مكابدة، في اتجاه أو آخر: السجن الكبير، ليس مجرد سكن ما أو إقامة بين الجدران والقضبان، بل كما يعبر السجان نفسه: الواقع كله ليس إلا سجناً(3)، حتى ليبلغ من بؤس الوضع أن السجان بذاته، يتمنى مجرد تمن (لا يملك غيره)، لو أنه ينقل إلى سجن آخر عوضاً عن سجنه الذي يزاول به السجانة؛ على الأقل ومن موقعه السجاني يغبط رفيقه السجين على حظه، لمجرد أنه سينقل إلى سجن آخر، مراعاة لظروفه الصحية(4)، مع كل العجب ومقتضياته، ممن يصنعون فينا المرض بالتعذيب والرطوبة... ثم يناولوننا الدواء(5). وعندما يضطران معاً لقضاء ليلة في المدينة، سجان وسجين خارج السجن، لإجراء قانوني يمنع فتح أبواب السجن الجديد بعد ساعة ليلية معينة، يصبح التساؤل أكبر من أن يقف عند حدود سؤال عن أيهما السجين وأيهما السجان، متحولا إلى: أيهما حرية، أيهما سجن؟ إنه ما يبدو الوعي الحارق من أجل تحديد الموقف الوجودي لإنسانية الإنسان، كيما يتبين حجم مسؤوليته على الأقل، بغض النظر عن الموقع، ما دامت المعادلة قائمة وصحيحة الوضع بمتقضى الحال، ولذلك إذن: يتحمل المسيح المسؤولية يستطيع حمل خطايا البشر وأخطاءهم لأنه كان أعزب (6)، هكذا تنتصب هامة المسؤولية في أجلى صور شموخها، مقرونة بواطئ حضيض البشرية في عذاب مبتذل الإنجاب من عدمه، أم هي هامة هذه مقابل حضيض تلك، ضدا لضد ونقيضاً لنقيض؟ المسألة هنا ليست عابرة، ولا تعرض جزافاً، إنها منظومة نظرية تعيد مرة أخرى وليست أخيرة، سمفونية تراجيديا التداخل التوالدي ما بين المستحيل والممكن، بحيث يتم التبادل بين وضعي عناصر المعادلة دون تغيير النتيجة، تبقى المعادلة قائمة الكيان سليمة الأركان؛ فالإنجاب معضلة وعدمه لا يقل عنه إذ يقلب "مثال" الحب مرة أخرى وتصوره الفكري الوجداني النبيل، إلى حضيض آلية بدائية انتقامية بالتحويل أو الوكالة لتنتج عدوانية تنفيسية، تعاني منها زينة الحياة الدنيا، ثمرة الإنجاب: البنون والبنات (7)؛ هكذا ينبعث مستحيل تحول المحبة والنبل والبراءة، إلى ممكن النبذ والكراهية والعدوان، أو يتولد عكس ذلك من ضده، فهما طرفا معادلة مستقلة القيمة عن ترتيب وتأخير في مكوناتها؛ بل إن الوعي البشري العام، لينكشف في لحظات ضعفه الكبرى، لينهد كبرياء الإنسانية أشبه ما يكون بالسقوط الحر في مطلق فراغ أو امتلاء، ولتتعرى اللحظة معربة عن أن الإنجاب ليس إلا ذريعة لتغطية الفشل (8)، لنكتشف بدورنا عبر التقدم في تواصلنا مع النص، أننا نتقاسم المسؤولية كل في موقعه إن لم نكن في موقع واحد من طرفي المستحيل والممكن، هناك منا من يمارس لعبة التنقل والتغير بين مكونات المعادلة من طرف إلى أخر، مسايراً أو مؤثرأ في السيرورة ولو بأدنى قدر ممكن؛ ومنا الآخر الذي يلزم أو يعتقد أنه يلزم موقعه عند هذا الطرف أو ذاك، لا مسايراً ولا مؤثراً بقدر ما هو تارك الحبل على الغارب، متقاذف به في كل اتجاه، من حيث يدري أو لا يدري، يريد أو لا يريد، ومنا غير ذلك. في أجواء ازدواحية محملة بكل التضاد والتوالد، تخيم العتمات الليلية وتضرب الزلازل، لتهتز من أسسها القيم بدورها من نقيض لنقيض، وبينما يفر الجميع من هول ما يحدث أو ينتظر لا يبقى إلا القطط والدراويش(9)، هؤلاء ربما يجدون لأول مرة في حياتهم، فرص مد الأرجل والأذرع وإطلاق حرية الألسنة، في غياب أي كان من حسيب ورقيب، كجولة المتوحد الباحث عن أنيس في ظلمة من خواطر وليل، بعيداً عن كل هادئ ومزلزل، حيث يفر من أمامه الطفل وينفر من لقائه ماسح ألأحذية، ويغور في حجره بعد إطلالة جرذان(10)... كل شئ في الوجود يخلي له الطريق، كأنما هي مرة أخرى المعادلة نفسها، وكل في موقع محدد منها لإنتاج حاصل مدينة نهائي: ظلمة عزلة وتوحد، رغم النور والكثافة والاكتظاظ. تتصاعد ملامح التراجيديا الوجودية في تقابل التضاد الأزلي، وكأنها شقا الرحى يهددان كيان الوعي بينهما، تتصاعد مقامات سمفونية صاخبة تبلغ الأوج بالوعي يرتكب القتل، لا مجال لاحتمال اثنين متعارضين: الموضوع عربة، والصراع وجودي: إنسان وحيوان، يتنافسان على جر العربة، لا بد من قتل واحد حتى يخلو الجو لأحدهما بالمهمة؛ لا داعي للتبرير بأن الحيوان في وضع المعتدي، لأنه احتل محل الإنسان في جر العربة، أو أن التطور هو المسؤول عندما أدى إلى اكتشاف أن استعمال الدابة في الجر أجدى وأنفع، لا داعي لذلك كله ما دامت المعادلة استقامت واتخذت العناصر مواقعها، قمة التوهج أن يصبح جر العربة في الوعي شغل شاغلا، وحلماً مؤرقاً مؤنساً، لينتج الحاصل بآلية رياضية (11). إنه نفسه التضاد بين لحظة الميلاد بعد عسر وانتظار، تتردد فيها صيحات الوليد يحرقه هوى الحياة وهواؤها، وبين خاطرة الجد المتسمّع المتتبع تحرقه خبرة الحياة والمعاناة، ليقول محدثاً نفسه باتجاه صيحة الوليد: إننا نتألم للآخرين... تلك بداية معايشتنا للحياة... الآخرون(12) بعيداً عما قد توحي ملامح الكفكاوية، هناك الشمس، تشرق وتظل تشرق، بل إنها تصبح رمز الرعاية والعناية، فالوعي البشري قاصراً أو قادراً محلقاً، يستحضر أن أباه استخلفه على إخوته وأهله، أوصاه خيراً بالكل، بما يضع في عنقه طوق المسؤولية، لكنه لم يوص أحداً به؛ نسي أم لم يفعل؟ يتدخل الوعي: "أنت الشمس" يقول (13)، هنا تصبح الشمس في علاها، في قوة ما تنتظر به وينتظر منها، رديف الأمل والحرية، وكل ما يقيده النظام ومنطق المعادلة، وكل ما تجمده المنظومة العقلية، وكأن العقل الذي يحتمل أن يكون رمز الانطلاق وسبيله، يتحول إلى آلية لاعتقال الحرية (14)، لتتحقق بذلك ذروة أخرى من ذرى تراجيديا التضاد والتعارض والصراع، تحفز إلى الافتكاك من عقال العقل ذاته لتحقيق الحرية والتحرر. صرخة الوليد نفسها من ألم الاحتراق الوجودي في أول التقاء بالحياة، رغم قسوة الألم الفطري، رغم المصاحب المغلف من قسوة خبرة الجد بالحياة بما ينتظر الوليد من معاناة، يبقى بصيص أمل ونور، بل بذرة الانطلاق، تلك الإرادة التي ما تفتأ تنمو ولن تكف عن ذلك أبداً، لا مانع يمنع أو يستطيع أن يردع، النمو في ذاته قوة إرادة كامنة مهما كانت حرقة الصدمة وألم اللقاء بالواقع (15). بصيص النور المتخفي وراء الدكنة وخبايا الظلمة، منبع النور الذي يتطلب إرادة الكشف، يتردد بشتى الصور البارزة والمواربة في ثنايا المستحيل والممكن، حتى مع الزلزال وليل المدينة: يفر الجميع، تهدأ الحركة ويخلو الفضاء ويتسع، لكن هناك من يبقى رغم كل شئ، يبقى بإصرار يحقق حريته، وكأننا أمام نوحية طوفان جديدة، إذا افترضناها، فإن بقية من في السفينة اثنين اثنين من كل جنس، تعد لبداية خلق جديدة. المستحيل من الممكن، الممكن من المستحيل، جدلية أزلية: طرفا رحا منفرجان مهددان، شدقا كاسر قرش منفتحان، والبين إرادة الإنسان، قائمة تنمو، لا تكف عن ذلك ولا تستطيع، "ما دامت الأرض تدور"(16)، ووحدها تظل من عليائها نورا ينتظر إشعاعه وشعاعه "وتشرق الشمس دائماً"(17)،. هوامش: 1 عبد الجبار السحيمي، الممكن المستحيل، ص 5، مطبعة الرسالة، (1969)، الرباط 2 نفسه،ص 165 3 " ص 45 4 " ص 48 5 " ص 40 6 " ص 17 7 " ص 16 8 " ص 89 9 " الزلزال ، ص 97 10 " ص 29 11 " العربة، ص 111 12 " ص 69 13 " ص 29 14 " ص 79 15 " ص 69 16 عنوان رواية هنري تروايا 17 عبد الجبار...عنوان قصة في المجموعة، ص 86