إن الشعور بالحب والكره لدى الإنسان في الحياة وملازمتهما وحتميتهما في سيرة منهجه، يجعل منهما لغزا محيرا، وحالة مبهمة التشخيص ، خاصة عندما يصطدم كلاهما في الموقف الواحد، ويستقطب كلاهما وجهات نظر من معطيات تخضع للتحليل والتعليل، بنفس الصيغة والمنطق. يتجلى هذا عندما يصبح ما يحبه هذا يكرهه ذاك، وما يعجب به ذاك يشمئز منه هذا، وما أعتبره نبلا وفضيلة يراه آخر فظاعة وقسوة، وما نراه مقاومة وبطولة يعتبرونه هم إرهابا وشرا! وهلم جرا. ترى ما مصداقية الحب والكره على السواء، والجميع يرى بأم عينيه التناقضات تتعايش داخل كل المجتمعات في سلام ووئام؛ الفرح والحزن، الفقر والغنى، الصحة والمرض، الحياة والموت. فلم يهزم فرح حزنا، ولم يقض غنى على فقر، ولا أبعدت صحة مرضا، ولا دامت حياة فألغت موتا. عصور تلو عصور مرت على هذا الإنسان وهو يعايش الحب والكره ويمارسهما في نفس الوقت. ترى كيف كانت صورته وحياته فيما مضى؟ وكيف صارت وأصبحت بعد كم من قرون؟ ترى هل تغير في جوهره عن ذي قبل؟ أم تغير في مظهره؟ أم فيهما معا؟، هل تبدلت أحواله وسماته؟ أم مازال هوهو؟ هل أوجد نواميس لحياته غير التي فطر عليها؟ وأين وصل به المطاف؟ للأحسن لأنه استفاد من عبر من سبقوه؟ أم مازال يكابد ويعاند؟ وأين قادته حدود إمكاناته وقدراته مع مشاعر الحب والكره؟ لقد بدأت الحياة الإنسانية بأسرة بسيطة العدد، ثنائية، ثم تناسلت وتكاثرت حتى أثرت العالم اليوم لحد التخمة، وأصبحت أرقام تعداد السكان تثير الفزع،فأين ومتى كان الفوز في الساحة للحب عند الإنسان على الكره؟ ومتى وأين تخاذل الحب أمام الكره؟ متى صال الإنسان وجال وتحدى معوقات زمانه ونجح في مساعيه؟ وبأي سلاح دافع بالحب أم بالكره؟ ومتى عاكسته الأقدار وانهزم أمام الأحداث وباء بالفشل الذريع؟ هل كان ذلك نتيجة شطط في حب أم مبالغة في كره؟. وهكذا يطرح السؤال: ما هو الحب وما هو الكره في نظر الإنسان؟، ماذا يعني عنده لدى طفولته وصباه، وأيام ريعان شبابه، وأعوام كهولته؟، وما مدى سلطتهما أو تسلطهما عليه؟، ومتى يكون ارتباطه أو فك ارتباطه معهما؟، هل باعتبار ظروف مناخية تتولد من محيط مشحون بطاقات متجددة لا تعرف توقفا في منهج الحياة؟ أم أن كلا من مشاعر الحب والكره صفات مجردة ترتبط بالشخص ليوظفهما حسب ذوقه ورغباته. هل الشعور بالحب والكره يرتبط بمعطيات تكتنف بيئة حياة الإنسان، فتحدد مجالات اختياراته وآرائه ونظرياته؟ أم هو دوافع فطرية تنمو معه وتتجذر في أعماقه وتتشكل تبعا لنتائج مخططاته؟ ترى هل يتوقف الحب والكره عن ممارسة نشاطهما، في وقت معلوم أو أيام بذاتها؟ هل من سبيل بدونهما ليتحرر عقل الإنسان مما يراود نفسه سلبا وإيجابا، ويتنفس الصعداء من هذين الطاغيين اللذين يتحكمان في كل تحركاته، ويتدخلان في كل شاذة وفادة، حين تواصله مع أي كائن حي احتك به من قريب أو بعيد، أو جماد لفت انتباهه وأثار حفيظته أو هز مشاعره؟ ترى هل يمكن القول بأن الحب والكره قد يستنفدا طاقتيهما كلها أو بعضها مع مرور السنين والأعوام، ويصبحا وكأنهما كانا شبه لعبة يلهو بها الإنسان أمام أقرانه وخلانه ليصنع الحدث، أي حدث، يكون هو المحور والهدف والغاية؟ أين مربط الفرس في مدى مفهوم مشاعر الحب والكره عند الإنسان وفي علاقته وتعاطيه معهما داخل دائرة وجوده، ثم ممارسة كافة الحالات التي تتفرع عنهما بدرجات متفاوتة صعودا وهبوطا في البؤرة نفسها، حيث نجد الحب لدرجة الهيام والعشق والوله، ونجد الكره لدرجة الضغينة واللؤم والتنكيل. مربط الفرس في نظري يكمن في تعاطف الإنسان مع معاني الحب عند كل تواصل، مع النأي في نفس الوقت عن الكره بما قد يسببه من أذى، مما يمنح الآخر شحنة من الاطمئنان والأمل. فالخير لا يعود إلا بالخير ولو بعد حين، والشر لن يتحول أبدا خيرا، لأن البشرية في اعتقادي تبحث عن حب حقيقي دون استبداد يتحول إلى كره لحد الغثيان. ويبقى البحث عن هذا الإنسان المعني بهذا الفهم، أنا، أم أنت، أم هو؟ أم نحن جميعا؟ وأين هو؟ هل له مكان؟ أم هو من يوجد المكان؟ هل له زمان؟ أم هو من يصنع الزمان؟ إن قصة الإنسان مع الحب والكره هي قصة وجود وامتحان ونتائج تحتمل الفشل والنجاح وفيها القمة والسفح، وذلك سجل الإنسان بما له وما عليه.