الكلام عن الديمقراطية باعتبارها «حكم الشعب» يجب أن لايخفي حقيقة كون النظام الديمقراطي نظاما إقصائيا منذ شأنه في المدينة الدولة أثينا حيث منع حق «المواطنة» عن العبيد والنساء والأقليات الأجنبية. وإذا كان العبيد قد تحرروا بفعل قوانين تحرم الرق وتجرمه، وأصبح بإمكان الأجانب الحصول على حق الجنسية بعد مدة إقامة معينة، فإن وضع النساء بالرغم من كل الجهد المبذول من أجل تمكينهن من حقهن في «المواطنة الكاملة» لازالت تواجهه عقبات سوسيو ثقافية وغياب إرادة سياسية. في المغرب ومنذ تولي جلالة الملك محمد السادس، أنجز من المكاسب للمرأة خلال سنوات حكمه القليلة ما تجاوز سقف المطالب النسائية: قانون الأسرة ، قانون الجنسية، القوانين الهادفة الى تمكين المرأة من مراكز القرار السياسي من خلال اللائحة الوطنية، اللائحة الاقليمية، التعيين في الوظائف السياسية.... وإذا كان ذلك قد شكل «ثورة هادئة» هادفة لتحقيق الإنصاف لنصف ساكنة المغرب، في نظر الكثيرين، ففي نظري الشخصي، أعتبر أن أهم ثورة هي إدماج المرأة في حقلين ظلا ذكوريين بامتياز، بالرغم من ممانعة بعض المحافظين باسم الدين وهم: سلك القضاء، وكذا الحقل الديني، حيث نصب جلالته امرأة في المجلس العلمي الأعلى، وهو أعلى هيئة دينية يرأسها جلالته، وله اختصاصات تدخل في مهامه باعتباره «أمير المؤمنين» ومن ضمنها الإفتاء. ثم المجالس العلمية الجهوية، وفي عهده اعتلت المرأة منبر الدروس الدينية الحسنية لتبدي رأيها كفقيهة عالمة، مما مكن المغاربة من اكتشاف وجه للمرأة المسلمة حجبته «عصور من الجاهلية، رافقت الاستبداد الفكري والسياسي» كما يرى الفقيه العالم علال الفاسي في كتابه «النقد الذاتي». فانطلاقا من الدينامية السياسية التي أطلقها صاحب الجلالة، والهادفة إلى الإنصاف والعدل، من خلال استكمال بناء دولة الحق والقانون، وانسجاما مع ما جاء في الدستور من إقرار المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، مما يتفق وما جاء في القرآن الكريم باعتباره القانون الأسمى في الشريعة الاسلامية، حيث قال عز وجل «يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلنا كم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم» صدق الله العظيم. والتقوى درجة في الإيمان، لا علاقة لها بالجنس، أو اللون أو الوضع الاقتصادي أو غير ذلك، وقال تعالى «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف». صدق رب العالمين. إنطلاقا من تلك الدينامية وهذه الروح، كنت أتمنى أن تكون المراجعة والمناقشة لروح الدستور وفصوله شاملة ودون انتقاء، وبجرأة فكرية، وبعيدا عن الحسابات الضيقة، نظرا لضيق أفقها، أو قصورها الفكري، فاللحظة تاريخية بكل المقاييس، ويجب ونحن نشرع أن نستشرف المستقبل: مستقبل الأبناء والأحفاد في مجتمع منفتح باستمرار وبشكل كبير، ومتطور بوتيرة جد سريعة، إلا أن أملي كامرأة مغربية قد خاب أمام الصمت المطبق عن محتوى الفصل 20 من الدستور الذي يقول: «إن عرش المغرب وحقوقه الدستورية تنتقل بالوراثة إلى الولد الذكر الأكبر سنا...» وبالتالي يعتبر الملك شأنا ذكوريا بامتياز.. في حين أنه لا يوجد في الشرع وفي القانون ما يمنع ذلك للاعتبارات التالية: 1 إذا كان القرآن هو القانون الأسمى، لسمو مصدره وهو الله عز وجل، فإن هذا القانون الإلاهي لا يوجد فيه نص قطعي، يمنع ذلك، فإذا كانت من مهام «إمارة المؤمنين»، حسب أغلب المدارس الفقهية «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، فقد جاء في القرآن قوله تعالى: «المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» صدق الله العظيم. 2 أن النسب الشريف هو من جهة الأم: فاطمة الزهراء رضي الله عنها، فالعلويون هم أسباط النبي صلى الله عليه وسلم. وفي ذلك تكريم للنساء. 3 أن ذلك يتناقض والفصل الثامن من الدستور. الذي يقر: «الرجل والمرأة متساويان في التمتع بالحقوق السياسية». 3- أنه منسجم مع روح المجتمع الديمقراطي الحداثي الذي تعاقد عليه الملك والشعب، والقائم على العدل والانصاف وفي جوهره المساواة. 4- أن الملك وظيفة ثقافية لا طبيعية، بمعنى أنه نتاج تطبع وليس طبعاً، وبالتالي فمن يستطيع أن يربي ويؤهل ملكاً، يمكنه تماماً أن يربي ويؤهل ملكة، اللهم إذا كان هناك من يرى أن «الخصائص الجينية الوراثية» لدى الإناث لاتؤهلهن لذلك! وخلاصة القوى إن السكوت عن الجدل في هذا الفصل دون غيره، مع العلم أن الكثيرين قد اعتبروا أنفسهم «رافعين لكل الطابوهات»! يدل على «الشزوفرينيا» التي تصيب بعض السياسيين، والحقوقيين حينما يتم الحديث عن حقوق النساء. ولذلك ستظل «المسألة النسائية» كما يحلو للبعض تسمية إشكالية المساواة في الحقوق والواجبات الامتحان الحقيقي للديمقراطية والديمقراطيين بالمغرب.