كانت إيكس ليبان قد أفرزت تباينا داخل اللجنة التنفيذية للحزب للموقف من المفاوضات مع فرنسا، وكان هناك خلاف بين المجلس الوطني للمقاومة برئاسة علال الفاسي، واللجنة التنفيذية للحزب خاصة الجناح الذي دعا إلى مؤتمر إستثنائي للحزب سنة 1955 الذي يقول عنه الزعيم علال « إن المؤتمر الاستثنائي الذي عقده الحزب في الرباط بصفة ارتجالية وزعيم الحزب ورجال المقاومة لم يدخلوا بعد ، تعجل بأخذ قرار بالدخول للحكومة مع ممثلي موائد اكس ليبان على الرغم من إلحاحي بعدم الدخول في حكومة إلا إذا كانت منسجمة من الحزب الذي كافح وحده في سبيل الاستقلال وعودة الملك.» لقد التقت موضوعيا صراعات الحزب الداخلية مع رعاة المصالح الفرنسية بالمغرب ومحيط الملك وولي العهد، حيث كان هناك إصرار على إضعاف الحزب قبل الدخول في مسلسل لبناء المؤسسات والتخلص من الحكم المطلق، هكذا عمد النظام إلى تحريك بعض المناطق ضد الحزب ورموزه كما حصل مع العامل عدي أوبيهي في تمرده بقصر السوق / الراشيدية ، حيث تم الحكم عليه بالإعدام بعد إعتقاله لكن الحكم لم ينفذ إلى أن توفى بمستشفى إبن سينا بعد ذلك بسنوات، كما وقع التلاعب بقيادة الحزب من خلال تعيين بلافريج الأمين العام للحزب رئيسا للحكومة وإقالته في ظرف وجيز، وتعيين عبد الله إبراهيم بدلا عنه وهو عضو باللجنة التنفيذية ضدا في الأمين العام للحزب وهو ما لم تتأخر نتائجه من خلال إنقسام حزب الإستقلال وتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، وإختتمت الحملة المناهضة للحزب بأحداث الريف حيث كان قرار قصف الريف بالطائرات في المجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 7يناير 1959، أي بعد شهرين من مغادرة الأمين العام أحمد بلافريج منصبه كرئيس للحكومة في نوفمبر 1958، والكل يعلم أن ولي العهد آنذاك كان يشرف على العمليات من تطوان ، ومع ذلك يتم الإصرار على نسب أحداث الريف لحزب الاستقلال ممن لحسوا ذاكرتهم فهل كان حزب الاستقلال يملك الطائرات ؟ فالهدف كان واضحا هو تدمير حزب الاستقلال وتقسيمه ، قبل أن تضع البلاد خطواتها الأولى نحو الديمقراطية بداية من وضع دستور للبلاد ، لهذا سعا الحزب إلى إخراج هذا الدستور حتى بدون لجنة منتخبة لوضعه مادام سيعرض على الاستفتاء ، وكان رأي الزعيم علال هو أن نخرج البلاد من دائرة الحكم المطلق إلى عهد الدستور الذي يعني وجوده بصفة منطقية وجود المؤسسات المنتخبة وحياة ديمقراطية مبنية على المنافسة ، وقد كان الزعيم علال واضحا في أطروحته من خلال حصر تدبير شؤون الدولة في الحكومة كجهاز منتخب يمكن محاسبته والحفاظ للملك على وضعه السامي فوق الأحزاب وأمير للمؤمنين ورمز وحدة الأمة. لقد مثل دستور 1962 تحول مهما في الحياة العامة للبلاد، رغم السجالات التي عرفها خاصة في موضوع تأسيس لجنة لوضعها، وقد إعتبر الإتحاد الوطني أن عدم إنتخاب مجلس تأسيسي يجعل من الدستور منحة من الحاكم ، ودارت السنين لكي يقول واحد من مناضليه الأساسيين وفي الاتحاد الاشتراكي حاليا الأستاذ محمد اليازغي أن فكرة التشبث بالمجلس التأسيسي في تلك المرحلة كانت خطأ لأن الهيأة الناخبة لم تكن لتعطي مجلس صالحا لوضع الدستور ولعل الأمر لا يزال على نفس الحال...وربما هذه الرسالة لازالت لا تريد أن تصل إلى البعض ممن يتشبثون بمسألة إنتخاب مجلس تأسيسي في ظروف يعلم الجميع أن القوى المحافظة تملك كل الشروط للفوز فيه بأغلبية تمكن من تمرير أكثر المقتضيات تخلفا وردة ، وهذا ما جعل حزب الإستقلال يتشبث دائما بمسألة التوافق مع الملك لأنه أقرب طريق للإصلاح ، ومتى كانت إرادة الملك والحركة الوطنية متطابقة ، كانت للمغرب فرص السير بثبات نحو المستقبل ... الحرب التي شنت على حزب الإستقلال تواصلت بعد وضع دستور 1962 ، خاصة مع تشكيل « الفديك « أي جبهة الدفاع عن المؤسسات المقدسة برئاسة رئيس الديوان الملكي السيد رضى أكديرة ، وتبين أن هذا المشروع هو إلتفاف حول مشاريع الدمقرطة التي جاء دستور 1962 ليعلن ميلادها ، فتبين لصقور محيط الملك أن حزبي الاستقلال والإتحاد الوطني سيكتسحون المؤسسات ، وهو ما لم يكن مقبولا في الماضي ، واكتشفنا أنه مستمر إلى اليوم خاصة مع تأسيس « البام « الأصالة والمعاصرة ، وبالصدفة في فترة حكومة يوجد على رأسها الأمين العام لحزب الاستقلال ، وكأن قطار التاريخ لم يتحرك ... يذكر الزعيم علال أن جهات متعددة كانت تسعى للإيقاع بين الحزب وجلالة الملك ومن بين ما ذكر كانت « الصحف الفرنسية ومنها »لوموند« بدأت تكتب متسائلة: هل أن علال سيسير في ركاب الملك أم أنه سيفعل مثل صالح بن يوسف ويريد أن يحتفظ بالمسلحين لأغراض خاصة؟ وذلك نتيجة رفض الزعيم علال بوصفه رئيسا للمجلس الوطني للمقاومة بوضع السلاح ولو رمزيا في إحتفال تشهد عليه فرنسا ، كنهاية للكفاح المسلح في المنطقة ...ويقر الزعيم علال في حديثه عن تلك المرحلة بالقول « وقد أثر هذا فيما اعتقد إلى جانب وشوشات فرنسية في أوساط القصر الملكي فصار الهم الأول لمحمد الخامس رحمه الله ولولي العهد هو تجريد المقاومين من السلاح وإدخال جيش التحرير إلى ثكناته، وهنا تدخلت علاقات شخصية بين أحرضان واليوسي وبين السيد عبد الكريم الخطيب فصار الأخير الذي كان يمثل حزب الاستقلال بتطوان أمام الإقامة العامة الاسبانية بتعيين من قبلي ، المخاطب الصالح لولي العهد والوسيط في إقناع ضباط جيش التحرير فرادى وإغرائهم برتب عسكرية ووظائف مدنية عالية... وكانت المخابرات العربية في مصر تشجع السيد الخطيب وبعض رفقائه على إدخال جيش التحرير للجيش الملكي...والمخابرات المصرية فكانت لجهلها بالحقيقة المغربية تعتقد أن في إدخال عسكر التحرير للجيش الملكي إيجاد نواة لضباط أحرار يستطيعون أن يقوموا بما يطلب منهم. وكذلك أخذت تتصل مباشرة ببعض الشخصيات التي كان لها نفوذ في وسط المجاهدين» ومعروف خلافات عبد الناصر وعلال الفاسي في الفترة التي كان فيها الزعيم في مكتب القاهرة ، حيث كان الزعيم علال يرى أن موقع الجيش هو الثكنات ، وكان الضباط الأحرار طالبي حكم وسلطة ، فقادوا مصر إلى ما قادوها إليه مما لا نحتاج إلى توضيح وتفسير. ونستمر مع الزعيم علال في تحليله للوضعية المرتبطة بإندماج أفراد المقاومة في الجيش الملكي المحدث بقوله « فأما ولي العهد فكان همه طبعا أن تسلم الدولة من بقاء قوة مسلحة لا يدري ما يمكن أن تؤول إليه، وهو قصد مشروع لا يؤخذ عليه إلا أن فيه شكا في إخلاصنا نحن رجال الحزب ورجال المقاومة على الرغم من التعلق الذي أعربنا عنه في أحرج مواقف العرش المغربي وعلى الرغم من المغريات المربحة في عالم السياسة التي كان الفرنسيون يعرضونها لحل المشكل المغربي وتأخير عودة السلطان إلى أن تقرر الحكومة المغربية المستقلة عودته، لأنه لا تبقى إذ ذاك للفرنسيين عليه سلطة، ولا يكونون قد أرغموا على إطلاقه دون أن نقبل أو نرضى، ولكن هذا الشك جائز فيما كان الجاحظ يسميه بطبائع الملك.» هاهي بلادنا اليوم أمام فرصة لإصلاح أعطاب الماضي التي كلما استمرت في التاريخ ازدادت انحرافا ، وحجزت المستقبل بشكل يشكل تهديدا خطيرا لاستقرار البلاد ، إننا في حاجة إلى استعادة الروح الوطنية الإيجابية لبناء الغد بمشاركة الجميع دون إقصاء ...