ليلة ساخنة لن تنسى عاشها الشعب المصري، بدأت رويداً منذ الساعة الثامنة مساء الثلاثاء، أثناء حفل أقامته وزارة الثقافة بمسرح البالون بالعجوزة، لتكريم أسر شهداء ثورة 25 يناير، وتسبب منع رجال أمن المسرح دخول عدد من البلطجية من مؤيدي مبارك ونظامه، والذين ادعوا أنهم من أسر الشهداء إلى نشوب مشاجرة بين الطرفين، اعتدى خلالها كل منهم على الآخر بالحجارة. وتمكن رجال المباحث من ضبط 7 من الذين تسببوا في المشاجرة، وأسفرت عن تكسير البوابة الرئيسية للمسرح، وقد فرضت الأجهزة الأمنية حزاما أمنياً حول المسرح خوفاً من تجدد الإشتباكات. وما هي إلا ساعات قليلة على الحادث حتى توجه عدد من البلطجية الذين تم رفض إدخالهم المسرح إلى ميدان التحرير، مرورا بمنطقة ماسبيرو لتهييج بعض المعتصمين من مصابي الثورة وأسر الشهداء الذين كانوا يفترشون الأرض أمام ماسبيرو. وعندما حاولت الأجهزة الأمنية فضهم بالقوة، تدخل عدد من البلطجية الذين جاءوا من منطقة عابدين الشعبية واندسوا بين المتظاهرين وقاموا برشق الأمن والمتظاهرين بالحجارة، لتتحول بعدها إلى اشتباكات بينهم وبين الأجهزة الأمنية التي استخدمت القنابل المسيلة للدموع. فيما غزت مجموعة جديدة من بلطجية بالدراجات النارية الكبيرة ميدان التحرير ورمت المتظاهرين والأمن بقنابل المولوتوف لزيادة الإشتباكات بينهم وحاولوا إقتحام وزارة الداخلية، وهذا يذكرنا بموقعة الجمل. وعززت وزارة الداخلية من قواتها بعد توافد عدد من المواطنين إلى ميدان التحرير لمساندة المتظاهرين والذي وصل عددهم 10 آلاف شخص، بقوات أمن إضافية وإدخال 6 مدرعات إلى ميدان التحرير لتفريق المتظاهرين، وتكثيف إطلاق القنابل المسيلة للدموع، الأمر الذي أدى إلى إصابة 66 شخصاً من المعتصمين بحالات إغماء وجروح، وهو ما دفعهم إلى إقامة عيادة طبية بميدان التحرير والإستعانة ببعض الأطباء المشاركين في الإعتصام، ورفض تسليم المصابين إلى سيارات الإسعاف لنقلهم إلى المستشفيات الحكومية، خوفاً من اعتقالهم بعد تحسن حالتهم الصحية، إلا أنه مع تزايد وقوع المصابين وخطورة حالتهم تم نقلهم إلى المستشفيات. ومع تزايد الإشتباكات استعان المعتصمون بالحجارة وقنابل المولوتوف، مما ترتب عليه تقهقر الأجهزة الأمنية إلى الخلف، متجهين إلى وزارة الداخلية عبر شارع محمد محمود والشيخ ريحان، وقام عدد منهم بفرض حصار أمني على الوزارة، خوفاً من اقتحامها أو تعرضها إلى الخطر. أما المتظاهرون فقد احتموا من القنابل المسيلة للدموع بحديقة ميدان التحرير والمتحف المصري بميدان عبد المنعم رياض. من جانبه، نفى الدكتور أحمد السمان المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء ما نشر في عدد من وسائل الإعلام عن أعداد المصابين في أحداث ميدان التحرير، وقال إن الموجودين بالمستشفيات حالياً 10 مصابين فقط. وأضاف السمان في تصريحات صحفية له الأربعاء، بمقر رئاسة مجلس الوزراء، أن عدد المصابين الذين دخلوا المستشفيات، وخرجوا منها بعد علاجهم، 65 مصاباً بمستشفيات المنيرة وأحمد ماهر والدمرداش والعجوزة والهلال، وأنه لم تحدث حالات وفاة، وحالة الوفاةالوحيدة ليس لها علاقة بأحداث التحرير والبالون، وإنما توفيت نتيجة مشاجرة في منطقة إمبابة. وأشار السمان إلى أنه لا توجد بين المصابين إصابات خطيرة، وأن أغلبهم مصاب باختناقات وكدمات وجروح، وحالتين فقط خضعتا لإجراء "غرز" في أماكن الجروح. أما عن حركة شباب من أجل العدالة والحرية، فقد أصدرت بياناً لها رداً على تصاعد الأحداث بميدان التحرير، دعت فيه أعضاءها إلى اعتصام مفتوح في ميدان التحرير لحين محاكمة جميع المتهمين بقتل المتظاهرين وإقالة وزير الداخلية منصور العيسوي. من جانبها، أعلنت صفحة الثورة المصرية الثانية 8 يوليو 2011، عن البدء في اعتصام مفتوح منذ اليوم حتى تحقيق باقي مطالب الثورة كاملة. يأتي ذلك تزامناً مع إصدار الوزارة بيانات لها وعقد اجتماعات طارئة خاصة بالأحداث التي يشهدها ميدان التحرير، والذي جاء فيه أن اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية عقد اجتماعاً عاجلاً بقيادات وزارة الداخلية في الساعات الأولى من فجر الأربعاء، على خلفية الوضع المتأزم بميدان التحرير ودعت الداخلية المواطنين الشرفاء لعدم الإنصياع إلى الشائعات التي قد تتردد في مثل هذه المواقف، والتي يروجها البعض لتحقيق مآرب خاصة وتتعمد إحداث وقيعة بين الشعب والشرطة. وصرح مصدر أمني مسؤول، أنه من خلال متابعة ما يشهده ميدان التحرير من أعمال شغب تلاحظ تزايد أعداد المتجمعين واستمرارهم في التعدي على المواطنين والمنشآت والسيارات، ورفضهم الإنصياع لتعليمات الأمن بوقف ممارساتهم، وتعمدهم زيادة الإحتكاك برجال الشرطة، وأضاف المصدر، تهيب وزارة الداخلية في هذا الصدد بمواطني مصر الشرفاء وشباب الثورة عدم الإنصياع إلى الشائعات التي قد تتردد في مثل هذه المواقف. من ناحيته، دعا الشيخ صفوت حجازي من داخل مسجد عمر مكرم عبر ميكرفون المسجد جميع الثوار "الحقيقيين" للخروج من الميدان للتوصل إلى حصر البلطجية الذين يحاولون حرق مصر عقب حكم محكمة القضاء الإداري بحل المجالس المحلية. ولفت "حجازي" الانتباه إلى أن جميع أسر الضحايا عادوا إلى منازلهم، إلا سيدة واحدة محتجزة بقسم العجوزة، وأنها سوف تخرج في الحال. فيما أكد رئيس مجلس الوزراء د. عصام شرف أن هناك شيئاً منظماً لنشر الفوضى في مصر، مجدداً دعوته لشباب الثورة وغيرهم من أبناء الشعب المصري للمحافظة على ثورتهم ثورة 25 يناير المجيدة. وقال شرف، خلال مداخلة هاتفية مع برنامج "صباح الخير يا مصر"، إن هذا الموقف يعد محكا لشباب الثورة وغيرهم من القائمين عليها، مشيرا إلى أنه متابع للموقف منذ مساء الثلاثاء، وإنه على اتصال دائم مع وزير الداخلية منصور عيسوي وجهات أخرى للوقوف على الأحداث أولاً بأول. وأشار شرف إلى أنه مازال ينتظرنتائج التحقيقات للوقوف على حقيقة الأوضاع، مطالبا شباب الثورة بمعرفة أن هذه ثورتهم، ويجب عليهم بجانب الحكومة والشرطة المحافظة عليها، مؤكدا أن التحقيقات ستظهر من هو المسؤول عما حدث وسيتم معاقبته، وقال: "كنا نتمنى أن تمر الأمور كما كانت تسير مؤخرا، حيث بدأ الأمن يعود بقوة وينتشر". وحول مطالب أسر الشهداء، قال "إنه يتم تكوين صندوق بشكل مؤسسي من أجل استمرار الخدمات لأسر الشهداء، ولدينا مجموعة من المشروعات، وهناك أطباء يرغبون في المشاركة في معالجة أسر الشهداء وندرس ذلك". وأضاف شرف أن الشرطة كانت تقوم الثلاثاء بحماية الممتلكات العامة، وأنها لم ولن تستخدم العنف إلا إذا ما كان هناك عنف في المقابل، مشيراً إلى أنه يقوم الآن بتطوير أداء الشرطة، وأنه يطلع على كافة وجهات النظر حول هذا الشأن. وفي رد فعل للأحداث المؤسفة التي شهدها ميدان التحرير مساء الثلاثاء وصباح الأربعاء، ناشد المجلس الأعلى للقوات المسلحة المواطنين المصريين عدم الانسياق وراء دعوات عدم الإستقرار وإجهاض محاولات زعزعة أمن مصر. وجاء في الرسالة رقم 65 للمجلس الأعلى للقوات المسلحة على صفحته على الفيس بوك أنه "بالتواصل مع الشعب المصري العظيم وشباب الثورة ونظرا للأحداث المؤسفة التي تحدث في ميدان التحرير منذ الأمس وحتى فجر الأربعاء، والتي لا مبرر لها إلا زعزعة أمن واستقرار مصر، وفق خطة مدروسة ومنظمة، يتم فيها استغلال دم شهداء الثورة بغرض إحداث الوقيعة بين الثوار والمؤسسة الأمنية في مصر لتحقيق هذه الأهداف، يهيب المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالشعب المصري العظيم وشباب الثورة ومفجريها عدم الإنسياق وراء هذه الدعوات والعمل على مقاومتها وإجهاضها حفاظا على أمن وسلامة مصر في هذه الظروف العصيبة". من ناحيته طالب الدكتور محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، المجلس العسكري القائم بإدراة البلاد بتوضيح الحقائق على وجه السرعة، وأولاها أسباب وملابسات استخدام العنف واتخاذ الإجراءات الضرورية لإنهائه. وحذر على صفحته الخاصة بموقع تويتر، من "تآكل المصداقية" في ظل التباطؤ الشديد لتحقيق مطالب الثورة. ودعا البرادعي لضرورة تحديد رؤية واضحة وجدول زمني وشفافية ومشاركة حقيقية. فيما صرح الناشط وائل غنيم على صفحته على الفيس بوك بأن انفجار الوضع نتاج طبيعي للتأخر في المحاكمات وبالونات الإختبار وجس النبض وعدم اتخاذ قرارات ثورية لإصلاح الفساد المستشري في البلد.