الحماس المنقطع النظير الذي أبداه الرئيس أوباما لفائدة إقرار الديموقراطيا في مصر منذ اليوم الأول لثورة 25 يناير سابقة في العلاقات الدولية. وهو شيء مستغرب لعدة أسباب تدخل فيها اعتبارات استراتيجية و فلسفية. وقد فهم الناس طيلة عقود، سواء كانت الحكومة جمهورية أو ديموقراطية أن المصلحة الأميركية تكون مضمونة في ظل وجود أنظمة اوتوقراطية في العالم العربي، لأن ذلك في حد ذاته يعني وجود أنظمة ضعيفة غير قادرة على مواجهة الضغوط الأميركية. وكانت السيدة كوندوليسا ريس قد كتبت وهي بعد أستاذة في الجامعة، ومستشارة للمرشح بوش الإبن، أن السياسة الأميركية تخطئ إذ تتعامل مع أنظمة دكتاتورية، باعتبار ذلك الموقف مسيئا للسلام. واستلهاما لذلك التصور قامت فلسفة مجموعة المحافظين الجدد- كما هو مسطر في موقعهم الإلكتروني بشأن القرن الجديد- على أساس الدعوة إلى التخلي عن التحالفات التقليدية مع الأنظمة غير الديموقراطية، والعمل على قلب الأوضاع في البلدان المعنية بإقامة أنظمة ديموقراطية. وقد سهر على تطبيق الخطة كل من مانسفيلد وزير الدفاع، وتشيني نائب الرئيس، وذلك ببلورتها في شكل تدبير " فوضى خلاقة " قلبت فعلا الأوضاع رأسا على عقب في العراق مثلا ولكن بشكل أشاع الفوضى نعم، ولكن دون أن تكون تلك الفوضى خلاقة بشكل إيجابي. ومعلوم أنها لم تؤد إلى استتباب الديموقراطيا. ويجب أن نؤكد أن مصدر الاندهاش من موقف أوباما بشأن استتباب الديموقراطيا في مصر ليس هو التشكك المنهجي في نوايا الولاياتالمتحدة بهذا الصدد، بل هو انعكاس وجود نظام ديموقراطي، في دولة جوهرية مثل مصر، على الوضع في إسرائيل. ذلك أنه من البديهي أن مصلحة إسرائيل تهم الولاياتالمتحدة بالدرجة الأولى، بل ظهر في منتصف السنة الماضية أن ناتنياهو هو الذي يصنع الموقف الأميركي. ولاشك في أن نظاما ديموقراطيا في مصر سيقوي مركزها الدولي، وسيضع في طاولة الحوار مع إسرائيل فاعلا ذا طبيعة جديدة، مختلفة عما سجله كيسنجر في كتاباته عن المفاوض العربي، الذي هو شخص يمتلك كل الأوراق ويتصرف فيها تصرف المالك في ملكه، وليس مثل المفاوض القادم من نظام ديموقراطي المجبر على احترام حدود التفويض المرخص له به. ومعلوم أن صاحب التفويض الذي لابد من الرجوع إليه، يكون في العادة مجلسا منتخبا، على عكس المفاوض العربي الذي له سلطة مطلقة لا يوجد ما يقيدها. لقد أكدت مصر احترامها للمعاهدات المبرمة. و المخاطب المصري لإسرائيل سيكون بعد الآن معززا بقوة الشرعية التي تعطيها صناديق الاقتراع. ولعل ما قد يخيف إسرائيل هو وجود شريك في طاولة الحوار نابع من نظام ديموقراطي. إن إسرائيل دولة ذات طبيعة استثنائية، لا يريحها أن تنخرط في حوار طبيعي، مثل ما هو متوقع بين دول طبيعية أعضاء في المجتمع الدولي، وهذا هو السؤال. 13 فبراير 2011