إذا تأملنا تأمُّلاً عاما الأدعية القرآنية وجدنا أنّها تنقسم إلى أقسام يتميز كل منها بمميزات، ويتصف بخصائص. ويمكن إجمالُ هذا التقسيم في ما يلي: 1) أدعية الرسل والأنبياء عليهم السلام: حيث اشتمل القرآن الكريم على نماذج نورانية منها، وعلى رأسها دعاء الرسول الأكرم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ثم دعاء بقية أولي العزم من الرسل: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ثم دعاء آدم وزكرياء وشعيب ويوسف ولوط وسليمان وأيوب عليهم الصلاة والسلام جميعاً. 2) أدعية الصالحين والصّالحات من عباد الله المؤمنين: كدعاء السيدة مريم، ودعاء أمها امرأة عمران، ودعاء آسية زوج فرعون. 3) دعاء المجاهدين 4) دعاء الصابرين 5)دعاء الحواريين. 6) دعاء الرّاسخين في العلم. 7) دعاء عباد الرحمان. 8) دعاء المتفكرين الذاكرين. 9) دعاء المستضعفين، 10) دعاء المشركين 11) دعاء اليهود. 12) دعاء الذين يدعون بهم بالغداة والعشي. وهذا التقسيم أو التصنيف يقتضي تحليل كل صنف من هذه الأدعية، وبيان مميزاته وخصائصه، وبعض دلالائه وأسراره وغاياته وثماره. لكننا لن نقتصر على دراسة هذه الأدعية، على اختلافها وتنوّعها ، بل سنتدبر كل المواضع التي ورد فيها ذكر لمعنى الدعاء وما يتعلق به، في القرآن الكريم. ويُنتظم ذلك في مجموعةٍ متكاملة من الآيات القرآنية الكريمة الموزّعة حسب ترتيب المصحف توزيعاً تربوياً حكيماً، والمشتملة على موضوعات وتوجيهات وإيضاحات تعليمية وتربوية لاغنى للإنسان عنها في حياته الخاصة والعامة، لأنها تكشف الحق في أمر الدعاء بالنسبة له، وتبين من خلال الإرشاد والتوجيه، كيف يكون الدعاء الصحيح، وكيف تجتنب الأسباب المبعدة عنه. ومن هذه الموضوعات الأساسية في فقه الدعاء القرآني: 1) الإرشاد الربّاني الى فضيلة الدعاء. 2) آداب الدعاء وشروطه. 3) أثر الدعاء في تقوية الإيمان وتحصيل الطمأنينة. 4) دور الافتقار والانكسار في حصول الإجابة. 5) البشارة بعد الدعاء. 6) التوكل مع الدعاء. 7) التوبة والدعاء 8) الدعاء وكشف الضر. 9) التضرع وقسوة القلب وعلاجها. 10) من أسماء الله الحسنى: النافع الضار. 11) دعاء المشركين: دعاء من لا يستجيب. 12) الإخلاص في الدعاء. 13) الرحمة الإلهية والدعاء . 14) الدعاء الكاذب. إنّ التأمل في هذه التوجيهات القرآنية لفقه الدعاء، يمنح المتأمل زاداً تربوياً هاماً، ومنهجاً ربّانيا واصلاً، يوضح له معاني الدعاء، وشروطه وآدابه، وعلاقاته بمقامات روحية، وحقائق إيمانية وآفاق نفسية، وأدوية نبوية روحية أرشد إليها الإسلام. وما من شك أن هذا الفقه القرآني لأسرار الدعاء يجعل من هذه العبادة أصْلا أصيلاً في حياة الإنسان، ومعراجاً روحياً في مسيرته التربوية، كما يفتح له أبوابا متجددة للفهم عن الله تعالى، وتدبّر المعاني السامية لأدعية خير البرية، وباقي الرسل الكرام، والصالحين من عباد الله، في القرآن. ومقابل ذلك، يجعل هذا التأمل أو التدبر المرء على بيّنة من الأسباب المبعِدة عن الدعاء المستجاب، سواء من خلال دراسة أدعية الشاردين عن منهج الله من المشركين وغيرهم، أو من خلال البحث في التوجيهات القرآنية بخصوص الدعاء بصفة عامة، والتي هي بالغة الأهمية. في تنوير القلوب والعقول ليكون الدعاء كما أراده الله عز وجل. وهذه محاولة للتدبر حسب ترتيب المصحف الكريم. قال الله عز وجل: «فتلقى آدام من ربه كلمات فتاب عليه، إنه هو التوّاب الرحيم» [سورة البقرة الآية 36]. هذه الآية الكريمة جاءت في سياق حديث القرآن عن عداوة الشيطان للإنسان، وبداية هذه العداوة عندما خلق الله آدم عليه السلام، وأسكنه جنته مع زوجه حواء ، ونهاه عن الأكل من الشجرة، وتجلت عداوة الشيطان، في البداية، في كيده لإخراج آدم وزوجه من الجنة، فوسوس لهما وأقسم لهما على أنه إنما يريد الخير لهما: «وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور. فلما أكلا من الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وناداهما ربهما ألم أنهكما من تلكما الشجرة وأقل لكما إنّ الشيطان لكما عدوّ مبين. قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين» [سورة الأعراف: 20 21]. لقد ظن آدم أنّ الشيطان لا يمكن أن يقسم على كذب، ووقعت المخالفة. وقال الله تعالى: «اهبطا منها جميعا فإما ياتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى» [طه: 120 121]. لكن لئن كان آدم قد أخطأ فإنه لم ييأس من رحمة الله الواسعة بل علمه الله سبحانه كيف يتوب إليه أي كيف يرجع بعد الوقوع في المخالفة، إلى رحمته مستغفراً منيباً. التوبة هي معنى هذا الرجوع والإنابة. وقال المفسرون إن الكلمات التي علمها الله تعالى لآدم فتاب عليه هي المذكورة في سورة الأعراف: «ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين» [الأعراف: 121]. إن الله الرحمان الرحيم هو الذي علم آدم التوبة، ومن خلاله كان هذا الدرس التربوي الخالد تتعلمه وتغترف منه قلوب التائبين في كل العصور. ومما يزيد هذا المعنى وضوحاً ذكر اسمين من الأسماء الإلهية الدالة على صفات الجمال وهما: التواب والرحيم. وكلاهما بصيغة المبالغة. وهذا يعني أنّ توبة الله على العباد ورحمته بهم لا نهاية ولا حدود لها، ما يفتح باب الأمل مشرعاً في وجوههم، ويقوّي عزمهم على تجديد التوبة الفورية كلما صدر منهم ذنب أو مخالفة. فالكلمات التي علمها الله عبده ونبيه آدم عليه السلام هي كلمات التوبة حسب بعض الفاسير . ومن تم فإن أوّل حديث القرآن حسب ترتيب المصحف عن الدعاء هو حديث عن التوبة في نفس الوقت نظراً للارتباط الجوهري بينهما.