جدد إنهيار نظام سياسي عربي هو نظام القذافي، الحديث عن هشاشة البنية الديمقراطية للدول العربية، والتي تتميز بخاصيتين أساسيتين في كل الأنظمة التي تعيش مع شعوبها اليوم صراع وجود، الخاصية الأولى وتتعلق بهيمنة حزب واحد على الحياة السياسية والمواقع الحاسمة في السلطة، والخاصية الثانية هي استمرار نفس الوجوه داخل مؤسسات الدولة على امتداد أزيد من ثلاثين سنة وأكثر بالنسبة للحالة الليبية، ومن الخلاصات السريعة التي يخرج بها البعض هو أن الاستمرار في السلطة لمدة طويلة يعتبر دلالة على الفساد وانغلاق المجال السياسي وهو ما يعني إنحباسا يعصف بالعيش المشترك ويدفع القوى المعارضة إلى اختيارات أخرى غير سلمية بالضرورة أو في حالة عجزها، فإن الشعوب تتحمل مسؤوليتها وتستخدم سلطة الشارع لتعديل ميزان القوى الذي اختل لفائدة أنظمة مستبدة. إلى هنا تبدو الأمور شديدة الوضوح ولا تحتاج على تعاليق كثيرة ولكن؟ هل هذه هي القاعدة العامة على المستوى الدولي؟ أم أن هناك نماذج في العالم تسعفنا في إعادة قراءة التجارب في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط قراءة منتجة تنفذ إلى عمق الإشكاليات الحقيقة بدل التوقف الخادع عند بعض المظاهر؟ المسألة الأولى تتعلق بالربط الحاصل بين استبدادية الحزب والفرد الحاكمين، وتكريس الفقر والجهل والأمية وكل مظاهر التفاوت الطبقي والإهانة والممارسات الماسة بكرامة الناس، وقيام النظام السياسي على النهب الممنهج للثروات وخلق أوليغارشية حلقية تستفيد من الاقتصاد السياسي للنظام، وهذا هو واقع الحال في المنطقة العربية حيث عمدت الأنظمة إلى تفقير شعوبها وسوء إدارة الثروات المتوفرة والاعتماد على نماذج تنموية تعزز الريع والاغتناء السريع للحاشية ومريدي النظام.. المسألة الثانية وهي موضوع الخلاف، وهي ربط الاستبداد والتخلف بوجود نفس الحزب في موقع السلطة، وهنا لا بد من التوضيح أكثر حتى لا نقع في خلط غير مرغوب فيه، فاستمرار نفس الحزب في السلطة لسنوات ليس في حد ذاته أمرا يتناقض مع الديمقراطية، فقط يجب احترام دورية ونزاهة الانتخابات وما دون ذلك لا يجب الالتفات إليه، وهناك في العالم نماذج على قدر كبير من الأهمية، غالبا ما يتم تقدميها كنماذج فوق العادة سواء على المستوى الديمقراطي أو الفعالية الاقتصادية ونماذج النمو، تصلح كي تسعفنا لفهم بعض الظواهر السياسية كيف تبلورت عندنا وكيف تطورت في تجارب أخرى ... في السويد ومنذ سنة 1932 هيمن الحزب الديمقراطي الاجتماعي ذو الحساسية الاشتراكية، على مختلف الحكومات والبرلمانات التي عرفتها البلاد ولم يفقد الحكم سوى في مرحلة قصير لم تتعد 9 سنوات وأخيرا بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2010، السويد تصنف رقم واحد في الديمقراطية على المستوى العالمي وهي كذلك بالنسبة لعدد من المؤشرات الاجتماعية على المستوى الدولي، ومن الأمور التي تعتبر خصوصيات هذا البلد وتثير الاستغراب في نفس الوقت، هو احتكار الدولة في السويد لقطاع الصيدليات وهو ما يجعلها في نفس وضعية كوبا وكوريا الشمالية، في السويد أيضا برلمانا من 379 عضو في حين عدد السكان لا يتجاوز 9 ملايين نسمة...اليابان تعتبر نموذجا آخر يصلح أن ننتبه إليه فالعملاق الأسيوي لم يعرف حزبا في الحكم منذ 1955 سوى الحزب الديمقراطي الليبرالي، ولم يتغير هذا الواقع سوى مع الانتخابات البرلمانية التي عرفتها اليابان سنة 2009، حيث عرفت اليابان قوتها ونفوذها مع هذا الحزب الذي نجح في إخراج اليابان من بلد محطم ومنهار مع نهاية الحرب العالمية الثانية، إلى بلد يوجد في طليعة القوى الاقتصادية والتكنولوجية على المستوى العالمي، وقد عرفت اليابان باستثمارها الكبير في العنصر البشري مادام البلد يفتقد للمواد الأولية والطاقة ويوجد في منطقة زلزالية وبركانية نشيطة ويعرف ضعفا في المساحات الصالحة للزراعة مع وجود كثافة سكانية عالية وعدد سكان يتجاوز 127 مليون نسمة ...البلد الثالث وهو سنغافورة تلك الجزيرة المنزوية في جنوب شرق آسيا حيث يهيمن حزب العمل الشعبي على الحكم منذ 1959، وشغل لي كوان منصب رئيس الحكومة منذ استقلال البلد عن بريطانيا سنة 1965 وسيخلفه جو تشونغ من نفس الحزب سنة 1990، وفي سنة 2004 ستعود عائلة لي كوان إلى رئاسة الحكومة في شخص نجله لي هيسن لونغ ..بعدد سكان لا يتجاوز 5 ملايين نسمة، وبدون ثروات طبيعية استطاعت سنغافورة وعبر مينائها الشهير أن تتحول إلى مركز أساسي في تجارة الترانزيت، بل وإلى رابع مركز مالي على الصعيد العالمي ويبلغ مستوى الدخل الفردي ما يقارب 50 ألف دولار سنويا. السويدواليابانوسنغافورة لم يمنعها كونها خضعت لسنوات طويلة لنفس الحزب، أن تكون في مصاف الدول المتقدمة، ولعل هذه البلدان أجادت توظيف الحكمة الفرنسية القائلة « لا نغير أبدا فرقة تحقق الفوز «، فهل تعلمون الآن لماذا تغير الشعوب أنظمتها في شمال إفريقيا والشرق الأوسط...؟