اعتادت ، لكن من بعيد ، كثير من الأقلام والأفواه أن تتجبر كلما حلت نكبة بمنطقة من مناطق العالم . من بعيد ، تتفنن شارحة مستفيضة في زهو واطمئنان العيوب والنواقص وكل منابع الخلل وكل الشروخ المحدثة والحفر المهلِكة في الأوطان ، وكأنها تملك خاصيات خولت لها من الحدس والتحليل والمعرفة ما تعتقد أنها تعالج به الأزمات . من بعيد ، تتشدق بالوطنية والتضحيات وهي تشد على الأيدي ، وتمجد التحرك والمواجهة لدرء المفاسد وتغيير الأوضاع ، وتبشر بالنصر الآتي على طبق من ذهب . من بعيد ، وفوق أفرشتها وتدثرها بملاءاتها ، وأمام ما لذ وطاب ، تقول ما أعظم الدفاع عن الحق والحرية والكرامة ، وتشحن النفوس بمزيد من الحقد والضغينة والكره . من بعيد ، وفوق أراض لن تمسها النار ولو بعد حين ، تنادي : إلى التضحية أيها المواطنون الشجعان ، إلى الموت أيها العظماء الأجلاء ، إلى سجل التاريخ ، وسنظل نذكركم ونكتب عن بسالتكم ووقوفكم أمام كل مد نراه لا يليق بكم . لا ينكر إلا جاحد أن كثيرا من الشطط حدث ومازال يحدث هنا وهناك ، وأن تجاوزات أصحاب النفوس المهووسة بالأنا تجبرت ولا تزال ، وأن اعتلاء المناصب يغري بالدفء والنخوة والترفع ، وأن العدل مازال يصارع بقوة من أجل إحقاق الحق وسيادة القانون . ما نراه الآن على الساحة العربية ، منه ما يدمي القلوب ويزيد الجراح عمقا، ومنه ما يعد تهورا وانقيادا ، والمحطات الفضائية تنقل القتلى والجرحى ، واختلاط الحابل بالنابل . لقد كان الأمل ، ولا يزال ، معقودا على أن تكون النخب الحزبية والنقابية والسياسية وأطياف المجتمع المدني في مستوى يليق بها لتأطير الشعوب بما يضمن لها تحقيق الحقوق المشروعة من كرامة وعدل ورخاء ، وحتى تظهر،كلما لزم،مدى فعاليتها ومدى تحضرها ومدى خوفها على العرض والنفس والوطن،ولن تكون في حاجة لأقلام وأفواه تغرد خارج السرب ، تمنحها التزكية وتشير عليها بالحلول . لكن ما يظهر على الساحة أن الهشاشة اعترت كل السبل والوسائل فكانت النتيجة هذه الفوضى العارمة في الأقوال والأفعال ، وهذه السماء الملبدة بالغيوم . الرباط ، في يوم الخميس 3 فبراير 2011