تجمع مئات السوريين مرددين هتافات للحرية في دوما ، قرب العاصمة السورية دمشق، لاستقبال عشرات المحتجين الذين أصيبوا في مظاهرات يوم الجمعة الماضية ، يأتي ذلك بينما شنت قوات الأمن السورية حملة اعتقالات في صفوف ناشطين حقوقيين على خلفية تلك المظاهرات. وقال مدافعون عن حقوق الإنسان إن نحو 50 جريحا وصلوا في سيارات شرطة سرية لميدان البلدية الذي شهد مقتل خمسة أشخاص على الأقل ، يوم الجمعة ، عندما أطلقت قوات الأمن النار على محتجين يطالبون بالحرية وإنهاء الفساد. ونقلت رويترز عن شاهد أن الشرطة السرية أعطت أسماء 25 حالة خطيرة أخرى في المستشفى، وأنها وعدت بتسليم العائلات جثث قتلى الاحتجاجات صباح أمس الأحد، مشيرا إلى أنهم يتوقعون 15 قتيلا. وكانت وكالة الأنباء السورية قالت إن مجموعة مسلحة أطلقت النار بمدينة دوما، وقتلت مواطنين ورجال أمن دون أن تحدد عدد القتلى، كما أشارت إلى أن «مجموعة مسلحة» قتلت فتاة بمنطقة البياضة في حمص، بعد إطلاق النار على ما وصفته ب»تجمع للمواطنين». ودأبت السلطات على اتهام مجموعات مسلحة بإطلاق النار على المتظاهرين وقوات الأمن. وسقط في مظاهرات الجمعة -التي خرجت في عدة مدن سورية ، من بينها دمشق- أكثر من عشرة قتلى إلى جانب عشرات الجرحى، ليرتفع عدد القتلى منذ بدء المظاهرات المطالبة بالحرية إلى نحو ثمانين قتيلا، وفقا لوكالات أنباء وشهود عيان ومصادر رسمية. وشنت قوات الأمن السورية حملة اعتقالات واسعة في صفوف الناشطين الحقوقيين في دمشق والبلدات المجاورة بعد ساعات من الاحتجاجات والمظاهرات التي اندلعت في يوم «جمعة الشهداء». وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن قوات الأمن اعتقلت أكثر من عشرين شخصا في مدينتي حمص (شمال) ودرعا التي شهدت منذ نحو أسبوعين اندلاع شرارة الاحتجاجات والمظاهرات المطالبة بالإصلاحات السياسية. كما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن شهود عيان أن حملة الاعتقالات شملت مدينتي الصنمين وأنخل، جنوب سوريا. وقد نددت مجموعة من ست جمعيات ومنظمات مدافعة عن حقوق الإنسان في سوريا بالاستعمال المفرط للقوة من قبل أجهزة الأمن السورية لتفريق مظاهرات «جمعة الشهداء». وعبرت المنظمات عن قلقها واستنكارها لاستمرار السلطات السورية في استعمال العنف المفرط لتفريق المحتجين، سواء باستخدام العصي والهراوات في معظم الأحيان أو باستخدام الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية في أحيان أخرى، مما أوقع عشرات القتلى والجرحى. كما استنكرت المنظمات، في بيان أرسل لوسائل الإعلام ، قيام السلطات «باعتقالات تعسفية بحق العشرات من المواطنين السوريين». وطالبت المنظمات بتشكيل لجنة تحقيق محايدة للتحقيق بأعمال العنف الأخيرة، وبرفع حالة الطوارئ، وإغلاق ملف الاعتقال السياسي، والإفراج عن المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي. كما طالبت بإلغاء المحاكم الاستثنائية والأحكام الصادرة عنها، وإصدار قانون للتجمع السلمي وإلغاء كافة أشكال التمييز في حق المواطنين الأكراد ، وتعديل الدستور بما ينسجم مع معايير وقيم حقوق الإنسان. و كانت إدانات على الصعيد الدولي قد ارتفعت ضد القمع العنيف الذي تمارسه قوات الأمن السورية ضد المتظاهرين خلال الاحتجاجات التي هزت مدينة درعا ومدنا سورية أخرى منذ أكثر من أسبوع. وأعربت منسقة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون، عن إدانتها الشديدة للرد «القاسي» الذي اعتمدته السلطات السورية على «المطالب المشروعة» للمحتجين. وعبرت آشتون في بيان عن «صدمتها لمواصلة القمع العنيف للمتظاهرين»، ودعت النظام السوري إلى «الاستجابة للمطالب والطموحات المشروعة للشعب عبر الحوار والإصلاحات السياسية والاجتماعية الاقتصادية العاجلة». وطالبت برفع حالة الطوارئ، وإطلاق سراح السجناء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان من دون أي تأخير، كما طالبت السلطات وقوى الأمن السورية باحترام وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وكانت الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا قد حثت قبل ذلك الرئيس السوري بشار الأسد على الامتناع عن العنف. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض الأميركي، جاي كارني، «ندين بقوة محاولات الحكومة السورية لقمع وترويع المتظاهرين». كما اتصل الأمين العام للأمم المتحدة ، بان كي مون، هاتفيا ; بالأسد لحثه على ممارسة «أقصى درجات ضبط النفس». بدورها، حذرت المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأممالمتحدة ، نافي بيلاي، من مغبة دخول سوريا في دوامة العنف من جراء القمع العنيف للمظاهرات، ودعت إلى استخلاص العبر مما جرى في الدول العربية الأخرى. وأعلنت المفوضة في بيان، أن الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، تدل بوضوح على أن القمع العنيف للمظاهرات السلمية لا يستجيب لتطلعات الشعب الذي يخرج إلى الشوارع، كما أنه قد يتسبب في دوامة من الغضب والعنف والقتل والفوضى. وأضافت أن «الشعب السوري لا يختلف عن بقية شعوب المنطقة.. إنه يريد أن يتمتع بالحقوق الإنسانية الأساسية التي حرم منها منذ زمن طويل». ونوهت مفوضة حقوق الإنسان بإعلان الحكومة السورية الخميس سلسلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، لكنها شددت على أن «الأفعال أبلغ بكثير من الأقوال». وخلصت إلى القول بأن «الإعلان عن جملة من الإصلاحات التي طالما كانت مرتقبة والمرحب بها، ومن ثم إطلاق النار على المتظاهرين في اليوم التالي، يرسل إشارات متناقضة تماما وينسف الثقة بشكل خطير». كما رأت المجموعة الدولية للأزمات أن «سوريا تواجه ما سيصبح سريعا لحظة حاسمة لقيادتها، حيث لا يوجد سوى خيارين: أحدهما يتضمن مبادرة فورية ومحفوفة بالمخاطر بشكل حتمي ربما تقنع الشعب السوري بأن النظام مستعد للقيام بتغيير كبير, والآخر ينطوي على قمع متصاعد يتضمن كل الفرص لأن يؤدي إلى نهاية دامية ومخزية».