من المغالطات المتولدة عن الجهل بقواعد الإسلام ومقاصده دعوة بعضِ الجهات اليوم إنعاشاً لدعوة مماثلة كانت بالأمس إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث. كأن الشارع الحكيم لم يعدل في توزيع أنصبة كل منهما، كما كان عادلاً في كل الأحكام الشرعية المتعلقة بالحياة الزوجية، والعلاقة بين المرأة والرجل، ونظام الأسرة، والحقوق والواجبات الخاصّة بكل من الطرفيْن والمشتركة بينهما، وكأنه حسب زعم هؤلاء المغالطين بخس المرأة حقّها، وحرمها نصيبها. والحق الذي يعترف به كل من درس حقوق المرأة في الإسلام ومكانتها في المجتمع، أنّ ديننا الحنيف لم يميّز بينها وبين الرّجل إلا ما كان من الخصائص الوظيفية لكلّ منهما. وأما ما عدَا ذلك فإنّ الرجل والمرأة صنوان في الشريعة الإسلامية لأن النساء شقائق الرجال في الأحكام، ولأن أيّ قانون أو شريعة في تاريخ الإنسانية لم يُكرم المرأة مثلما كرّمها الإسلام. والأدلّة على ذلك لاتكاد تحصر. على أنّ المغالطة المشار إليها آنفاً تتعارض كذلك مع قاعدة شرعية أصولية فحواها ألاّ اجتهاد مع ورودِ النصّ. والنّص المقصود في موضوع المغالطة إيّاها هو قول الله عز وجل (للذكر مثل حظ الأنثيين) [سورة النساء الآية 11]. فهذا نصه محكم قطعي لايجوز تقديم اجتهادٍ بشريّ عليه.. ورفعاً للالتباس الذي يعتري بعض الأذهان في فهم هذه الآية نورد ما قاله العالم عبد الحي عمور رئيس المجلس العلمي لفاس في كتابه «تجديد فقه المرأة بين الشرع والعقل» (ص 68): «واقع أن الفهم الصحيح لهذه الآية يستدعي فهم فلسفة الإسلام في الميراث، والمقاصد الربانية والحكم الشرعية التي أقرّت التفاوت في بعض مسائل الميراث، ولم تجعله قاعدة مطردة ولا موقفا عاما، وإنما هو في حالات خاصة ومحدودة اقتضتها فلسفة الإسلام في الميراث، إذ المرأة لاترث نصف ما يرثه الذكر دائما، باعتبار أن القرآن لم يقل: يوصيكم الله في الوارثين للذكر مثل حظ الأنثيين، وإنما جعل ذلك في حالات معينة هي حالة «الأولاد»، أما عندما كان التقعيد عاما للميراث فإن القرآن قد استخدم لفظا عاما هو لفظ «النصيب» لكل من الذكور والإناث على حد سواء (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا» [النساء الآية 7]. ويضيف عبد الحي عمور في الصفحة (69): «وهذا فضلا عن أن استقراء حالات ومسا ئل الميراث يكشف عن حقيقة يتبين معها إحصائيات أن أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل، بينما هناك حالات عشر أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، بل إن هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الرجال. ويحيل المؤلف القارئ على كتاب د. صلاح سلطان (ميراث المرأة وقضية المساواة) سلسلة التنوير الإسلامي القاهرة. الأوْلى أن يجتهد هؤلاء المغالطون في إصلاح أنفسهم والمجتمع من حولهم على نهجِ الشرع الإسلامي، حينذاك سيتبيّن لهم على أرض الواقع مدى المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة كما كفلها الإسلام، لا الصور الممسوخة من المساواة التي تدعو إليها حركات التحرّر من الأخلاق، والتعرّي من الحياء.