أ ? نشيدُ أبي زيدٍ هذا الصباحُ قد يكونُ ممطراً وعاصفاً، وقد تكون بدايةُ الطّريقِ لغْماً مدفوناً تحتَ أصيصِ ورودْ ونهايتُها حلماً موؤودْ، وقد تكون رحلةُ العطشِ قطّةً أليفة، وقد تكون لبؤةً في منْعَرَجاتِ الفلاةِ تلوي أعناقَ المزامير ليّا، لكنّني أرى حلَمةً ما أكرمها في حوْلِ المحْلْ. ليكنْ، من أجْل الأمّ لا بدّ أن أعودْ لعتقِ السّدرةِ والنخلةِ والزهرَةِ من قيودِ الخليفة، وإذا كانت خيامُه كالمنى منصوبةً في آخر الدّنيا... فقدْ تعلّمتُ من شهقاتِ المسافةِ كيف أبحثُ عن رائحة الماءِ في وشْمِ الصّحراءْ، وتعلّمتُ كيفَ أحْدو الغمامةَ في عينيْ شاعرتي تارةً بالسّيفِ... وتارةً بالرّبابة، وأنشدْتُ يحيى: سنحيا، وأنشدْتُ مُرعيَ غيثِ الوفاءِ: لنرعَ الرّبابةَ بالدّم والعنفوانِ فإنّ زبانيةَ المكْرِ لا تؤتمنْ، وأنشدْتُ يونُسَ: لا ننسَ وعْداً قطعناهُ ذاتَ نجيعٍ لتونُسَ، قد تتفرّعُ أوصالُها في الخريطةِ فجْراً بديعاً، وقد تتداعى سريعاً، وتطحنُها عجلاتُ الزّمنْ وقد تتوانى، ولكنّها في النّهاية تغدو ربيعا...! ب ? وَعْدُ محمّد لصرخةِ جدّي سلامةَ في أذنيّ رنينٌ يُهدهدُني دفؤُهُ: الهلاليُّ خدّاهُ لا يستلذّان صفعَةَ مقهورةٍ خرجَتْ من بلاطِ الأميرْ، لا، ولا يرتضي رغمَ جُرْحِهِ أن يرتدي باكياً في الزّقاقِ غلالةَ راقصةٍ طرّزتْها دماءُ جناحٍ كسيرْ... ولا يستسيغُ مذلّةَ رحْمٍ ترعرعَ في حنوِهِ، أيّ ذنبٍ قرفتُهُ: هل جمرةُ العشقِ عيْبُ، وسعيي وراءَ الرّغيف المطارَدِ ذنبُ؟ أنا ما طمحتُ إلى سُدّة المستحيلِ ولا سحرتْني مواويلُهُ ذاتَ فجرٍ جميلِ، ولكنّ كرْمَ الكرامةِ قد عاتبتْني عناقيدُهُ بعد أنْ سقطتْ في الممرّاتِ أوراقُهُ فإذا بهديلِ جنونِه يسْكنُني ويصيرُ دليلي... إذن كان لا بدّ أن يصبحَ اللّهبُ المتربّصُ بالثّلْج قِبلةَ لجّي وقد غُلّقَتْ في الظّلام ثُغورُ البلادِ، وأن يستعيرَ النّخيلُ من الجسَدِ الغَضّ أحلى سمادِ، وأن تتوهّجَ عبر الطّريق الطّويلِ مواويلُ أسئلتي غابَةً تتعانقُ أغصانُها المشرئبّةُ في كلّ وادِ! ج ? الخنساءُ تمزّق مراثيها أيّها الولدُ الشّهمُ عفوَكْ أنا الآنَ قرّرتُ تمزيقَ كلّ المراثي لأحذوَ حذوَكْ، فكلّ ما زَرَعْتَهُ في عطشِ الصّحراءِ أيقظَ حساسينَ الأفراح منْ وكناتها، وفجّر الماءَ في البازلتِ أجْراسا، لعلّها تغسِل أصابعَ الشّمسِ وتطهّرُ المدُنَ الموبوءةَ من أدرانها بعد صلاةِ الجنازة، وتحقنُ غيبوبةَ الإسفلتِ إحْساسا... ما جدوى المراثي إذن إذا أصبحَتْ في الهوامِشِ كلّ المآثم أعراسا؟ د ? رمادٌ ينشُرُ عدواه حينما يغضبُ عبدُ اللهِ المقهورْ يوقظُ أهازيجَ العشيرةِ ويوقدُ كلّ حنينِ الهشيمِ لأنداءِ الرّبيعِ، فينشُرُ الرّمادُ عدْواهُ من خُصْلاتِ الماءِ حتى السّرابِ الحائرِ على صدْرِ الصّحْراءْ... بأيّ لونٍ تستطيعُ الرّصاصةُ يا بهجةَ الميلادْ أن تُدبّج قصيدةَ مدحٍ باهتةً على شواهِدِ القبورْ: بلون الدّم القاني أم بلونِ الدّخانِ؟ ألا ما أبلدَ الجلادَ حين يظنُّ أنّ يداً أصابعُها عقارِبُ بالخيانةِ موشومةً يمكنُها أن تزرَعَ الأنقاضَ سوسَناً وزَنْبقاً وأزهاراً مكسوّةً بالنّورْ؟ ه ? الشّاهدة قد عَجِبْتُ من الصّفرِ العربي يتحرّكُ صوبَ يمينه منتفِضاً ويخضُّ المدى ويطيرْ مُفْزِعاً حولهُ عسَساً واثقاً، يستحثّ الصّقورَ على أنْ تحلّقَ وسْطَ السّعيرْ... وعجِبْتُ من الطّين العربي يستعيدُ صلابتَهُ حجَراً فرِحاً ينفضُ الوهْنَ عنهُ، يقاومُ طاحونةَ الرّيَبِ، ورأيتُهُ يزهو دَماً هادراً قدْ خلَعْ شهَقَاتِ الهلَعْ، وارتدى صولةَ الغَضَبِ، في محيطٍ يموجُ ترجّلَ نحوَ البنادقِ يبحَثُ عن أرْزِهِ المقتلَعْ... قد عجِبْتُ، ويا لهُ من عجَبِ، هو ذا الماردُ العربي لم يمتْ أبَدا، بل غَدا في سفينِ الولَعْ يَتَحدّى جحيمَهُ غيرَ مبالٍ بعاصفةِ الرّهَبِ فإذا هو صوتٌ يهدُّ جبالَ الفزعْ...! إفران، يناير 2011