بتعيينه لمحمد ياسين المنصوري (42 سنة) مديرا للإدارة العامة للدراسات والمستندات المعروفة اختصارا ب(D.G.E.D)، يكون الملك محمد السادس قد أكمل قبضته على مختلف الأجهزة الاستخباراتية الداخلية منها والخارجية ،والتي يصل عددها في المغرب إلى ستة،أجهزة رئيسية هي: الإدارة العامة للدراسات والمستنداتD.G.E.D وهي مخابرات خارجية عسكرية مرتبطة بالسلك الدبلوماسي المغربي ومهمتها مكافحة التجسس وحماية النظام وامتلاك المعلومات سواء التي تهم المغرب أو تلك التي تهم الدول الأخرى لمقايضتها عند الحاجة، مديرية حماية التراب الوطني D.S.T وتختص بحماية أمن الدولة الداخلي وأصبحت تضطلع بدور بالغ بعد الأحداث الإرهابية التي عرفها كل من المغرب واسبانيا وغيرهما من البلدان وهي مخابرات داخلية مرتبطة بالإدارة العامة للأمن الوطني ، المكتب الخامس يختص بمكافحة اختراق الجيش وهو جهاز عسكري، المكتب الثاني مختص بعزل الجيش عن الحياة المدنية والصراع السياسي وهو أيضا جهاز عسكري،الاستعلامات العامة R.G وهي تابعة للإدارة العامة للأمن الوطني، مديرية الشؤون العامة وتهتم بجمع المعلومات عن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية في المدن والبوادي ورفع تقارير مفصلة للأجهزة المركزية، ويتكون هذا الجهاز من عدد كبير من المخبرين الرسميين والسريين على رأسهم الولاة والعمال وهو تابع لوزارة الداخلية ،ثم المكتب الأمني التابع للدرك الملكي المؤسسة الوحيدة في المملكة التي تتحكم في مخازن السلاح والتي تراقب وتواكب كل التحركات التي يقوم بها الجيش داخل المملكة وذلك منذ المحاولة الانقلابية لعام1971 . وبذلك بات الملك يتحكم عبر رجال ثقته في المعلومة الإستراتيجية والقدرة على التوقع، غير أن هذا التعيين أثار الكثير من الأسئلة عن توقيته وطبيعة القادم الجديد لهذا الجهاز، وطبيعة الحسابات من وراء هذا التعيين . عاشت الساحة الإعلامية والسياسية الوطنية طيلة الأسابيع الماضية على وقع التعيينات والإقالات التي أقدم عليها الملك محمد السادس لقادة بارزين في الجيش وأجهزة المخابرات،هذه التغييرات لا يمكن فهمها خارج سياق التعيين السابق لمدني على رأس جهاز المخابرات العسكريةD.G.E.D ،الذي أنشأه الملك الراحل الحسن الثاني عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قادها الجنرال محمد أوفقير في غشت 1972 فيما عرف بانقلاب الطائرة، حيث تم اعتراض طائرة البوينغ الملكية في رحلة عودتها من فرنسا من طرف مقاتلات ف5الأمريكية، غير أن ربان الطائرة الملكية استطاع أن يحط بسلام بمطار الرباطسلا بمحرك واحد وتنكشف مؤامرة أوفقير الذي مات بعد ذلك في ظروف غامضة..وقد تولى قيادة هذا الجهاز منذ نشأته الجنرال أحمد الدليمي وذلك إلى حدود سنة 1983 سنة مقتل الدليمي في حادثة سير قيل عنها الكثير بمراكش على وقع شائعات بتهيئه لمحاولة انقلابية، ليتولى بعد ذلك الجنرال عبد الحفيظ القادري رئاسة الجهاز لما يقرب من18سنة ليخلفه بعد ذلك الجنرال الحريشي إلى حين إعفائه وتعيين ياسين المنصوري بدلا عنه، عاش فيها الجهاز تفاصيل الصراع مع الجزائر و جبهة البوليساريو و معارضي نظام الراحل الحسن الثاني، غير أن إدريس البصري رجل الحسن الثاني القوي كان حاجزا متينا أمام تحركات الجهاز، وهذا ربما ما جعل المعارضة السابقة في منتصف التسعينات من القرن الماضي إبان مشاورات المشاركة في الحكم مع الحسن الثاني تتشبث بإقالة البصري، وتم في نفس الوقت ذكر اسم الجنرال عبد الحفيظ القادري كوزير للداخلية كمرحلة انتقالية. من هو محمد ياسين المنصوري؟ يعتبر المنصوري أحد رجال ثقة الملك محمد السادس، وهو أحد زملائه في المدرسة المولوية إلى جانب آخرين ممن يعرفون بجماعة الكوليج رويال، حاصل على دبلوم الدراسات العليا في القانون العام من جامعة محمد الخامس بالرباط وقد التحق بديوان وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري وساهم في الإشراف على آخر انتخابات تشريعية على عهد الراحل الحسن الثاني والتي ستحمل المعارضة إلى ما سمي عام 1998بحكومة التناوب التوافقي بتعيين عبد الرحمان يوسفي وزيرا أول، مرور ياسين المنصوري بوزارة الداخلية لم يخلو من توتر، حيث تفيد مصادر مطلعة أن البصري أودعه على الهامش حتى اقتصر دوره على احتساء القهوة وقراءة الجرائد في مكتبه، وهذا كان جزءا من توجس إدريس البصري من زملاء ولي العهد آنذاك الملك محمد السادس، وسيحمل وصول هذا الأخير إلى العرش بوادر مسار جديد في حياة المنصوري حيث سيتم تعيينه سنة 1999 على رأس واحدة من قلاع الوزير القوي في عهد الحسن الثاني إدريس البصري وكالة المغرب العربي للأنباء، ولن تنتهي السنة حتى يتم عزل البصري في أعقاب الأحداث الدامية التي عرفتها مدينة العيون، وهو ما اعتبر إعلانا رسميا عن موت مرحلة الحسن الثاني لتتوالى التغييرات الواحدة بعد الأخرى وتشمل جهاز المخابرات الداخلية الدي إي ستيD.S.T التي سينصب على رأسها الجنرال حميدو العنيكري الذي نجح في ظرف وجيز في إعادة هيكلتها معلنا عن نفسه كرقم أساسي في المعادلة الأمنية بالبلاد ، بل إن الأحداث الإرهابية التي عرفها كل من المغرب وأسبانيا جعلت الرجل المتحكم الأساسي في المعلومة والخبير الدولي بشؤون الإرهاب بدءا من تفكيك الخلية الإرهابية النائمة التي كانت تستهدف تفجير السفن العابرة من مضيق جبل طارق، وانتهاء بحملة الاعتقالات التي عرفها المغرب عقب تفجيرات 16ماي الإرهابية والتي عرفت تجاوزات أقرها الملك في حواره مع إلباييس الإسبانية وكانت حديث الإعلاميين والمعتقلين والحقوقيين كنقطة سوداء لا زالت تداعياتها مطروحة إلى اليوم خاصة المعتقل السري بتمارة الذي كان موضوعا لفكرة تشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق ، ليتم تعويض العنيكري برجل ثقته أحمد حراري وينتقل هو إلى الإدارة العامة للأمن الوطني وذلك بتوافق كلي مع الرجل القوي في محيط الملك محمد السادس فؤاد عالي الهمة كاتب الدولة في الداخلية آنذاك والوزير الفعلي لها والمهندس لمرحلة ما بعد ادريس البصري، إلى أن انطلق موسم الحمية الإجبارية التي فرضت على الجنرال العنيكري ، بداية من إقالة رجل ثقته أحمد حراري وتعيين عبد اللطيف حموشي بدلا عنه بتاريخ 15 دجنبر2005 ووصولا إلى إقالته شخصيا من منصب المدير العام للأمن الوطني على خلفية تداعيات تجارة المخدرات والتهريب بالشمال والاشتباه في إيزو مدير أمن القصور الملكية المقرب من العنيكري والذي تم إعتقاله بسجن عكاشة بالدار البيضاء.