في الشهر الماضي وقف جورج بوش يراقب من بعيد كلا من فنلندا وفرنسا وهما تعملان على تأمين وقف لإطلاق النار بعد اشتعال الموقف بين جورجيا وروسيا وتحوله من مجرد مناوشات حدودية إلى حرب مفتوحة تشارك بها الدبابات والطائرات. العمل الروسي ذاك يعد الأول من نوعه منذ نهاية الحرب الباردة وقد لا يكون الأخير مما يثير الرعب في قلوب جيران روسيا. مؤخرا أطيح بأحد أوثق حلفاء أميركا وأكثرهم اخلاصاً لها في »الحرب على الإرهاب« وهو الرئيس الباكستاني برفيز مشرف، ولم ينفعه قربه من واشنطن في شيء فتوجب عليه حزم امتعته والرحيل من السلطة. في هذه الاثناء تستمر إيران في العمل على تطوير قدراتها النووية وتقترب أكثر فأكثر من صنع سلاح نووي. أما قضية الشرق الأوسط والسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإن الانخراط الأميركي في هذا الشأن اصبح رمزياً فيما يشجع دولا اخرى على التدخل من أجل التوسط في حل هذا النزاع مما يعني دفع الدور الأميركي نحو الخلف. لا أحد يعرف على وجه التحديد ما اذا كان تراجع الدور الأميركي يقتصر فقط على ما تبقى من أيام معدودة لبوش في البيت الأبيض أم انه يشكل ظاهرة تستمر في عهد خليفة بوش. الرؤساء عادة ما يشهدون تراجع الدور الذي يقومون به كلما اقترب موعد انتهاء فترة رئاستهم، فقد سبق للرئيس كلينتون ان ابلغ الرئيس الروسي بوتين ان وضعه في سلطة اتخاذ القرار الأميركي اشبه ما يكون بشخص يمشي على أرضية غرفة رش بالماء، دور الرئيس الأميركي خلال الأشهر الأخيرة من فترة رئاسته يقتصر في معظمه على حضور حفلات الكوكتيل والدردشة مع الضيوف الذين فقدوا الاهتمام به لانهم يدركون انه خلال اشهر قليلة سيصبح مواطنا عاديا لا يملك من السلطة شيئا. يقول دبلوماسيون في واشنطن، ان دولاً مثل سوريا وإيرانوروسيا تنتظر قدوم الرئيس الأميركي الجديد قبل اتخاذ أي قرارات بشأن قضايا تمسها والغرب. وعندما ننظر إلى إدارة بوش تحديداً نجد انها اكثر ضعفا الآن من الإدارات الأخرى، لأن هذه الإدارة لم تبق صديقا أو حليفا إلا واصطدمت به، ناهيك عن دفع الكثير من الدول لاتخاذ مواقف عدائية من الولاياتالمتحدة وهي دول كانت تعد حتى وقت قريب أي قبل وصول بوش إلى البيت الأبيض دولا صديقة، وداعمة للسياسات الأميركية. لجوء بوش إلى خيار القوة المسلحة للتعامل مع بعض القضايا العالمية اثار فزع الكثيرين لأن الكثير من القضايا كان بإمكان البيت الأبيض حلها بالطرق السلمية والدبلوماسية دون حاجة إلى خوض غمار الحروب مع ما يمثله ذلك من تكلفة عالية في المال والأرواح سواء فيما يتعلق بالطرف الأميركي أو الطرف الذي تلقى الضربة الأميركية، كما كان عليه الحال مع العراق وافغانستان. في حال جورجيا، تجاهل الرئيس الجورجي ساكاشفيلي المناشدات الأميركية بعدم ارسال قوات بلاده لاستعادة إقليم أوسيتيا الجنوبية بالقوة، وبالرغم من الدعم الأميركي القوي للجيش الجورجي قبل الأزمة من ناحية التسليح والتدريب ووجود مستشارين عسكريين أميركيين إلا أن الجيش الجورجي لم يقدر على الوقوف سوى ساعات قليلة أمام الجيش الروسي الذي طرد القوات الجورجية من اوسيتيا الجنوبية ولم يكتف بذلك بل لحق بالقوات الجورجية إلى داخل جورجيا واقترب كثيرا من العاصمة تبليسي، باختصار ألحق الروس هزيمة منكرة بالجيش الجورجي وجعلوه عبرة لمن يعتبر من الدول المجاورة، التي قد تسول لها نفسها اغضاب روسيا. منذ تفجر الأزمة الجورجية - الروسية، كل ما فعله الدبلوماسيون الأميركيون هو الاعراب عن شعورهم بالاحباط وعدم الرضا تجاه الشروط التي تضمنها اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته فرنسا حيث يصفون تلك الشروط بأنها غامضة، عدا عن كونها تصب في مصلحة روسيا، الأكثر من ذلك ان الولاياتالمتحدة فشلت في دفع دول الناتو لاتخاذ موقف محدد داعم لجورجيا ومناوئ للكرملين.