الجميع اليوم يتفق على ضرورة طرح الإصلاح الدستوري والسياسي للنقاش العام ، وعندما يعرض الفاعلون السياسيون الوثيقة الدستورية للنقاش فإن الأمر لا يخرج عن أحد احتمالين : 1. هو استنفاد الوثيقة الدستورية لقدرتها على تأطير الحياة العامة وتوازن العلاقة بين السلطات والدولة، وبالتالي الحاجة إلى إعادة رسم قواعد اللعب ورسم حدود جديدة لعمل المؤسسات. 2. هو شعور بعض الأطراف بأن التوافقات السياسية تبقى ملتبسة وغامضة وقابلة للتأويل، بشكل يتناقض مع عمقها وخطابها وما تواجه في الممارسة، خاصة من القواعد غير المكتوبة والتي تسم الممارسة السياسية عندنا في المغرب منذ زمان ، ويعتبر طرح نقاش الإصلاح أو التغيير الدستوري أو المنادات بدستور جديد ، نقطة نظام لضبط الهامش الواسع لتأويل النص الدستوري وإعادة رسم هامش العمل خارج النص وتهذيب الممارسة لكي تستجيب للمعايير الديمقراطية في الدولة الحديثة المبنية على المؤسسات. قد يكون هذا النقاش بسيطا ومباشرا خاصة من جهة إعلان المواقف والتصورات، غير أن التحدي الذي يمكن أن يواجهه هذا المناخ هو درجة اتفاق الفاعلين على مضامين الإصلاح أو التغيير، وكذلك منهجية تقديم هذه المبادرات الإصلاحية، وهنا حتما سوف نكون أما وجهتي نظر: الأولى: تعيد مطلب انتخاب الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وهو نقاش ليس بالجديد إذ واكب أول تجربة دستورية عرفها المغرب. الثانية: الاستمرار في منهجية التوافق مع المؤسسة الملكية، كما جرت عليه العادة في كل المناسبات السابقة. هاذين الاحتمالين دفعنا إلى مراجعة الإمكانيات التي منحتها الدساتير المغربية منذ 1962 إلى الدستور الحالي لسنة 1996 .. لتحقيق « المراجعة الدستورية « وفي ما يلي عرض لهذه الإمكانيات، قبل أن نعود لتقديم ملاحظات عنها : دستور 1962: الباب الحادي عشر .. مراجعة الدستور الفصل 104 التقدم بطلب مراجعة الدستور حق يتمتع به الوزير الأول والبرلمان . الفصل 105 مشروع المراجعة يضعه المجلس الوزاري ويجب أن يكون محل مداولة من طرف المجلسين . الفصل 106 اقتراح المراجعة يجب أن يتخذه كل مجلس بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس. الفصل 107 تصير المراجعة نهائية بعد الموافقة عليها بالاستفتاء. الفصل 108 النظام الملكي للدولة وكذلك النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي لا يمكن أن تتناولها المراجعة. دستور 1970: الباب الحادي عشر.. مراجعة الدستور الفصل 97 للملك حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور. الفصل 98 يمكن لمجلس النواب أن يقترح على الملك مراجعة الدستور إذا تم اتفاق ثلثي أعضائه على تقديم هذا الاقتراح. الفصل 99 تصير المراجعة نهائية بعد إقرارها بالاستفتاء. الفصل 100 النظام الملكي للدولة وكذلك النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي لا يمكن أن تتناولها المراجعة. دستور 1972: الباب الحادي عشر.. مراجعة الدستور. الفصل 98. للملك ولمجلس النواب حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور. للملك أن يستفتي شعبه مباشرة في شأن المشروع الذي يستهدف به مراجعة الدستور. الفصل 99. إن اقتراح مراجعة الدستور الذي يتقدم به أحد أعضاء مجلس النواب لا تصح الموافقة عليه إلا بتصويت ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب. الفصل 100. تعرض مشاريع واقتراحات مراجعة الدستور بمقتضى ظهير على الشعب قصد الاستفتاء تصير المراجعة نهائية بعد إقرارها بالاستفتاء. الفصل 101. النظام الملكي للدولة وكذلك النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي لا يمكن أن تتناولها المراجعة. دستور 1992: الباب الحادي عشر.. مراجعة الدستور الفصل السابع والتسعون للملك ولمجلس النواب حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور . للملك أن يستفتي شعبه مباشرة في شأن المشروع الذي يستهدف به مراجعة الدستور. الفصل الثامن والتسعون إن اقتراح مراجعة الدستور الذي يتقدم به عضو أو أكثر من أعضاء مجلس النواب لا تصح الموافقة عليه إلا بتصويت ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب. الفصل التاسع والتسعون تعرض مشاريع واقتراحات مراجعة الدستور بمقتضى ظهير على الشعب قصد الاستفتاء. تصير المراجعة نهائية بعد إقرارها بالاستفتاء. الفصل المائة النظام الملكي للدولة وكذلك النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي لا يمكن أن تتناولها المراجعة. دستور 1996: الباب الثاني عشر.. مراجعة الدستور. الفصل الثالث بعد المائة للملك ولمجلس النواب ولمجلس المستشارين حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور. للملك أن يستفتي شعبه مباشرة في شأن المشروع الذي يستهدف به مراجعة الدستور. الفصل الرابع بعد المائة إن اقتراح مراجعة الدستور الذي يتقدم به عضو أو أكثر من أعضاء مجلس النواب أو مجلس المستشارين لا تصح الموافقة عليه إلا بتصويت ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس المعروض عليه الاقتراح، ويحال الاقتراح بعد ذلك إلى المجلس الآخر ولا تصح موافقته عليه إلا بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم. الفصل الخامس بعد المائة تعرض مشاريع واقتراحات مراجعة الدستور بمقتضى ظهير على الشعب قصد الاستفتاء. تصير المراجعة نهائية بعد إقرارها بالاستفتاء. الفصل السادس بعد المائة النظام الملكي للدولة وكذلك النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي لا يمكن أن تتناولها المراجعة. يتضح من خلال العرض السابق أن الدستور المغربي لسنة 1962 كان جد متقدم في مسألة المراجعة الدستورية على باقي الدساتير المغربية، ولا يخفى على الجميع أن عددا من القوى الوطنية عارضت دستور 1962 بدعوى أنه ممنوح وظلت متشبثة بمطلب الجمعية التأسيسية، في حين أن الجميع اليوم يكاد يجمع على أن ذلك الدستور كان أفضل مما تلاه، خاصة في مرحلة بداية السبعينيات حيث تأثر النظام بالمحاولات الانقلابية واتجه إلى تشويه الوثيقة الدستورية بعدد من القيود والمحاذير، حيث اقتصر حق المراجعة الدستورية في دستور 1970 على الملك فقط بعد أن كان حقا للوزير الأول والبرلمان، كرست الدساتير الأخرى إسقاط هذه الإمكانية عن الوزير الأول مضيفة البرلمان بشروط معينة..لكن الملاحظ أنه لا أحد بادر لتفعيل هذا الحق من داخل البرلمان وتم التركيز دائما على الحوار مع الملك سواء باتخاذه للمبادرة أو باتخاذها من طرف الأحزاب وهو ما نشطته أحزاب الكتلة الديمقراطية في عقد التسعينات من القرن الماضي. التحدي اليوم هو كيف يمكن أن تتحول الوثيقة الدستورية إلى مؤطر للأجيال الجديدة من الحقوق والحريات، وفي نفس الوقت تعطي دينامية جديدة للمؤسسات والسلطات داخل الدولة بشكل متوازن ومنتج، وأن يحد من سلطة التأويل ومن هامش الاجتهاد خارج النص. [email protected]