التوفيق: إيفاد 372 مشرفا على التأطير الديني لأفراد الجالية المغربية سنة 2024    الملك محمد السادس يوجه رسالة إلى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف    إسرائيل توافق على وقف إطلاق النار في لبنان بدءا من يوم غدٍ الأربعاء    الجيش يهزم الرجاء في أبطال إفريقيا    الأمن يحجز حيوانات معروضة للبيع    لجنة الحماية الاجتماعية تجتمع بالرباط    المغرب يستعد لإطلاق عملة رقمية وطنية لتعزيز الابتكار المالي وضمان الاستقرار الاقتصادي        تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. وفد من القوات المسلحة الملكية يزور حاملة الطائرات الأمريكية بساحل الحسيمة    طلب إحضار إسكوبار الصحراء ولطيفة رأفت.. هذا ما قررته المحكمة    بنسعيد: "تيك توك" توافق على فتح حوار بخصوص المحتوى مع المغرب        هيئة حقوقية تنادي بحماية النساء البائعات في الفضاءات العامة    دراسة: سوق العمل في ألمانيا يحتاج إلى المزيد من المهاجرين    وفاة أكبر رجل معمر في العالم عن 112 عاما    "نعطيو الكلمة للطفل" شعار احتفالية بوزان باليوم العالمي للطفل    لحظة ملكية دافئة في شوارع باريس    النظام العسكري الجزائري أصبح يشكل خطرا على منطقة شمال إفريقيا    الجنائية الدولية :نعم ثم نعم … ولكن! 1 القرار تتويج تاريخي ل15 سنة من الترافع القانوني الفلسطيني    سعد لمجرد يصدر أغنيته الهندية الجديدة «هوما دول»        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    المغرب جزء منها.. زعيم المعارضة بإسرائيل يعرض خطته لإنهاء الحرب في غزة ولبنان    دين الخزينة يبلغ 1.071,5 مليار درهم بارتفاع 7,2 في المائة    معاملات "الفوسفاط" 69 مليار درهم    النقابة الوطنية للإعلام والصحافة … يستنكر بشدة مخطط الإجهاز والترامي على قطاع الصحافة الرياضية    الجزائر و "الريف المغربي" خطوة استفزازية أم تكتيك دفاعي؟    في حلقة اليوم من برنامج "مدارات" : عبد المجيد بن جلون : رائد الأدب القصصي والسيرة الروائية في الثقافة المغربية الحديثة    التوفيق: قلت لوزير الداخلية الفرنسي إننا "علمانيون" والمغرب دائما مع الاعتدال والحرية    نزاع بالمحطة الطرقية بابن جرير ينتهي باعتقال 6 أشخاص بينهم قاصر    الجديدة مهرجان دكالة في دورته 16 يحتفي بالثقافة الفرنسية    توهج مغربي في منافسة كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي بأكادير    اللحوم المستوردة تُحدث تراجعا طفيفا على الأسعار    مسرح البدوي يواصل جولته بمسرحية "في انتظار القطار"    شيرين اللجمي تطلق أولى أغانيها باللهجة المغربية        الأمم المتحدة.. انتخاب هلال رئيسا للمؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    برقية شكر من الملك محمد السادس إلى رئيس بنما على إثر قرار بلاده بخصوص القضية الوطنية الأولى للمملكة    القنيطرة.. تعزيز الخدمات الشرطية بإحداث قاعة للقيادة والتنسيق من الجيل الجديد (صور)    توقيف فرنسي من أصول جزائرية بمراكش لهذا السبب    اتحاد طنجة يكشف عن مداخيل مباراة "ديربي الشمال"    غوارديولا قبل مواجهة فينورد: "أنا لا أستسلم ولدي شعور أننا سنحقق نتيجة إيجابية"    مواجهة مغربية بين الرجاء والجيش الملكي في دور مجموعات دوري أبطال أفريقيا    حوار مع جني : لقاء !    المناظرة الوطنية الثانية للفنون التشكيلية والبصرية تبلور أهدافها    الدولار يرتفع بعد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا والصين    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    ملتقى النقل السياحي بمراكش نحو رؤية جديدة لتعزيز التنمية المستدامة والابتكار    إطلاق شراكة استراتيجية بين البريد بنك وGuichet.com    الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في العرض الهام الذي ألقاه الأمين العام لحزب الاستقلال في مهرجان تخليد الذكرى الواحدة والأربعين لوفاة زعيم الوحدة عبد الخالق الطريس
كان يرى أن الكفاح من أجل الاستقلال مرتبط عضويا بالمطالبة بإقامة نظام دستوري يضمن الحرية وكرامة المواطنين
نشر في العلم يوم 06 - 06 - 2011

افتتح الأمين العام لحزب الاستقلال الأستاذ عباس الفاسي التجمع الجماهيري الحاشد الذي نظمه حزب الاستقلال مساء يوم الجمعة الماضي بمناسبة تخليد الذكرى 41 لوفاة زعيم الوحدة عبد الخالق الطريس بمدينة مكناس بخطاب هام جاء فيه:
لسم الله الرحمن الرحيم
أيتها السيدات؛
أيها السادة؛
عبد الخالق الطريس والنضال لبناء مجتمع ديمقراطي
يشرفني أن أحضر معكم هذا اللقاء الوطني الكبير،وبداية زنقل إليكم اعتذار أساتذتنا أعضاء مجلس الرئاسة الذين تعذر عليهم الحضور وهم الذين يكنون تقديرا كبيرا لهذا الزعيم الخالد و يسعدنا أن نخلد اليوم، الذكرى الواحدة والأربعين لوفاة زعيم الوحدة، الأستاذ عبد الخالق الطريس، بهذه المدينة المجاهدة، مدينة مكناس التي شكلت عبر العصور إحدى عواصم المملكة المغربية التاريخية الهامة التي كان لسكانها وقبائل المناطق المجاورة لها في السهول والأطلس، دور هام في تاريخ بلادنا القديم والحديث، وشكلت أحد معاقل النضال الاستقلالي من أجل الحرية والاستقلال والدفاع عن كرامة المواطنين.
فاختيار مدينة مكناس لتخليد هذه الذكرى يعتبر عربون وفاء منا لإسهام رجالها ونسائها وشبابها المتميز في الحركة الوطنية المعاصرة ببلادنا التي كان المجاهد الأستاذ عبد الخالق الطريس أحد أعلامها البارزين، نظرا لما تميز به رحمه الله من خصال حميدة يصعب حصرها. فقد كان مثالا في المروءة والنبل والكرم والإخلاص، علاوة على قدرته على الصدع بالحق بشجاعة نادرة، إذ لم يكن تأخذه في الحق لومة لائم.
لقد كان بحق الرجل المناضل الغيور، المتنور، المثقف اللامع، والسياسي المحنك، والصحافي المتفتح، والحريص على إشاعة الوعي السياسي بأهمية تكوين الأجيال، وترسيخ الحس الوطني في نفوس مختلف شرائح الشعب، بكل وسائل التواصل المتاحة لخلق حركة وطنية حقيقية، تفتح أعين كافة الفئات على ما ينبغي بذله من جهد لمواجهة الوجود الأجنبي ببلادنا والتصدي لمخططاته.
وما دمنا نخلد هذه الذكرى في أجواء مفعمة باحتدام النقاش حول قضايا الحرية والإصلاحات الدستورية، فقد ارتأى الحزب إحياءها تحت شعار «عبد الخالق الطريس والنضال لبناء مجتمع ديمقراطي»، باعتباره أحد رموز الكفاح الوطني، المؤمنين بقضايا وطنهم الأساسية، وفي مقدمتها الحرية والديمقراطية التي كرس حياته للنضال من أجلها، منذ انخراطه في العمل الوطني وهو في ريعان الشباب، وسخر لذلك كل ما أوتي من مدارك معرفية، وعلاقات واسعة داخل الوطن وخارجه، مع العديد من رجالات الفكر والسياسة ذوي الصيت العالمي.
وفي هذا الإطار، نجده يسجل مواقفه المدافعة عن الحرية في وقت مبكر، إذ نشر مقالا في جريدة الحرية (23/8/1937) يتساءل فيه بقوله» هل تكمن سعادة أمة بدون الوصول إلى الحرية والاستقلال؟»
ثم يقول : «الحرية نحبها ونقدسها ولكن لا نسمح أن تستعمل لشقنا وإبعادنا عن العمل المتسامح».
وفي هذا المجال، كان يرى أن الكفاح من أجل الاستقلال مرتبط ارتباطا عضويا بالمطالبة بإقامة نظام دستوري، تضمن فيه الحرية الفردية والجماعية، وتصان فيه كرامة المواطن في ظل ديمقراطية حقيقية.
وهكذا نجده في جريدة «الحرية» (10-10-1946) يحدد نوعية الدستور الذي يطالب به فيقول:
«إن الدستور باعتباره مجموعة القوانين الأصلية التي تعرف المواطن وتشرح حقوقه وواجباته، وتبين علائقه بالحكومة وعلائق الحكومة به، وتتحدد بموجبه السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، هو ما نطالب به لأمتنا صيانة للفرد المغربي، وتنظيما لشؤون الدولة، ووضع حد للاستبداد بجميع أشكاله وألوانه».
مضيفا «إنه من المناسب أن ننص على أن الدساتير وإن كانت تختلف في أشكالها، فهي في العالم كله تتفق في الروح، وروحها الأساسية هي جعل الأمة مصدر السلطات».
ثم يخلص إلى التطرق إلى الأسباب التي يراها مبررة لمطالبة الأمة المغربية بالحياة الدستورية فيقول:
«والأمة المغربية إذا طالبت بدستورها، فإنها تفعل ذلك لحاجة ملحة، لأن الفوضى وخصوصا بعد سيطرة الأجنبي عليها أصبحت لا تطاق، ولا يمكن أن يضمن لها التحرر ثم التطور، إلا إذا نظمت حياتها تنظيما كاملا على وتيرة الأمم الحية المتمدنة، وتحدد فيها السلطات بما فيها القضائية، وكيفية تداخلها وعلاقات بعضها ببعض. وأيضا يعرف مركز صاحب الجلالة القانوني الذي نعيش تحت رئاسته».
ويضيف: «إن الإحراز على الدستور لمن أهم غايات الحركة الوطنية التي تعمل للشعب».
وضع دستور تتضح به الحقوق والواجبات للسلطة والأفراد
وهكذا شكلت مسألة الديمقراطية أحد الثوابت الأساسية التي آمن بها، ولم يتوقف عن المطالبة بتحقيقها بعد الاستقلال، باعتبارها أحد أبرز القيم الإنسانية التي تضمنتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، والتي تحاول قوى الاحتلال حرماننا منها، الشيء الذي يعتبره أمرا مرفوضا ولا يمكن السكوت عنه، بل يؤكد سنة 1952: «بأننا نريد تطعم لذة الديمقراطية، والتنعم بها، متساوين مع الدول الغربية في كل حقوق الإنسان، تلك الحقوق التي جعلوها عامة في الورق، واحتفظوا بها لأنفسهم».
ثم يتطرق إلى المغزى الحقيقي للاستقلال الذي يناضل مع رفاقه من أجله مؤكدا أن : «معنى الاستقلال أن يحكم الشعب نفسه، ويشرع لنفسه، ويصون حقوقه ومصالحه بنفسه، وأن تجد الكفاءات من أبنائه سبيلا لاستعمال المواهب، وإسعاد الفرد والجماعة».
وكان يؤمن بأن نمط الحكم الذي يناضل من أجل تحقيقه ينبغي أن يكون مجسدا لديمقراطية حقيقية، تصان فيها حرية وكرامة المواطنين على أسس دستورية. وفي هذا السياق، نجده سنة 1946 في خطاب عيد الجهاد الوطني يؤكد على ضرورة : «وضع دستور تتضح به الحقوق والواجبات للسلطة والأفراد، ويعرف بواسطته العلائق بين رئيس البلاد وشعبه وحكومته، وتأخذ به البلاد صبغتها الشورية في نظام الحكم».
كما أبرز أن التجسيد العملي لهذا النظام الدستوري، يجب أن تسهر عليه حكومة تستند إلى إرادة الشعب، المعبر عنها في انتخابات نزيهة، فيؤكد على ضرورة :»تكوين حكومة وطنية تختارها وترتضيها أغلبية الشعب».
وها نحن نلاحظ في ضوء ماذكرت أنه كان للزعيم عبد الخالق الطريس حرص على قيام الدولة الديمقراطية بدستور ديمقراطي،وهو المطلب الذي لازلنا نطالب به إلى الآن،ومن هنا نؤكد على الأهمية البالغة التي اكتساها مضمون خطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله يوم تاسع مارس الماضي.
وقد كان الأستاذ شديد الحرص على إبراز هذه الحقيقة، وتوضيح مرتكزات الوحدة الوطنية والترابية لبلادنا، إدراكا منه لما يشهده من مخاطر التجزئة المتجلية أساسا في تعدد مناطق النفوذ الاستعماري، الذي يرى ضرورة مواجهته بإرادة موحدة للحركة الوطنية في الشمال والجنوب، للتغلب على الحواجز التي يمعن المحتل الإسباني والفرنسي في إقامتها بين مناطق نفوذهما ببلادنا شمالا وجنوبا.
أيتها السيدات؛
أيها السادة؛
المغرب بسائر مناطقه وحدة لا تتجزأ
إذا ما أمعنا النظر في نوعية وطبيعة المواقف النضالية التي تتخذها الحركة الوطنية مؤطرة بحزب الإصلاح في الشمال وحزب الاستقلال في الجنوب، نلاحظ ذلك التقارب والتكامل والتزامن للعديد من الخطوات النضالية، الدالة على عمق التنسيق الإستراتيجي والتكتيكي لخطة عمل الحزبين؛ يقول الأستاذ «إننا نكرر اليوم ما أعلناه من قبل من أن تضامن حزب الإصلاح الوطني مع حزب الاستقلال تضامن تام، وإننا نعمل على ضوء نفس المبادئ المشتركة التي يعمل عليها الاستقلاليون في المنطقة السلطانية».
وفي هذا الصدد يقول الزعيم علال الفاسي:
«لقد بدأت الحركة الوطنية يوم بدأت باسم كتلة العمل الوطني، وكانت تضم جميع الرجال الذين أسسوا حزب الاستقلال، ولكن ظروفا أجنبية خارجة عن إرادتنا جعلتنا نقبل أن يعمل كل واحد منا في استقلال نوعي إلى أن يأتي الوقت الذي نرجع فيه إلى الحقيقة الوطنية وهي التوحيد».
وتجسيدا لهذا المخطط، تم على غرار المطالب الإصلاحية التي قدمتها كتلة العمل الوطني سنة 1933، تقديم حزب الإصلاح الوطني لمطالب مماثلة سنة 1937، إلى سمو الخليفة والمقيم العام الإسباني، جاء في مقدمتها ما يلي:
«وأن المغرب بسائر مناطقه وحدة لا تتجزأ، وأن مبدأنا في حكم البلاد ملكي إسلامي على أساس الشورى، وعلى ضوء الأنظمة الحديثة التي برهن تطبيقها على صلاحياتها للمجتمع البشري، ونحن بصفتنا (الكتلة الوطنية) في شمال المغرب أولا وفي (حزب الإصلاح الوطني) ثانيا فإننا كثيرا ما دافعنا عن وحدة المغرب، وكثيرا ما رغبنا أن يكون عملنا مشتركا موحدا لرفع شأنه، لأن مطالب الشعب المغربي في جنوبه، هي في الحقيقة حاجيات شماله».
وقد شكلت زيارة المغفور له جلالة الملك محمد الخامس لمدينة طنجة سنة 1947، فرصة سانحة للتعبير عن هذه القناعة التي أبانت للرأي العام الدولي عمق ومتانة الروابط القائمة بين الملك والشعب في الشمال والجنوب. وقد تجلى ذلك في الخطاب الملكي الذي شكل منعطفا حاسما أعطى نقلة نوعية هامة لطبيعة تنسيق العمل الوطني بين حزب الاستقلال وحزب الإصلاح، حيث استقبل جلالة الملك بطنجة وفدا يمثل حزب الإصلاح بقيادة الأستاذ عبد الخالق الطريس، والأمين العام لحزب الاستقلال الحاج أحمد بلافريج، برفقة الحاج عمر بن عبد الجليل.
بناء المغرب المستقل
وكان للأستاذ دور هام في تعبئة المواطنين لإنجاح الزيارة الملكية باعتبارها فرصة تاريخية لإبراز تجذر الوحدة الوطنية والترابية أمام الرأي العام الدولي، والتي عبر عنها سكان الشمال من خلال الهدية التي قدمها الأستاذ عبد الخالق الطريس باسم سكان تطوان، التي قال عنها الزعيم علال الفاسي في كتاب الحركات الاستقلالية:
«وقد تقدم وفدهم بهدية رمزية عظيمة هي خريطة المغرب الموحد مصنوعة من الفضة الخالصة، وكتابتها من ذهب خالص، ومعها صندوق من ذهب مليء بتراب أخذ من جبال المنطقة، وكتبت عليها العبارة التالية: «بمناسبة زيارة الملك لطنجة يقدم أهالي تطوان هذا التراب المخضب بدماء الشهداء الأبطال كرمز لوحدة المغرب تحت العرش العلوي المجيد».
وألقى الأستاذ عبد الخالق الطريس وسط الجماهير الهاتفة بحياة المغرب كلمة جاء فيها:
«إلى حامي الملة والدين باسم هذا الجيل الذي لا يتزحزح من مملكتكم السعيدة، نتقدم بإجلالنا وتعظيمنا وولائنا لأمير المؤمنين، راجين من مولانا أيده الله ونصره أن يتقبل هذه الهدية المتواضعة، كرمز لمحبتنا وإخلاصنا لعرش أسلافكم الخالد، يا مولانا إننا بكم نهتدي وبمثلكم نقتدي».
وقد تطورت مظاهر وآليات تنسيق العمل النضالي بين حزب الاستقلال وحزب الإصلاح، وتواصل العمل المشترك في الداخل والخارج، إن على المستوى السياسي أو العمل المسلح في إطار المقاومة وجيش التحرير، إلى أن استعادت بلادنا استقلالها، وتوحدت المنطقة الخليفية بالشمال والمنطقة السلطانية بالجنوب، فتحقق بذلك ما كان الأستاذ الطريس دائم التأكيد عليه من أن «المغرب وحدة لا تتجزأ، ولا يوجد فينا من يسمح لنفسه بقبول نوع من أنواع التجزئة أو الموافقة على خطوة ترمي إلى سلخ قسم من جسم الوطن العزيز، وإن أسمى مطامحنا أن نرى منطقتنا ضمن البلاد المغربية الموحدة المتمتعة بكامل سيادتها بقيادة زعيمنا الموفق وبطل كفاحنا التحرري محمد الخامس نصره الله».
ولم يكن إيمانه بالوحدة مقتصرا على الوحدة الترابية والوطنية، بل كان صادق اليقين بضرورة إعادة توحيد جهود عائلة الكتلة الوطنية، لتتضافر جهود مناضلي حزب الإصلاح مع إخوانهم في حزب الاستقلال، لرفع تحدي الجهاد الأكبر لبناء المغرب المستقل، فأعلن بكل شموخ وروح نضالية عالية ونكران للذات، اندماج حزب الإصلاح في صفوف وهياكل وتنظيمات حزب الاستقلال.
وقد وجه خطابا بهذه المناسبة إلى مؤتمر الشبيبة الاستقلالية المنعقد بمدينة فاس جاء فيه:
«يسرني أن تكون كلمتي هذه إلى شباب حزب الاستقلال المحتشد في عاصمة المغرب الروحية من الكلمات الأولى التي أوجهها للشعب المغربي، بعد أن تم الاتحاد الكامل بين حزب الإصلاح وحزب الاستقلال، ليتخذ رجال الغد ومسؤولو المستقبل درسا وعبرة من خطوتنا، التي نرجو أن تدر نفعا كبيرا على بلادنا، في هذه المرحلة من تاريخنا، فإذا فهمتم يا شباب الاستقلال كل ذلك حق الفهم، أدركتم أن للمغرب رجالا يعملون كل شيء في سبيل المصلحة العليا للأمة والوطن».
وقد كان الأستاذ عبد الخالق صادقا وصامدا في بلورة هذا التضامن ووحدة الرؤية، على أكثر من مستوى وفي محطات مفصلية وحاسمة غداة الاستقلال، وما توالى بعد ذلك من أحداث هامة وتطورات متلاحقة وتجاذبات معقدة سياسية ومذهبية.
وفي هذا الإطار، نستحضر مواقفه الثابتة في كل القضايا المصيرية، خاصة النضال من أجل إرساء دعائم الديمقراطية وتدشين الحياة الدستورية التي قاد حملتها الوطنية الزعيم علال الفاسي دفاعا عن مشروع الدستور، وتعبئته الرأي العام الوطني من أجل المشاركة الإيجابية لإنجاح هذا الإنجاز الديمقراطي الذي طالما ناضل الحزب من أجله، لإخراج البلاد من حالة اللادستور وتنخرط في صفوف الدول ذات النظام الدستوري وتخطو خطواتها الأولى على المسار الديمقراطي، الضامن لإشراك الشعب في التسيير عبر المؤسسات المنتخبة.
أيتها السيدات؛
أيها السادة؛
المحافظة على سلامة الوطن
إذا كانت حملة الحزب لمساندة الدستور الإول في دجنبر 1962 بقيادة الزعيم علال الفاسي قد أسهمت بحظ وافر في انخراط الجماهير الشعبية في مساندة وإنجاح هذا الاستحقاق الوطني التاريخي المصيري في حياة بلادنا، فإن الأستاذ عبد الخالق الطريس كان القائد الموفق للحملة الانتخابية التي خاضها الحزب في أول انتخابات تشريعية يشهدها المغرب المستقل (17 ماي 1963)، فكان بحق مثال الزعيم المؤمن بأهمية الاستحقاق، والمناضل الواثق في تجاوب الشعب مع برامج حزبه، فجاب مختلف أقاليم وجهات البلاد بعزيمة قوية، وترأس عشرات المهرجانات الهائلة الناجحة والحاشدة في المدن والبوادي، حيث كانت تنثال إليه قلوب الجماهير بفضل زعامته المشهود بها، وملكاته الخطابية المميزة، وقدرته على الإقناع بمضامين البرنامج الانتخابي الذي تركز بالأساس على :
- تركيز الديمقراطية في بلادنا؛
- الدفاع عن الوطنية؛
- العمل من أجل التحررفي جميع الميادين.
وخاض الحزب هذه الحملة في ظروف صعبة، ومواجهة عنيفة مع خصوم الديمقراطية، واستغلال النفوذ، والشطط في استعمال السلطة لإنجاح مرشحي (|الجبهة-لفديك) بكل وسائل الإغراء، والترهيب، والاضطهاد، والتعسف، والتضييق على المواطنين، واعتقال المناضلين.
وقد تصدى الأستاذ الطريس بما أوتي من عمق في التفكير، ومنطق في التحليل، للحملة الشرسة التي خاضتها (لفديك) بكل الوسائل غير المشروعة، بما فيها استغلال اسم جلالة الملك، حيث أكد في أكثر من مهرجان «أن حزب الاستقلال يكافح في كل مكان من أجل المحافظة على سلامة الوطن، ومن أجل الدفاع عن حوزة البلاد مهما كان الثمن، وخصومه يحاولون أن ينتصروا بكل وسيلة، ولكن ينبغي للشعب أن لا يغتر بهذه المحاولات وأن لا ينخدع بهذه المؤامرات المدبرة ضد مصالحه وضد وطنه وضد بلاده، وإذا تظاهر أحد بأنه يتكلم باسم الملك فإننا نقول له: إن الملك للمغاربة جميعهم، وليس في حاجة لكم لأن الشعب كله معه.
ونذكرهم بأننا أيام الكفاح الوطني ساومنا الاستعمار بالاستقلال عن الملك ولكننا رفضنا ذلك وقلنا «محمد الخامس قبل الاستقلال».
وقد تصدى للحملات المغرضة المدعومة في جيوب مقاومة المسار الديمقراطي.
ويقول : «لهذا لا يمكن بحال من الأحوال أن نستهين بالعواقب الخطيرة التي تتهددنا، فمن الواجب أن نتجند جميعا ضد الاستبداد حتى نحقق الكرامة لبلدنا، ونستعيد جميع مكاسبنا التي كافحنا من أجلها، معتمدين على تاريخنا الطاهر ومبادئنا المقدسة، وبرامجنا التي لا تراعي إلا مصلحة الشعب والبلاد».
وهكذا حقق الأستاذ تجاوبا جماهيريا حاسما مع البرنامج الانتخابي للحزب الذي تعاطفت معه شرائح عريضة من مختلف فئات الشعب، بفضل اقتداره وبراعته في قيادة الحملة في مختلف الأقاليم والجهات وبفضل وحدة الصف عند المناضلين.
ولكن آليات التزوير والغش ومعاكسة إرادة الناخبين، جعلت هذه الانتخابات وعلى عكس ما كان مأمولا، بداية الانحراف السياسي الذي أدخل بلادنا في نفق تعثر المسار الديمقراطي لعدة عقود، وفوت على أجيال متلاحقة العديد من الفرص.
ظل صامدا في شموخ وإباء مدافعا عن قيم الحرية والكرامة
التي تشكل المقوم الحيوي لمفهوم الديمقراطية
وإذا كانت نتائج الانتخابات أريد لها أن تكون مزورة بشكل أفقدها كل مصداقية في أعين الشعب وأمام الرأي العام الدولي، ورغم أن حزب الاستقلال كان أكبر المستهدفين من معاكسة إرادة الناخبين، فإن ذلك لم يفت في عضده ولا أوهن أداء فريقه النيابي «فريق المشروعية والتعادلية « برئاسة الأستاذ عبد الخالق الطريس، الذي كان يضم نخبة من الزعماء ورجالات الفكر والسياسة، والمناضلين المؤمنين برسالة الدفاع عن قضايا الوطن، والذود عن مصالح المواطنين، فكانت مداخلات الأستاذ من حيث المضمون، وطريقة الأداء، تحظى باهتمام خاص من لدن كافة الفرقاء رغم حدة الخلافات واحتدام النقاشات. وقد كانت إسهامات فريقنا برئاسة الأستاذ في إثراء حصيلة هذه التجربة البرلمانية -على قصرها- جد هامة من حيث النوعية والبعد الوطني، الشيء الذي تجلى على سبيل المثال في الدفاع عن مبادئ توحيد القضاء ومغربته وتعريبه، وتعريب التعليم مع التفتح على اللغات الأجنبية، والدفاع عن الصحافة الوطنية والعمل على جعل حد لصحافة (ماص) الاستعمارية، وهي مقترحات للفريق الاستقلالي صادق عليها البرلمان بالأغلبية.
وقد قال في هذا الصدد: «تعلمون أن صحفا أجنبية تصدر بالمغرب منذ بداية عهد الحماية، وقد كان من المفروض أن السلطة التنفيذية ستضع حدا لهذه الصحف التي أساءت إلى المغرب وللوطنية المغربية وللعرش المغربي».
ويضيف : «نطلب من السلطة التنفيذية أن تطبق القانون بتوقيف هذه الصحافة فورا».
كما طالب بجعل الإعلام العمومي يسهم في إشاعة ثقافة الممارسة الديمقراطية عن طريق بث وقائع جلسات المجلس قياسا على ما يقع في الدول الأخرى، من أجل تنوير الرأي العام والتعود على الممارسة الديمقراطية.
وقد كان الأستاذ حريصا على أن يضطلع الفريق بما يخوله القانون من صلاحيات المراقبة الحكومية بكل الوسائل المتاحة، مساءلة كتابية كانت أو شفهية، وصولا إلى ملتمس الرقابة 1964 الذي كانت له فيه مرافعات تاريخية، أبانت عما يتمتع به الأستاذ من مؤهلات فكرية، وقدرات خطابية وإدراك عميق لدور المؤسسة التشريعية، وما ينبغي أن يدور داخلها من مناقشات سياسية عميقة مترفعة هادفة.
وعندما تعطل العمل البرلماني بإعلان حالة الاستثناء سنة 1965، والتي عارضها الحزب بكل قوة، اعتبر تلك الخطوة تراجعا غير مقبول، وواصل الدفاع عن الخيار الديمقراطي، داعيا إلى مواجهة كل انزلاق، ولم تفل من عزيمته وقوة إيمانه بالحرية والديمقراطية ما شهدته المراحل اللاحقة من انتكاسة ديمقراطية وممارسات تسلطية ومضايقات تستهدف أحزاب الحركة الوطنية، وفي مقدمتها حزب الاستقلال. ولم يكترث بمحاولات تبخيس العمل السياسي، وتنفير المواطنين من الانتماء الحزبي، بل ظل صامدا في شموخ وإباء مدافعا عن قيم الحرية والكرامة التي تشكل المقوم الحيوي لمفهوم الديمقراطية إلى أن لقي ربه راضيا مرضيا مخلفا لنا وللأجيال الصاعدة من التراث الفكري، والرصيد النضالي، ما يشحذ الهمم ويوطد العزم على مواصلة النضال لربح رهانات المستقبل.
أيتها السيدات؛
أيها السادة؛
التمسك بالوفاء للمدرسة الوطنية الأصيلة
أود أن أختتم بما سبق لي أن قلته بأن تمسكنا في حزب الاستقلال بإحياء ذكريات زعمائنا، إنما يعبر عن وفائنا للمدرسة الوطنية الأصيلة التي وضع أسسها رواد الحركة الاستقلالية الأوائل الذين كان من بين أبرزهم الأستاذ الطريس الذي نخلد اليوم ذكراه، لتتعرف الأجيال الجديدة على مواقفه وأعماله الجليلة، ولنستخلص الدروس والعبر من كفاحه وتضحياته في هذا الظرف الذي تشهد فيه بلادنا ثورة جديدة للملك والشعب، من أجل بناء المغرب الجديد الديمقراطي الموحد المتضامن، ولنجدد العزم على مواصلة الرسالة الاستقلالية في خدمة بلادنا وترسيخ مقوماتها الثقافية والحضارية وبناء المستقبل الأفضل لصالح شعبنا.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمد الزعيم عبد الخالق الطريس بالرحمة والرضوان وأن يسكنه فسيح جناته مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولائك رفيقا.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.