السي الهمة : كان الخبر الذي شغل الناس أمس وأول أمس هو استقالتكم من مهامكم بحزب الأصالة والمعاصرة ، وأية مهام..إنها المهام التي أسس الحزب من أجلها وهي الانتخابات ، أن يستقيل فاعل سياسي من حزبه فهذا خبر يمكن أن يكون عاديا في زحمة الأخبار التي تعج بها الساحة ، لكن أن يستقيل « كفيل « الحزب ومؤسسه وراسم المستقبل له، فإن الأمر يعد زلزالا على درجة عالية في سلم ريشتر السياسي ، فأنت منذ أن ترجلت عن موقعك الدافئ في وزارة الداخلية ، وأنت تحاول إعادة تجربة « الفديك « التي ثبت أن مصيرها الفشل الذريع ، وسرعان ما كذبت نفسك بعد أن قلت قبلا ،إن إستقالتك من الداخلية ليس وراءها أجندة معينة ، فأثبتت الأيام أنك خرجت هائجا تريد السلطة من كل أطرافها ، والواقع أنك أعدت البلاد إلى منطق السكتة القلبية ، وعمدت إلى خلق مركز تجاري كبير للإتجار في الأفكار والمبادئ والأفراد ، وكنت مصرا منذ البداية على أن تظهر لأعلى هرم الدولة ، أنك قادر على ترويض الأحزاب والنخب والتجار والمستثمرين والمتشابهين ، باختصار الجميع ... ولتحقيق ذلك فتحت أحضان حزبك لكل أنواع الطيف من الانتهازيين والوصوليين وأصحاب المصالح ، حيث كان الحضن الدافئ والصدر الحنون واللسان الطويل في وجه من قرروا عدم لعب لعبة الصمت ، واليد الحادة كالسيف في وجه كل من تكلم أو واجه أو قال « لا حول ولاقوة إلا بالله « . السيد الهمة .. تمضي اليوم غير مأسوف عليك ، وسيذكرك التاريخ بأقسى العبارات ولن ينسى المغاربة أنك أحبطت ثورة هادئة كانت في طريقها إلى رسم ملامح دولة ديمقراطية عصرية ، اكتسبت في سنوات قليلة مكانة بين الأمم ، وسار الجميع يعتبرها نموذجا في المنطقة ، وأعدت المشروعية للأصوات التي كانت تستهدف كيان الدولة ونظامها السياسي ، حيث تعالت الأصوات وتجرأت على العديد من ثوابت هذه الأمة ، لا لشيء سوى لربطها بكم عندما كنتم تصرون على قصف الناس بصوركم مع الملك وكلام حوارييكم في المدن والقرى وقمم الجبال عن حزب الملك ومرشحي سيدنا ...فكان الجميع يضرب كفا بكف متسائلا عن مصدر الجرأة التي تملك ويصرفها أتباعك ، للدفع باسم الملك في معارك السياسة والانتخابات ، وكيف يمكن أن يكون معارضو الهمة وحزبه بقدرة قادر معارضين للملك في نفس الوقت ؟ . لقد تحملنا بكل وطنية وبكل ثبات وبصبر كبير كما تحمل غيرنا ، كل التفاهات التي جاء بها حزبكم ، وكل قلة الحياء التي أمطرنا بها من قطر بهم سقف السياسة على حين غفلة من المغاربة ، وكل الممارسات الدنيئة لمتخلفي السياسة والحالمين بالسلطة والمجد ، والذين لا يتورعون في شتم أسيادهم ممن لهم تاريخ ووطنية وبصمات مجيدة على هذا الوطن ..واكتشف المغاربة من تخاذل وتاجر وتآمر مع حزبكم وأكل مبادئه وقيمه في سبيل المناصب والمواقع والمسؤوليات وما وعدوا بها في المستقبل...، لقد كنا نتساءل عن حدود المواجهة مع هذا الكائن الذي إسمه « البام « ، والذي يصر كل صباح على السير خطوات على درب ديكتاتورية الحزب الواحد ، تساءلنا كيف تتحول الدولة وموارد الدولة ومؤسسات الدولة في خدمة حزب يقال إنه في المعارضة ، وكيف يزحف الناس من الانتهازيين والوصوليين زرافات زرافات للانخراط في حزب معارض ويتركون حزبا أوأحزابا في الحكومة ، بأي منطق يمكن أن نقبل ذلك سوى أن لعبة خطيرة كانت في طور التهييء ولعل أحداث العيون أوضحت أن حزبكم بلا حدود وبلا حواجز وبلا وطنية وبلا منطق يؤطر عمله اللهم طموحه الجامح أفرادا ومجموعات لاكتساح كل شيء ، والتصرف الطفولي بالرغبة في انتزاع المجالس والأغلبيات والبرلمانيين والمناضلين من باقي الأحزاب ، والإصرار المستمر والسخيف والمثير للغثيان على جعل حقيقة كونه أقلية تتحول إلى أغلبية ، حدث ذلك في طنجة ، فاس ، مراكش ، العيون ، الرباط ، الحسيمة ، الدارالبيضاء ، مكناس ...وقس على ذلك ، الخلاصة أن حزبكم دفع بلادنا إلى عدم إستقرار حقيقي ، وأدخلنا إلى مرحلة الشك بعد أن إستقر اليقين في نفوس الجميع . السي الهمة : كان لكم موقع ودور ، وكان المغاربة مستعدين أن يتابعوا نشاطك كوزير أو كاتب دولة أو مستشار ، فقد تعود المغاربة بعد الاستقلال أن يكون للمخزن رجال يمثلونه في مواقع معينة ، ودرس التاريخ يحدثنا أنه متى أراد هؤلاء أن يلعبوا لحسابهم الخاص بنفس إمكانيات رجل المخزن ونفوذه فإنهم كانوا يجدون مقاومة صارمة ، وعندما دفنا إدريس البصري اعتقدنا أن دورة داخل المخزن قد اكتملت وأن السياق السياسي الوطني لم يعد يسمح أو يسعف بإنجاب رجال على شاكلته فبالأحرى تفريخ رجال على شاكلة رضى أكديرة ... المهم اليوم ليس أن تنسحب كشخص ، ما ينتظره المغاربة هو أن تنسحب الفكرة ، وأن يُغلق ملف حزبكم بصفة نهائية ، ويُترك للمغاربة فسحة من زمن في وقت تتسارع فيه الأحداث بمتوالية هندسية ، لتطهير البلاد من ذكراكم غير المأسوف عليها شبر شبر دار دار زنقة زنقة مع الإعتذار للشعب الليبي على إستعارت هذه العبارات من خطاب ديكتاتورهم ، وأن تُعاد للبلاد الثقة في نفسها وأن تلملم جراحها وتمضي بثبات لبناء المستقبل بالكثير من الأمل والحزم حتى لا يتكرر ما جرى . [email protected]