يبدو أن ثورة الياسمين تسببت في إحراج كبير بين باريس و روما قد يتطور في الأيام أو الشهور القادمة إلى أزمة سياسية. فلا تكاد تخلو صحيفة أو مجلة أو نشرة أخبار في إيطاليا من الحديث عن استمرار وصول مراكب الهجرة السرية للسواحل الإيطالية قادمة من تونس. و منذ دخول تونس في حالة من الانفلات الأمني بسبب سقوط بن علي و عدد الحالمين بعبور المتوسط يتزايد بشكل أصبح يقلق بال الحكومتين، حيث تشهد جزيرة لامبيدوزا الساحرة بجمالها منذ بداية العام وصول كثيف لمراكب الهجرة السرية حملت معها أكثر من اثنين وعشرين ألف شخص )حسب المصالح الإدارية( أغلبهم من تونس علاوة على مئات المصريين والليبيين والصوماليين والارتريين. و مع تدفق المهاجرين على الجزيرة السياحية الصغيرة التي تبعد نحو 250 كلم عن السواحل التونسية بشكل شبه يومي، و تجاوز أعدادهم السكان الأصليين، سارعت حكومة برلسكوني إلى حث أعضاء الإتحاد الأوروبي لاسيما جارتها فرنسا إلى تقاسم المهاجرين تماشيا مع مبدأ التضامن بين دول الإتحاد. لكن باريس كان لها رأي آخر، فقد قامت في الأيام الأخيرة بإرجاع كل المهاجرين السريين القادمين من إيطاليا مبررة ذلك بانعدام وجود قواعد أوروبية تنص على استقبال مهاجرين غير شرعيين. رد فعل روما لم يتأخر مقابل حياد الإتحاد الأوروبي و رفض باريس، حيث أصدرت رخص إقامة سمتها بالإنسانية للمهاجرين التونسيين فقط الذين وصلوا مؤخرا إلى أراضيها، تسمح لهم بالسفر دون عوائق حدودية في دول منطقة شينغن الأوروبية. لكن حكومة ساركوزي أكدت عدم استعدادها لقبول أفواج جديدة من المهاجرين حتى و لو كانوا شرعيين، إذ فرضت شروط تعجيزية لكل من يريد دخول أراضيها، بالإضافة إلى حصولهم على تصاريح إقامة تشمل جواز سفر ساري المفعول تعترف به فرنسا واثبات امتلاك موارد مالية كافية، وهو ما اعتبره وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني في تصريح لصحيفة لا ريبوبليكا مؤخرا انتهاكا سافرا لأحد مبادئ الإتحاد الخاصة بحرية السفر في دول الإتحاد الموقعة على معاهدة شنغن. ويقول مراقبون إن معظم المهاجرين التونسيين الذين يصلون إيطاليا يطمحون إلى بلوغ فرنسا حيث تعيش جالية تونسية كبيرة وهذا ما يؤكده توافد عدد كبير على مدينة فينتيميليا آخر مدينة إيطالية واقعة قبل الحدود التي تفصل بين البلدين لعبور الحدود نحو المدن الفرنسية. وكانت باريس قد قررت تعليق جميع رحلات القطار القادمة من مدينة فينتيميليا الساحلية، و المتوجهة نحو نيس، سعيا منها لمنع المهاجرين من الدخول إلى أراضيها. و أيدت المفوضية الأوروبية الموقف الفرنسي, و اعتبرت هذا الإجراء لا ينتهك قواعد الاتحاد الأوروبي .