شكلت الندوة التي دعا إليها المكتب الجهوي لحزب الاستقلال بجهة الرباطسلا زمور زعير ، محطة نوعية للنقاش العمومي حول الإصلاح الدستوري و السياسي ببلادنا إثر الخطاب الملكي التاريخي لتاسع مارس ، بإسهام قوي من طرف فاعلين سياسيين وازنين يمثلون مختلف الحساسيات السياسية الأكثر تأثيرا في الطيف السياسي المغربي بمختلف تنويعاته . الندوة أدارها باقتدار الزميل عبد العزيز كوكاس و كانت مناسبة سانحة لتداول جملة من القضايا و الإشكالات الحارقة حول طبيعة الإصلاح الدستوري المرتقب في ظل الدينامية السياسية المغربية ، اشترك في إثارتها الحضور الغفير الذي حج لهذا اللقاء الذي احتضنته إحدى قاعات الرباط عشية فاتح أبريل الجاري . ******************* سعيد بوجودي في ضيافة حزب عريق أعزه، وهو حزب الاستقلال، صحبة هذه الثلة من الإخوة الذين لم يدعوا لي الكثير لإثارته، ولكنني سأحاول التحدث بعجالة عن سياق الإصلاح الدستوري، وأوجز الأمر في جملتين، المغرب الإسلامي له 1200 سنة كدولة، والحياة الدستورية بمفهومها العصري لم تتجاوز الخمسة عقود، في دساتير لم تكن كلها عصرية ولم تكن كلها تخضع للمقاييس الكونية للدساتير، والتي جاءت تجربتها خارج قارتنا، وهي التجربة التي مرت في قرون، ويلزمها عندنا الوقت الكثير لإنضاجها. الدساتير إما نتجت عن ثورات في أغلبها، وعندما تهدأ الأمور تتم المراجعات بكثير من التوافق، والمغرب في الواقع لم تكن لديه دساتير ممنوحة بل كانت لديه دساتير مشروطة إلى حد ما، وقد دخلنا عصر التوافق مع بداية عقد التسعينات بمبادرة من الملك الحسن الثاني، الذي طلب من أحزاب المعارضة آنذاك قبل تكوين الكتلة الديمقراطية كي تقدم إليه اقتراحات في الأشياء التي ينبغي مراجعتها في الدستور. وفعلا قدمت المذكرة المشتركة لحزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، ثم قدمت مذكرة حزب التقدم والاشتراكية، وفي صياغة المذكرتين كان هناك تنسيق ما بين الأحزاب الثلاث. بعض الأمور أخذت بعين الإعتبار ودخلنا تجربة التصويت على دستور 96 بناء على أن هذه البلاد تهددها السكتة القلبية وأننا سوف ندخل حياة سياسية مطمئنة إلى حد ما. فمررنا من التصادم مع بداية الستينات إلى مرحلة التعايش ما بين السبعينات والتسعينات بمساهمة مؤسسة البرلمان بالنسبة للأحزاب الديمقراطية، إلى دستور أخذ بعين الاعتبار بعض الأشياء المطالب بها. الآن نحن نمضي في تراكم بدأناه مع حكومة الأستاذ عبدالرحمن اليوسفي، وهو التراكم الذي حدث داخل المجتمع كذلك، وأبرز دستور 96 عن محدوديته. ويظهر لي أن الرفيق الساسي تحدث بإسهاب عن هذه المحدودية والعيوب الموجودة في الدستور الحالي، والكتلة الديمقراطية في ميثاقها كانت واعية بهذا الأمر، وكان لديها نفس المطالب التي نناقشها اليوم في إطار المراجعة الحالية للدستور، فجوهرها وروح ماهو موجود في ميثاق الكتلة هو ما يؤطر الاقتراحات التي قدمتها أحزاب الصف الوطني الديمقراطي أمام اللجنة. الآن ماهو مطروح على المغرب، هو بناء دولة ديمقراطية بالمقاييس الكونية، ليس هناك أقل من هذا المطلب بالنسبة إلينا في مغرب اليوم. طبعا مع مراعاة تاريخ بلادنا وثقافتها وتنوعها وتراكمها، مامعنى هذا؟ معناه أن السلطة منبعها الشعب، ليست هناك ديمقراطية دون سلطة الشعب، لأن الكلمة في مصطلحها الإغريقي هي حكم الشعب، وحكم هذا الأخير لا يمكن أن يكون إلا معبرا عن إرادته بالتصويت ومن خلال ممثليه. الفكرة الثانية التي أعتبرها أساسية هي أن الدستور باعتباره قانونا أسمى يعتبر فوق كل السلط الموجودة في البلاد. وكل السلط الموجودة تحترمه وتعمل تحت بنوده ومقتضياته. ثم إن المعايير الدولية تضم منظومة للحريات، حريات سياسية ومدنية وحريات في المجال الاقتصادي و في المجال الاجتماعي والثقافي، والحريات الجديدة. أي الجيل الجديد الذي له علاقة بالتضامن وبالتآزر وبالتنمية المتنوعة، والحكم المحلي والجهوي، وهي أشياء جميعها يجب توفرها في منظومة دستورية بالمعايير الدولية الديمقراطية. ثم ان فصل السلط. يعني أن كل سلطة محدد مجالها، وليس معناه أن السلط تدير ظهرها بعضها لبعض، ولكن تتعامل فيما بينها. بمعنى أن مجال القانون هو مجال البرلمان، وهذا الأخير الحظوة فيه لمجلس النواب لأنه منتخب بالاقتراع العام، والغرفة الثانية تمثل أساسا الجهات والحكم المحلي وهو نوع آخر من تعابير المغرب العميق، المغرب اللامركزي الذي يجب أيضا أن يكون له دوره في السياسات العمومية، سواء في إقرارها أو في مراقبتها. معنى هذا أنه ليس هناك مجال لايدخل في اختصاص المراقبة الشعبية من خلال البرلمان، سواء في مجال الأمن أو الدفاع الوطني أو الاقتصاد أو الحريات أو التجارة، كل ذلك يدخل في اختصاصات البرلمان. أما السلطة التنفيذية ففي يد الحكومة ورئيسها. بمعنى أن الحكومة المنبثقة من البرلمان، والذي بدوره ينبثق من الشعب، لديها السلطة التنفيذية لتنفيذ السياسات التي التزمت بها أمام الشعب. أعتقد أن الأمور بهذا الهرم واضحة، طبعا ما مكان المؤسسة الملكية؟ المؤسسة الملكية لديها دور تاريخي يجب أن يحدده الدستور تفاديا لأي تأويل، فنحن لانريد لاولاية الفقيه ولانظاما يخضع فيه الشأن الأهلي لأطراف غير نابعة من صناديق الاقتراع. الملك هو رئيس الدولة. وكل رئيس دولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، لأنه يضطلع بمهمة الدفاع عن حوزة الوطن ويمثل الدولة في المعاهدات الدولية وأمام الخارج. ولديه جميع السلط الموجودة للرؤساء في كل الدول الديمقراطية. حتى في إيطاليا التي ينتخب فيها رئيس الجمهورية من طرف البرلمان، لديه السلط الموجودة بما فيها حل البرلمان وتسمية أعضاء الحكومة وأشياء من مثل هذا القبيل. وماعدا هذه السلط اللصيقة برئيس الدولة، فكل السلط الأخرى لايمكن أن يباشرها الملك دون إمضاء بالعطف من طرف الوزير الأول. فيما يتعلق بعلاقة الحكومة بمجلس الوزراء. مجلس الحكومة يناقش ويحدد كل الاقتراحات وكل التسميات لأن الوزير الأول هو رئيس الإدارة ورئيس القطاع العام والمؤسسات العمومية. وكل الاقتراحات المتعلقة بالمجال المدني تمر عبر الحكومة ويتم المصادقة عليها في مجلس الوزراء الذي يترأسه جلالة الملك. وهو الذي بإمكانه منح تفويض للوزير الأول كي تتمكن الحكومة من مباشرة مهامها. السلطة القضائية ينبغي أن تكون نابعة أساسا من القضاة لضمان استقلالهم، ثم المجلس الأعلى للقضاء. الذي يجب أن لا يتحول الى نقابة للقضاة، مقتصرا عليها، بل يجب أن يتوسع ليشمل في عفويته أنا سمن ذوي الخبرة ويمكن أن يعنيهم البرلمان بغرفتيه، وبعضهم يمكن أن يعينهم الملك. أن بعض المقترحات يمكنها أن تمر عن طريق المجتمع المدني المهم الأساس هو أنه بإمكان الملك الحفاظ على رئاسة المجلس الأعلى للقضاء ولكن مباشرة العملية يجب أن تكون بيد الرئيس الأول للمجلس الأعلى الذي ينتخب من بين القضاة. وزير العدل يحضر اجتماعات المجلس كأحد أفراده ولا يتدخل، وعليه أن يغادر الاجتماع إذا ما تعلق الأمر بكل ما يتعلق بالحياة المهنية للقضاة كالترقية أو غيرها، كي يكون في حل من هاته الأمور. وانطلاقا من كل هذا، ورش الجهوية يعزز هذه الدولة الديمقراطية المنشودة، وذلك بإعطاء سلط للجهات التي ينبغي أن تكون فضاء للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بسلط منتخبة بالاقتراع العام وبرئيس تنفيذي، وهذا ما سيمكن بلادنا من الدخول إلى فترة تاريخية جديدة. طبعا الإشكال الذي طرحه عدد من الإخوة الذين تدخلوا قبلي وهو الإشكال المتعلق بمحاربة الفساد وطريقة اشتغال الفاعلين السياسيين بصفة عامة، أظن أنه لا يمكن نهائيا أن نقبل مثلا أن تصاغ خطة كبرى حول الطاقة خارج الحكومة، لا يمكن أن يصاغ المخطط الأخضر مابين خبراء الوزير المكلف بالقطاع ويعرض على أنظار صاحب الجلالة دون أن تدلي الحكومة برأيها، هذه أشياء تؤدي إلى عدم وضوح حقيقة رئيس السلطة التنفيذية وإبهامها على مستوى الدستور، هل هو الملك أم الوزير الأول، إذا كان الملك فما هو دور الوزير الأول؟ نحن اليوم في هذا الإطار محتاجون لأمر هام للغاية، وهو أن عملية تبخيس الأحزاب السياسية إذا ما استمرت، فإنه وإن أنجزنا أحسن دستور على وجه الأرض، فإنه لن يمكننا أن تصبح لدينا وسائل للاشتغال لبناء المجتمع المنشود، والذي نريده متقدما وفيه العدالة الاجتماعية، والتآزر ومع الحفاظ على تنعه وحق الأقليات فيه، وهذا لا يمكن أن يتم مع تبخيس الأحزاب السياسية للحيلولة دون قيامها بالأدوار المنوطة بها، وهذا التبخيس طبعا يتم بتزوير الانتخابات وبالترحال وبشراء الذمم وأشياء من هذا القبيل، وكلها أشياء ليس فقط الآخرون هم من يتحملون مسؤوليتها، بل أيضا علينا أيضا كأحزاب إعادة النظر في كثير من اختلالاتنا، وأن نتعلم مجددا كيف يمكننا الاشتغال معا.