لم يكترث المسؤولون في السلطات المحلية والإقليمية ولا المركزية لحالة الهيجان التي تعيشها مدينة العرائش، بسبب التوتر الكبير الذي يسود الأوساط البحرية، وإذا ما قلنا إن الحياة توقفت بالميناء وأن البحر لم يعد يجود على المدينة بخيراته، فإننا نقول إن حركة الحياة بالمدينة مهددة بالتوقف، باعتبار أن أهم قطاع اقتصادي واجتماعي في هذه المدينة هو قطاع الصيد بدون أي منازع. الآن، جر البحارة حبل الناقوس بقوة شديدة جدا، آملين أن تكون دقة الجرس قادرة هذه المرة على إثارة انتباه الرأي العام والمسؤولين، وقرروا الدخول في إضراب مفتوح عن العمل مرفوقا بخوض اعتصام أمام الميناء ليس للمطالبة بحقوقهم المشروعة بل أيضا لفضح حجم الفساد الخطير جدا الذي يعشش في أعماق البحر والميناء على حد سواء، أبطاله أشخاص يبدعون في فنون ومظاهر التحايل والنصب والكذب، وما كان لهؤلاء أن يحققوا أهدافهم ويبسطوا نفوذهم المطلق لولا قوة التواطؤات التي حمتهم وصانتهم، ومواقع هذه التواطؤات أضحت معروفة لدى القاصي والداني. هذه المرة قرر البحارة أن يرفعوا أصواتهم، ولا تبدو التهديدات التي تلقوها قادرة على تخويفهم أو إقناعهم بالرجوع إلى الوراء، والدليل أن إضرابهم وصلت مدته إلى غاية اليوم أسبوعين كاملين، ورغم قساوة الظروف المناخية ورغم حجم التهديدات فإن حركتهم الاحتجاجية متواصلة بكل نضج ومسؤولية . ماذا يطلب البحارة؟ سؤال كبير ومهم، لعل الإحاطة ببعض تفاصيله قد تنجح في تسليط بعض الأضواء الكاشفة عن حجم الفساد الذي ينخر جسد القطاع البحري بالمدينة، ومهم أن يسجل المراقب في هذا الصدد أن مطالب البحارة لا تقتصر على البحارة أنفسهم بل إن المطالب المطروحة تهم تطهير قطاع الصيد من الفساد والفاسدين وإنعاشه بما يخدم المصالح العامة. فالقطاع يشغل أكثر من 4000 بحار يعيلون أكثر من 15 ألف من السكان مباشرة وعشرات الآلاف بطريقة غير مباشرة، لكن عائدات الصيد لا يستفيد منها البحارة ولا القطاع البحري ولا المدينة ، بقدر ما تستفيد منها ثلة من المحظوظين المستفيدين من الأوضاع الحالية، وهنا تطرح الأسئلة الحارقة جدا عن الأدوار التي كان يجب أن تقوم بها السلطات المحلية والإقليمية والسلطة الوصية على القطاع البحري. البحارة المحتجون والمضربون يقولون إنهم فقدوا الثقة في المسؤولين المحليين والإقليميين فقد جربوهم غير ما مرة لكن اتضح أن هدف هؤلاء المسؤولين كان دائما وباستمرار تهدئة الخواطر وتخفيف الضغط وإقناع البحارة بالعودة إلى العمل، وينصرف كل إلى حال سبيله وتعود مظاهر الفساد إلى مواقعها سالمة، وهم اليوم يطالبون بضمانات حقيقية وتلبية فعلية لمطالبهم المشروعة. فهم يطالبون مثلا بأن تكون سمسرة بيع المنتوج السمكي عامة. والذي يحدث أن بعض الأشخاص المعروفين وفي إطار تواطؤ مكشوف يحرصون على أن تكون السمسرة سرية وغالبا ما يكون ثمن البيع معروفا قبل تنظيم السمسرة ويكون المستفيد من السمسرة معروفا قبل تنظيمها أيضا في إطار توزيع دقيق للأدوار. وهم يطالبون بتشديد المراقبة على جميع مداخل الميناء حيث يلاحظ أن إحدى الأبواب الصغيرة توجد بها مراقبة بيد أن بابا كبيرة رئيسية تغيب فيها هذه المراقبة لفسح المجال أمام تهريب المنتوج. البحارة يطالبون بإجبار الجميع على التصريح بالكمية الكاملة من الصيد، وهنا أيضا تقع تواطؤات خطيرة جدا لكي لا يتم التصريح بالكمية الكاملة المصطادة، إنها سوق سوداء خطيرة وفتاكة تلتهم فيها البطون الكبيرة مصالح البحارة ومصالح المدينة والوطن. وهم يطالبون أيضا بضرورة وجود مندوب عن البحارة داخل كل مركب مع توفير الحماية اللازمة له، وهذه قصة أخرى حيث يتعمد البعض بيع المنتوج البحري في عرض المياه أو تهريب جزء منه عبر بواخر ومراكب أخرى. كما يطالب البحارة المحتجون بمطالب خاصة بهم تندرج في صلب المطالب المشروعة، فلنتصور أن الغالبية العظمى منهم غير مصرح بهم، يشتغلون في ظروف خطيرة جدا، مهددين في أية لحظة بالموت المحقق، ولنسأل هذا الشاطئ الممتد على طول العرائش كم من الأرواح والأجساد ابتلعها ، فلا تسجيل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ولا تأمين صحي ولا تأمين ضد المخاطر، والله أعلم وحده كيف تتحمل سواعد البحر، كل هذا الظلم، ويقولون إن في العرائش عمالة على رأسها عامل ومفتشية شغل وقضاء وقوانين. إن البحارة يطالبون بأن يستفيدوا من عطلة أسبوعية تصل إلى يومين، وهذا طبيعي لأنهم يشتغلون أكثر من 15 ساعة في اليوم، والمنطق والقانون يقول إنه يجب أن يكون الأجر حسب ساعات العمل وإما أنه يجب أن يعوض ذلك بعطلة، كما يلحون في المطالبة بالاستفادة من السكن الاجتماعي، ومن إعادة النظر في تقسيم الحصص وغير ذلك كثير. المثير حقا أن السلطات الإقليمية وعلى رأسها السيد العامل يعترف بمشروعية هذه المطالب، لكنها تطالبهم بفك الاعتصام قبل النظر في تلبية المطالب، المشكل الأكبر أن أكثر من 2000 بحار المضربين لا يثقون في الوعود ويطالبون بالضمانات ، السلطات الإقليمية تقول لا ضمانات لها غير أنها ستكون مضطرة للتدخل بعنف لفك الاعتصام، مهددة بذلك إعادة سيناريو سيدي إيفني وخريبكة. وهنا يكمن الخطر. لذلك بات أكثر من ملح أن تتدخل السلطات المركزية لوضع الأمور في نصابها من خلال فتح حوار جدي ومسؤول مع ممثلي البحارة والاستجابة لمطالبهم العادلة جدا. وهذه مسؤولية السلطات المركزية ونقولها بوضوح كامل لأن السلطات المحلية قد تكون على علاقة بالأسباب التي أدت إلى ما أدت إليه.