أجمع أكثر من 30 ناشطا يمثلون المنظمات الحقوقية الكبرى في "مصر" أن الحملة الأمنية التي استهدفت 17 منظمة حقوقية مؤخرا، كانت ضربة استباقية القصد منها إرباك هذه المنظمات ولفت أنظارهم بعيدا عن الإستعدادات التي تجري تمهيدا للدعوات التي طالبت بالتظاهر يوم 25 يناير القادم. وقالوا في المؤتمر الصحفي، الذي دعت إليه منظمات حقوقية ردا على الهجمة التي تتعرض لها منظمات المجتمع المدني، إن المنظمات الحقوقية هي الملاذ والملجأ الأخير أمام القوى المطالبة بالتغيير في "مصر"، خصوصا وأن بعض المنظمات كانت تقوم بتوفير الإعاشة عن طريق تبرعات المواطنين أو الدعم القانوني من خلال جبهة الدفاع عن متظاهري "مصر"، كما تعد فعاليات المجتمع المدني شرارة البدء التي ألهبت مشاعر المصريين للخروج بالملايين في ثورة 25 يناير. ومن جانبه قال المحامى والخبير الحقوقي "أحمد سيف الإسلام حمد" مدير "مركز هشام مبارك" ساخرا: أطالب الزملاء الحضور بأن يتعلموا لعب الكوتشينة أو الدومنو أو حتى الطاولة ونحن على استعداد لعقد دورات تدريبية لهم لرفع قدراتهم في هذه الألعاب، حيث سيحتاجون إليها كثيرا بالسجن، وأنا عموما لا أعول كثيرا على هذا الأمر، حيث إن إبني "علاء عبد الفتاح" سيورثني زنزانته بسجن "طرة" بعد أن خرج منذ أيام بسيطة، وبهذه الكلمات التي تحمل في طياتها النقد اللاذع افتتح "سيف الإسلام" المؤتمر الصحفي الذي دعت إليه المنظمات ردا على الهجمة التي تتعرض لها منظمات المجتمع المدني. وأوضح "سيف" أن كافة الخيارات مطروحة سواء بالإعتصام أو الوقفات الإحتجاجية أو ما تتوافق عليه المنظمات من خطوات تصعيدية أخرى، مضيفا أن المنظمات المصرية تتعرض لهجمة على أيدي المجلس العسكري، مؤكدا أن تلك الحملة غير المسبوقة تشير إلى إخفاقات كبرى للمجلس العسكري، والذي تجاسر على المنظمات التي وجهت انتقادات له، كما أنها قامت بفضح الإنتهاكات وعلى رأسها "كشف العذرية". عشرات المنظمات التي حضرت الإجتماع أجمعت فيما بينها على أن ما جرى لها لم يحدث معها في عهد "مبارك" وجهازه الأمني القوي، مرجعين ذلك إلى أن الأجهزة الأمنية والجهات المسئولة التي كانت تتابع عمل المنظمات الحقوقية، كان لديها قدر كبير من المعرفة بطبيعة عمل تلك المنظمات، مستشهدين بأن الحملة قد توجهت إلى "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" بمقره القديم بشارع رستم بمنطقة جاردن سيتي، لكن البواب أخبرهم بأنه قد ترك المكان منذ ما يقارب العام، الأمر الذي أرجعته المنظمات الحقوقية لأن المعلومات الواردة إلى القائمين على الحملة ربما تكون قديمة منذ أيام أمن الدولة السابق، الأمر الذي يجعلنا أمام عدد من الأسئلة الهامة: لماذا هذا التوقيت بالذات؟ ولماذا "المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة" وعدد من المنظمات الدولية العاملة في "مصر"؟ المحامي "ناصر أمين" واحد من الوجوه الداعية للبناء وكثيرا ما تحدث عن المرحلة الإنتقالية، وكان صاحب دعوة حول مبادرة الحقيقة والإنصاف بمعنى محاسبة المخطئين والعفو عن من لا يثبت تورطهم وضرورة التعجيل ببناء "مصر" سريعا، وفي الوقت ذاته يعد "المركز العربي" هو من أكثر المراكز نشاطا على الساحة الحقوقية الآن ولا يخلو أسبوع عن تنظيم فاعلية قوية ضمن برامجه وفعالياته المتعددة. كما أن "المركز العربي لاستقلال القضاة والمحاماة" قد تخصص بما يعرف بالدفع نحو استقلال القضاة والمحاماة ودام عبر سنوات يقدم العديد من الدراسات والأنشطة الخاصة بتولي المرأة منصب القضاء، كما عمل على انخراط المرأة في العمل العام. ولعب دور كبير في العمل المدني والحقوقي ويعد هو منظمة المجتمع المدني الوحيدة التي حرصت على إقامة منصة بميدان التحرير في أوقات الثورة، كما دأبت على حضور كافة الجمع التي دعت إلى الحقوق المشروعة للشعب المصري، ولم ينسى المركز أسر الشهداء والمصابين فقام بالدفاع عن تلك الأسر متطوعا، خصوصا في الإدعاء بالحق المدني في العشرات من تلك القضايا. يقول "ناصر أمين" إن ما حدث هو رسالة واضحة للمنظمات الحقوقية التي لعبت دورا هاما في تعبئة وتوعية الشعب المصري وتهيئته للقيام بثورة 25 يناير المجيدة، مضيفا أن نشاط المركز سيستمر حتى من الشارع أو السجن وهذه رسالتنا، موضحا: ما حدث أمر غريب لم نكن نتوقعه على الإطلاق، وقال "أمين" إنه في الثانية عشرة ظهر الخميس في الوقت الذي كان ينطق فيه قاضي محكمة الجنايات ببراءة الضباط المتهمين بقتل الثوار كان يتم مداهمة المراكز الحقوقية. المحامي والخبير الحقوقي "حافظ أبو سعده" رئيس "المنظمة المصرية لحقوق الإنسان" وعضو "المجلس القومي لحقوق الإنسان" أكد أن هناك عدة أشكال من المنظمات الحقوقية الأول: هو الجمعيات الأهلية وهي خاضعة للقانون رقم 84 لعام 2002 وهي تخضع لإشراف وزارة التضامن والجهاز المركزي للمحاسبات، ولابد من الحصول على موافقة قبل التقدم للحصول على تمويل، وفي حالة الموافقة والحصول على التمويل لابد من الحصول على موافقة من قبل مسئولي التضامن لصرف الدفعات المالية، وتقوم التضامن بالمراجعة والتفتيش، ومخاطبة البنوك عن الأرصدة وكيفية الصرف وأوجه الصرف. أما الشكل الثاني من المنظمات فهو مؤسسات ينطبق عليها كافة الأحكام التي تنظم عمل الجمعيات من مراجعة وإشراف كامل من وزارة التضامن وأموالها هي أموال عامة يجوز الحجز عليها ومراجعتها وتتبع وزارة التضامن في كافة ما يجري من داخلها من أنشطة، وهناك أشكال أخرى من المنظمات عبارة عن شركات محاماة، ويتم تسجيلها من خلال موافقة نقابة المحامين ويدفع عنها ضرائب من خلال ما تقوم به من أنشطة أي لا تستطيع أن تعمل بعيدا عن الدولة. أما الشكل الأخير من منظمات المجتمع المدني فهو ما يعرف بالمراكز المدنية، وهذه المراكز تؤسس عن طريق مصلحة الشركات استنادا إلى قانون العمل المدني، وهذه المراكز توضع أموالها في بنوك مصرية أو أجنبية بأسماء تلك المراكز التي تودع أوراقها بالمحاكم، وأسماؤها وعقود تسجيلها موجودة بمصلحة الشهر العقاري، كما أنها تتابع من خلال مصلحة الضرائب، بحيث حال قيامها بأي أنشطة ربحية يتم دفع ضرائب عنها ولا يترك الأمر سدى كما يتخيل البعض، لكن لماذا المنظمات الدولية العاملة في "مصر" بالذات؟ "المعهد الجمهوري الأمريكي أو R.I.I" أحد المراكز الحقوقية بدأ نشاطه منذ عدة سنوات في "مصر" دون الحصول على موافقات، لكن ثمة اتفاق ضمني بين القائمين على المعهد وبين الخارجية المصرية مهدت للعمل وفتح العديد من فروع المعهد بالمحافظات المختلفة، لكن هذا عقب ثورة 25 يناير، لكن قبل ذلك كان يحرم على المعهد إقامة أي أنشطة له ب"مصر" حتى دوراته الخاصة بالتخطيط الاستراتيجي ورفع قدرات المنظمات المصرية وبعض أعضاء الأحزاب لكن الأهم من ذلك أن المعهد كان يقوم بتدريب عدد من الباحثين بالوزارات المصرية المختلفة من بينها مجلس الوزراء ومسئولين بالمجلس القومي للمرأة وجمعيات تنموية وأهلية كثيرة، لكن الحملة استهدفت مقر المعهد الرئيسي بمنطقة الزمالك، لكن لم تقترب من فرع منطقة "الدقي" على سبيل المثال، واكتفت الحملة الأمنية بسؤال "سام لحود" مدير المعهد، لكن قامت بالتحفظ على عدد من الأوراق والمستندات الخاصة بأنشطة المعهد، ومن ضمن الأحزاب التي تدربت كثيرا ضمن تدريبات المعهد أحزاب الإصلاح والتنمية والجبهة الديمقراطية والوفد. "المعهد الديمقراطي الأمريكي" والمعروف "N.D.I" هو المنظمة الدولية الثانية التي جرى اقتحامها وهي أيضا غير مسجلة، لكن تعمل وفق موافقة الخارجية، لكن لم تحصل على تصريح كامل بالعمل، وهي منظمات دولية تعمل في "مصر" وهي جهات تحصل على تمويلات كبرى وتقوم بمنح المنظمات المصرية تمويلات صغيرة ومتوسطة، وأحيانا ما تدخل في شراكات مع المنظمات المصرية، أو تتعاون في أنشطة مختلفة. "بيت الحرية" أو "فريدم هاوس" هي المنظمة الثالثة الأمريكية التي افتتحت مقرا لها، وقد قامت بعقد العديد من اللقاءات، كما دخلت في شراكات وتعاون أيضا مع منظمات مصرية، وقد قامت باتخاذ مقر لها منذ فترة بمنطقة جاردن سيتي، وعملت على تنظيم عدد من اللقاءات الإعلامية مع الصحفيين لتدير حوارا مفتوحا مع الإعلام يتضمن أنشطتها وزوارها يتناولون كافة القضايا المختلفة، لكن الأمر مختلف مع الجمهوري والديمقراطي، وكانا دائما يفضلان العمل في انزواء بعيدا عن الإعلام. كانت تحريات اللواء "محمد الشريف" رئيس فرع الأمن الوطني بمدينة "أسيوط" قد كشفت قيام المعهد الديمقراطي الأمريكي بمزاولة أنشطة اجتماعية وسياسية مختلفة بدون تراخيص من الجهات المعنية بالمحافظة، بدعوى تعليم الشباب طرق ممارسة الديمقراطية وبعرض التحريات على أجهزة الأمن المختلفة بوزارة الداخلية قررت تحرير محضر ضد العاملين وإدارة المعهد. وبعد تقنين الإجراءات قامت قوة من المباحث الجنائية بأسيوط برئاسة العميد "أحمد أبو عقيل" رئيس مباحث المديرية، برفقة فريق من النيابة العامة بمداهمة مقر المعهد بشارع الجمهورية وسط مدينة "أسيوط" وبتفتيشه عثر بداخله على عدد من الكتب والأجهزة والحاسبات الآلية ومبلغ 50 ألف جنيه مصري وألف دولار أمريكي، تم التحفظ عليها وإغلاق المقر بالشمع الأحمر، ووضع حراسة أمنية مشددة وإجراء التحقيقات. وقالت أكثر من 25 منظمة في بيان لها إن هذه الخطوة الخطيرة تشكل بداية لحملة أمنية يرجح أن تطال عشرات من المؤسسات الحقوقية، في إطار حملة أوسع أطلقها المجلس العسكري للتشهير والوصم لكافة النشطاء الحقوقيين، والعديد من القوى المنخرطة في فعاليات ثورة الخامس والعشرين من يناير. وشددت المنظمات الموقعة على أن أهداف هذه الحملة غير المسبوقة تستهدف التغطية على الإخفاقات الكبرى من جانب المجلس العسكري في إدارة المرحلة الإنتقالية والتنكيل بالكيانات السياسية والنشطاء السياسيين والحقوقيين، الذين تجاسروا على انتقاد سياسات المجلس العسكري، أو فضحوا الإنتهاكات المذرية التي جرت في ظل إدارته، ونجحوا في بعض الحالات في إحالة انتهاكات العسكر إلى القضاء. على جانب آخر تواترت ردود الأفعال على الحملة وقال المجلس القومي لحقوق الإنسان في بيان له، إن الطابع الذي أخذته الحملة الجارية لمداهمة مقار بعض المنظمات الحقوقية في سياق يربط بين التمويل الأجنبي والاضطرابات السياسية ومظاهر العنف التي سادت البلاد، يلوث سمعة هذه المنظمات لدى الرأي العام قبل ظهور نتائج التحقيقات الجارية، في إطار إعلان الحكومة منذ بضعة أشهر عن ملاحقة المخالفات القانونية المتعلقة بالتمويل الأجنبي. وأشار المجلس في بيان له، إلى أنه يتابع بقلق ما تم الإعلان عنه في وسائل الإعلام الحكومية عن تفتيش النيابة العامة 17 مقراً لمنظمات أجنبية ومحلية بتهمة التمويل الأجنبي، عقب تلقيه شكوى من "المركز العربي لاستقلال القضاة والمحاماة" تفيد بمداهمة مقر المركز ومصادرة سبعة أجهزة كمبيوتر وثماني كراتين من الأوراق الخاصة بالمركز، وتشميع المقر. وأكد المجلس احترامه لمبدأ سيادة القانون، وتقديره لدور منظمات المجتمع المدني في خدمة المجتمع، ويطالب كل الأطراف المعنية بمراعاة الشفافية التامة في هذه الإجراءات، وعدم المساس بمناخ الحريات العامة الذي دفع في المجتمع المصري ثمناً باهظاً في نيلها. بدورها قالت "الجبهة الحرة للتغيير السلمي" في بيان لها إن الجبهة الحرة ردا على غلق المراكز الحقوقية وتشميع الحريات، إن هذه الأزمة يجرها إلينا المجلس العسكري بمهاجمة مقار مؤسسات الدفاع عن الحقوق المدنية وتشميع الحريات بقوات من الصاعقة. وشددت الجبهة على أن المراكز التي تم اقتحامها هي التي تدافع عن حقوق المصريين كمدنيين مع قاضي طبيعي وملاحقة المتجاوزين من العسكر كقضية "كشف العذرية"، وأن مهاجمة مقار المجتمع المدني ومحاصرة حرياته وهي حرب مستمرة من السلطة العسكرية على المصريين وثورتهم من أجل العدالة والحرية والكرامة الإنسانية.