أثار الزميل الأستاذ محد أوزيان بجريدة العلم بتاريخ 14 مارس 2012 موضوع بدء سريان القانون 08 .01 المتعلق باستغلال المقالع الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 130 . 02 . 1 بتاريخ 13 يونيو 2002 خاصة أن هذا النص القانوني تم نشره بالجريدة الرسمية عدد 5031 بتاريخ 19 غشت 2002. غير أن تساؤل الزميل يظل مشروعا إذا ما اطلعنا على محتوى الفصل 61 الذي نص على أن هذا القانون يدخل حيز التنفيذ ابتداء من تاريخ نشر النص التنظيمي القاضي بتطبيق القانون المذكور، الذي يجب أن يصدر خلال أجل لا يتعدى سنة تبتدئ من تاريخ نشر هذا القانون. وقد مَرَّ هذا الأجل ولم يصدر المرسوم التطبيقي للقانون، فهل يُفسر هذا الأمر على أن القانون المنظم لاستغلال المقالع يعتبر لاغيا وكأنه لم يصدر، وبالتالي فإن القانون الواجب التطبيق هو ظهير 5 ماي 1914 المنظم لهذا الميدان، خاصة أن الفقرة الثانية من الفصل 61 السالف الذكر صريحة في أنه ابتداء من دخول القانون 08 . 01 المتعلق باستغلال المقالع تكون كل المقتضيات المخالفة أو المتعلقة بنفس الموضوع ولاسيما ظهير 5 ماي 1914 منسوخة. إن التفسير اللفظي أو الظاهري لمقتضيات الفصل 61 تجعلنا نقر بأن إرادة المشرع كانت واضحة في أن تطبيق مقتضيات قانون 2002 معلقة على صدور المرسوم التطبيقي لهذا النص داخل أجل سنة من نشره بالجريدة الرسمية، وبالتالي فإذا تقاعست السلطة التنظيمية عن إصدار هذا النص بالمرة أو أصدرته بعد مرور هذا الأجل يعتبر النص التشريعي كأن لم يكن حتى لو صدر ظهير شريف بتنفيذه وتم نشره في الجريدة الرسمية. لكن ألا يحق لنا أن نتساءل، ما هي دوافع المشرع لإصدار هذا النص القانوني الذي تضمن مقتضيات قانونية جيدة نسبيا، غير أنه أقحم مقتضيات الفصل 61 التي هدمت كل تلك الامتيازات؟ ثم ما هي الدوافع التي أدت بالسلطة التنظيمية إلى التقاعس عن إصدار النص التنظيمي المذكور؟ إن تنظيم المقالع بالمغرب عرف حتى مع صدور ظهير 5 ماي 1914 تسيبا خطيرا أدى إلى استنزاف مخزونات المغرب من المادة المستخرجة من باطن الأرض، ولاسيما وأن المشرع يتعامل مع مخزونات باطن الأرض في هذا المجال وكأنها ملك خاص لا يتطلب استخراجها سوى الحصول على رخص إدارية مع تخصيص مراقبة محتشمة ترنو إلى اعتماد التحصيل الجبائي والمالي دون الالتفات إلى المظاهر السلبية والانعكاسات الخطيرة على البيئة والإنسان. وفي حالة المخالفة فإن العقوبة المالية قد تصل إلى 200 درهم في أقصى الأحوال تماشيا مع مضمون ظهير 1914 السالف الذكر في الوقت الذي قد تصل إلى 30.000 درهم في ظل ظهير 2002. غير أن ما يثير الانتباه في هذا المجال أن القضاء المغربي لا يتردد في اعتماد مقتضيات ظهير 13 يونيو 2002 لفض النزاعات المتعلقة باستغلال المقالع رغم ما تضمن هذا القانون من مقتضيات سعى من خلالها رافعوا هذا القانون إلى إقباره في مهده. وهكذا قضت محكمة الاستئناف التجارية بأنه بخصوص جوهر النزاع فإنه وإن كان عقد كراء المقلع والتصريح بفتحه المؤرخين في فاتح أبريل 2005 و 5 أبريل 2005 لم يحددا الطرف الملزم بإرجاع الأرض إلى الحالة التي كانت عليه قبل استغلالها كمقلع وذلك بردمها وإرجاع التربة إليها إلا أنه بالرجوع إلى مقتضيات المادتين 13 و 44 من ظهير 13 يونيو 2002 بتنفيذ القانون رقم 08.01 المتعلق باستغلال المقلع تبين أن الطرف الملزم بإعادة تهيئة موقع المقلع الذي شملته أشغال الاستغلال في نهاية الاستغلال (قرار رقم 1323 بتاريخ 18 شتنبر 2008 في الملف عدد 796/08 منشور على موقع وزارة العدل والحريات). وهذا يعني أن بعض القضاءالتجاري يعتمد المقتضيات الجديدة المنظمة للمقالع، هذا في الوقت الذي نجد أن القضاء الإداري يعتمد ظهير 5 ماي 1914 لفض النزاعات المعروضة عليه في هذا الشأن. وهكذا قضت المحكمة الإدارية بالرباط بأنه بالرجوع إلى ظهير 5 ماي 1914 المنظم لاستغلال المقالع يتبين أن اختصاص فتح المقالع وإغلاقها ينعقد إلى المدير العام للأشغال العمومية الذي حلت محله وزارة التجهيز من خلال مندوبياتها الإقليمية، كما أن مسألة مراقبة سير استغلال المقالع تعهد طبقا لمقتضيات الفصل 10 من نفس الظهير إلى موظفي الأشغال العمومية وإلى السلطة المحلية، وأن استحداث اللجنة الإقليمية لمتابعة المقالع بموجب الدورية المشتركة رقم 87 بتاريخ 8 يونيو 1994 لا ينبغي أن يفهم منه على أنها صاحبة الاختصاص التقريري الذي يبقى للجهة التي نص عليها المشرع بمقتضى الظهير المذكور (حكم 770 بتاريخ 25 ماي 2006 ملف رقم 04.1.256 منشور. على موقع وزارة العدل والحريات. أمام هذا التضارب في العمل القضائي نتساءل لمصلحة من صدر ظهير 2002 بأسلوب ومقتضيات معوجة؟ مما قد يدفعنا إلى التساؤل هل هناك لوبيات ضغطت في اتجاه فرملة المشرع وجعله يصدر نصا ضرره أكثر من نفعه؟ ثم لماذا تقاعس السلطة التنظيمية ونحن في بداية العهد الجديد الذي كله أمل في التغيير إقرارا للمفهوم الجديد للسلطة؟ لذلك نرى أن الجدية في التشريع تتطلب كلما تعلق بمشروع قانون أو مقترح قانون أن يتم إعداد المشروع أو المقترح بتواز مع مشروع نصه التنظيمي، لاسيما إذا تعلق الأمر بمشروع قانون تلافيا لمثل هذا العبث. وبالمناسبة نرى من الفائدة التذكير أنه سبق لفريق تحالف القوى التقدمية الديمقراطية بمجلس النواب أن تقدم بمقترح قانون يتعلق بإصدار النصوص التنظيمية ثم تسجيله بمجلس النواب تحت رقم 46 بتاريخ 19 ماي 2008، جاء في بيان أسبابه أنه يلاحظ أن عدة نصوص تشريعية تعرف صعوبة في التنفيذ والتطبيق وتعتبر قوانين مبثورة نظرا لكون بعض مقتضياتها تحيل على نصوص تنظيمية لم تصدر بعد من طرف القطاع المسؤول في الحكومة.. ووعيا منا، أن هذا من الاختصاصات الموكولة للحكومة في ميدان التشريع وذلك من خلال تحديد وإصدار النصوص التنظيمية، من مراسيم وقرارات، نرى من الضروري إلزام الحكومة بإصدار هذه النصوص التنظيمية في آجال معقولة ومحددة وذلك حتى لا تفرغ القوانين من محتواها وغاياتها. وقد تضمن هذا المقتوح ست مواد من أهمها المادتان الرابعة والخامسة، حيث نصت المادة الرابعة على أنه (يحق لكل متضرر من عدم إصدار المرسوم التنظيمي أن ينصب نفسه طرفا مدنيا للمطالبة بتنفيذ وتطبيق هذا القانون). كما نصت المادة الخامسة أنه «يحق لكل شخص طبيعي أو معنوي يعتبر نفسه متضررا بعدم إصدار المراسيم التطبيقية أن يقدم دعوى قضائية لأجل تطبيق مقتضيات هذا القانون والمطالبة بالتعويض المدني طبقا لأحكام المسطرة المدنية). غير أنه مادامت جيوب المقاومة في الإدارة المغربية فإن الأمانة العامة للحكومة بمجرد ما أحالت هذا المقترح القانوني على المرافق الوزارية حتى تحركت آلة المحافظين من أجل فرملته والذي ظل قيد الدرس بمجلس النواب منذ تاريخ إحالته على لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، أي منذ 23 ماي 2008 إلى اليوم وبالضبط منذ 4 سنوات، الشيء الذي يؤكد أن هناك رغبة دفينة في إصدار نصوص قانونية مبثورة، ونرى ضرورة إيحاء آلية دستورية لتجاوز مثل هذه التصرفات ، وذلك بتحديد أجل معقول للنظر في المشاريع ومقترحات القوانين من طرف اللجان المختصة، خاصة وأن الفصل 82 من الدستور الحالي ينص في فقرته الثانية على أنه يخصص يوم واحد على الأقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين، ومن بينها تلك المقدمة من قبل المعارضة.