نص الكلمة التي ارتجلها سمو ولي العهد (جلالة الملك الحسن الثاني) في حفلة ذكرى مرور عشر سنوات على صدور جريدة العلم. ووضع الحجر الأساسي لبنايتها الجديدة سنة 1956. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. سادتي: إنني اليوم متشرف غاية الشرف بتمثيل صاحب الجلالة نصره الله سيدي ومولاي ملكنا المفدى مولانا محمد الخامس في هذا الحفل الذي هو وضع الحجر الأساسي لجريدة العلم، فهنيئا لجريدة العلم، وأسرة العلم بهذه البناية الجديدة. فجريدة العلم يمكننا أن نشخصها في جسم شاب مغرب عانى الآلام والمحن فإذا كان الشخص قد اعتقل فالجريدة قد صودرت وإذا كان الشخص مبتهجا فهي كذلك مبتهجة. لقد كانت العلم تعيش تحت الظلم والاضطهاد وتحت ضربات الاستعمار وقد اجتازت هذه الفترة من الكفاح المنظم لتصل إلى شيء وهي اليوم تبتدئ كفاحا جديدا ورسالتها هي تدعيم المثل العليا التي كافح الجميع، وعلى رأس الجميع زعيم الفداء والكفاح سيدي محمد نصره الله. يمكنها اليوم وقد اقبلت على عهد جديد أن تفتخر بماضيها أولا، وأن ترسم الخطط لمستقبلها التي ستمشي عليها في المستقبل، لقد عرفت العلم نجاحا باهرا في الأوساط المغربية. فماهو سر نجاحها: ان سر نجاحها انها دائما طيلة العشر سنوات الماضية تمشي على نهج السنية المغربية العتيدة. - فما هي هذه السنية العتيدة انها تتلخص في أربع نقط. أولا: الدفاع عن الأفراد، والعلم لتحرير الجماعات، ثانيا: الدفاع عن حوزة الوطن وكرامة السيادة. ثالثا: التشبث بأهداب الدين الإسلامي الذي هو أساس حياتنا الثقافية والاجتماعية. رابعا: بناء صرح من المحبة والتعلق حول صاحب الجلالة ملك المغرب، فتاريخ المغرب علمنا أنه إذا تشبث شخص، أو هيأة بهذه المبادئ الأربعة كانت إذ ذاك داخلة في نطاق السنية المغربية العتيدة. فما هو برنامج العلم في المستقبل؟ ان برنامجها هو العمل على إنارة الأفكار، لأننا مقبلون على عهد يستوجب من كل واحد منا أن يحكم بكيفية رزينة متبصرة عن الحالة المغربية، سواء كان ذلك في دائرة شخصية، أو في دائرة أسرته، أؤ في الحي الذي يقطن فيه، أو المدينة التي يقيم فيها، وهذا سيمكنه من الحكم على الحادث المغربي، على القضية المغربية، بفكر متزن، واحد بفكر متبصر، حتى يمكننا جميعا أن نحيا لهذا الوطن بصفتنا حكما، بصفة كل واحد منا حكما، حتى لاتكون بيننا خصومات وإنما يجب أن يلتزم كل واحد بهذه المهمة التي اعتبر شخصيا أنها أهم ما يجب أن يلتزم به كل واحد أن يكون حكما. ومن مهمة العلم أن تفتح صفحات لمشاكل الشباب أكثر من ذي قبل لأن الشباب هم رجال الغد، هم فخر المستقبل، فإذا فهم الشباب واجبه نحو بلاده سهل إذ ذاك الأمر على من بيده الأمر. أكرر تهنئتي فأقول: هنيئا للعلم ولأسرة العلم. علال بن عبد الله فجر الثورة ضد المستعمر وكان رمز العطاء الكبير يعتز المغرب المعاصر بأن سجله النضالي يحتشد برموز مضيئة، هي مثال التضحية والفداء، والعطاء الكبير في سبيل حرية الوطن وكرامته. ويأتي في طليعة هذه الرموز اسم الشهيد علال بن عبد الله الذي يشاء القدر أن يقترن عيد «العلم» بذكرى الفداء الكبير الذي قدمه هذا المناضل الاستقلالي الفذ، إذ ضحى بحياته في ساحة تواركة ظهر يوم الجمعة 11 سبتمبر 1953 بعد نفي محمد الخامس، وعائلته الكريمة بثلاثة أسابيع. علال بن عبد الله الذي تقدم الى ذنب الاستعمار «محمد بن عرفة» وحاول أن يصرعه بما كان بين يديه من سلاح، فاندفع بسيارته في جرأة نادرة نحو «سلطان الفرنسيس، وهو يمتطي صهوة جواده في حراسة مشددة من القوات الفرنسية المسلحة فأوقعه أرضا، وكاد يرديه قتيلا لولا أن رصاص قوات الاحتلال كان أسرع منه فسقط شهيدا في ساحة تواركة. علال بن عبد الله كان الانطلاقة الأولى بعد نفي محمد الخامس. وقد سبقتها ثورة وجدة وتحركات كثير من المدن. وكانت الإشارة الأولى للفدائيين الذين كانوا قد أخذوا الضوء الأخضر من حزب الاستقلال حينما أشار إليهم بأنه إذا نفي محمد الخامس فابدأوا المعركة. وكان علال بن عبد الله أحد شباب الحزب في حي العكاري بالرباط الذين تلقوا هذه التعليمات. ومن انطلاقة علال بن عبد الله تحركت الدارالبيضاء والرباط وفاس وأقاليم شرق المغرب. وعمت الثورة المغرب كله حتى انطلق جيش التحرير أخيرا، وانتهى عهد الحجر والحماية وتحقق عهد الاستقلال والحرية. شعبنا الوفي لايمكن أن ينسى علال بن عبد الله، فهو الفدائي الذي خرج بسيارته ليموت وليحيا الوطن، فاستشهد واستقل المغرب وعاش، ومازال يناضل ليحقق كل الأماني التي راودت علال بن عبد الله وهو يقدم حياته فداء للوطن. 11 سبتمبر 1946 - 11 سبتمبر 2011 65 سنة من الحضور والمواقف النضالية في المشهد الإعلامي المغربي والعربي تحتفل «العلم» اليوم بعيد ميلادها الخامس والستين وعيد ميلاد «العلم» له أكثر من دلالة ومغزى فهو يؤرخ لميلاد صوت الحق وميلاد لسان الوطنية الصادقة وصرخة التحرر الوطني والدفاع عن الإنسان المغربي في مواجهة الطغيان الاستعماري وجبروته. فقد ارتبطت «العلم» منذ اليوم الأول بالمواطن المغربي في أفراحه وآماله وآلامه فشاطرته حياته اليومية ومشاغله، وأضحت بذلك صفحة النضال المستمر والكفاح المستميت من أجل الفلاح والعامل والتاجر والطالب والمثقف والرجل والمرأة. تعرضت «العلم» أثناء الحماية وبعدها للرقابة والحجز والاضطهاد التعسفي فمنعت من الصدور وحوكم المسؤولون عنها وامتنعت هي نفسها عن الصدور دفاعا عن حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير. وقد أدت «العلم» رسالتها ومازالت تؤديها وستستمر في أدائها بكل إخلاص، منذ ظهورها يوم 11 سبتمبر 1946 وهي اسم على مسمى حيث حملت «علم» الدفاع عن الوطن والمواطنين، وكانت في نفس الآن «علم» المناضلين يرفعونه في وجه الاستعمار، وفي وجه الطغيان والظالمين من أذنابه، الذين كان يسخرهم لخدمة مصالحه السياسية ونهب خيرات البلاد وإذلال أبنائه المجاهدين الذين لم يكونوا ليتأخروا عن القيام بالواجب مهما ادلهمت الأحوال وتكالب الأعداء. لم تكن العلم عند نشأتها صحيفة أخبار (حتى الخبر والصورة كانت تراقب وتحذف) ولكنها كانت، وماتزال- صحيفة رأي تدافع عنه باستماتة في وجه التيار الجارف المقاوم. نشأت لتبشر بعهد الاستقلال والحرية، فكانت أولى ضحايا انعدام الحرية. صممت على أن تؤكد النضال من أجل الاستقلال، فكانت كلمة «الاستقلال» مما تحذفه الرقابة. قرأ المواطنون بياضها قبل أن يقرأوا سواد حروفها. وانتشر الوعي بالاستقلال بفضل العلم مثلما انتشر بنضال حزب الاستقلال في كل ميدان والمناضلين في صفوفه. وتبنت العلم النضال من أجل الديمقراطية فروقبت ومنعت وصودرت وهوجمت بنياتها ومطابعها وهدد محرروها بالتصفية، وقدموا للمحاكم ودخلوا السجن. وخرجت العلم من محنتها لتنادي مرة أخرى بتصحيح الديمقراطية. لم يكن العقاب سبيلا «للتوبة» وإنما كان سبيلا للاستمرار في الكفاح، والاستمرار في الدفاع عن الحرية وكرامة المواطن، الاستمرار هو الذي منحها ثقة المواطنين، والذين ارتبطوا بها منذ البداية، والذين التحقوا بها. وقطارها في طريقه ارتبطوا بها لما تمثله من نضال مستمر في سبيل قيم في مقدمتها الاستقلال والديموقراطية والحرية وكرامة الشعب. الاستقامة والنزاهة الفكرية هما شعار العلم. لذلك لم تكن قط صحيفة تجارة أو مساومة سياسية أو مالية، ولا صحيفة ابتزاز سياسي أو اقتصادي، ولا صحيفة تملق لحكم أو حاكم أو عهد، ولا تهريج لابتزاز القارئ، ولا صحيفة تسويق «أفكار» مغشوشة أو أخبار مبتذلة. الاستقامة والنزاهة الفكرية هما الرابطة القوية التي ربطتها بالشعب، وجعلت الكلمة فيها حظها من الاحترام والتقدير والثقة. العلم اعتبرت العمل فيها مسؤولية ضخمة: ليست مسؤولية قانونية، ولكنها مسؤولية وطنية وفكرية ونضالية، الاضطلاع بالمسؤولية ليس عملية سهلة في وقت كان العمل الصحفي محاطا بالمكاره المادية والمعنوية، وكان مفهوم المسؤولية مضببا عند الكثيرين، ولكن الذين ارتبطوا بالعلم كانت المسؤولية واضحة في أفكارهم، وكانوا على استعداد كامل لتحملها، واحتمال نتائجها. ومن جهودهم واحتمالهم وقدرتهم على تحمل المسؤولية استمدت العلم قوتها وقدرتها على البقاء في وقت كان كل ما فيه يدعو إلى الإحباط. وكانت العلم مدرسة تعلم فيها الكثير من القراء المفاهيم الحقيقية للوطنية والاستقلال والديموقراطية والحرية والكفاح في سبيل كرامة الشعب. كانت العلم عندهم الدرس الصباحي الأول الذي يحفظونه قبل بداية العلم، والدرس المسائي الأخير الذي يحفظونه قبل الخلود إلى النوم، وكانت مدرسة للمثقفين والسياسيين والكتاب والشعراء والقصاصين تعلموا فيها مما يكتبه كتابها، وتعلموا فيها كيف يكتبون تحت «رقابة المسؤولية، وتحت ضوء الاستقامة والنزاهة الفكرية، إذا كانت العلم تفتخر بالكثيرين ممن تخرجوا من مدرستها، فإنهم ولا شك يفتخرون بأنها كانت مدرستهم، ولو أصبح أستاذا كبيرا في مدرسة أو كلية. العلم في عيدها الخامس والستين تؤكد التزاماتها بالاستمرار في كفاحها لاستقامة الحياة في المغرب، وفي تبنيها لكل الأفكار المستقيمة والآراء النضالية فاتحة صدرها لكل الأقلام المتحررة من التعثرات السيئة للقلم، مرتبطة بقرائها معتزة بثقتهم. تتعهد العلم بأن تبقى صحيفة الشعب في خدمة نضاله وقيمه بنفس الإخلاص الذي جربه واعترف به.