ذمّ الله تعالى اليهود - ولاسيما أحبارهم - لتحريفهم الكلم عن مواضعه فقال: «من الذين هادوا يُحَرِّفون الكلِمَ عن مواضِعه» [سورة النساء: 45]. وهذه آفة من أعظم الآفات وأكثرها أضرارا على سلامة الخطاب، وحقيقته، وصواب التعبير واستقامته. ولا يلجأ إلى تحريف الكلمات عن مواضعها إلا ضعفاء الحجة، متهافتو المنطق، مضطربو التفكير. فتجد أحدهم يستعمل كلمة وردت في خطاب معيّن على خلاف معناها في ذلك الخطاب ليُوهم القارئ بضد ما أراد مُتلفّظ الخطاب الأول، وليضل المتلقي عن المقصود الأول من استعمال الكلمة. وهذا تلاعبٌ بالحقيقة لا يجوز في أعراف المتخاطبين العاديين، بله أنْ يستجيزه مَن يتعاطى الكتابة. إن آفة تحريف الكلم عن مواضعه هي وسيلة الذين يتخذون من التأويل بلا قواعد ذريعة إلى قلب المعاني وتحويل النصوص عن ظاهرها الواضح، وقد عانى العلماء قديما، ولايزالون يعانون في الحاضر، من هذا النوع من المؤوّلين والمحرّفين. قال الله تعالى واصفاً أغراض هؤلاء وأحوالهم وتعاملهم مع الحقيقة القرآنية: «فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله. وما يعلم تأويله إلا الله. والرّاسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا. وما يذكر إلا أولو الألباب. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب» [آل عمران: 8/7]. إن هذا النوع من المحرّفين يكثرون وتزداد جرأتهم على تحريف النصوص كلما ساد السكوت على تحريفهم. فتجدهم في مختلف ميادين التعبير يعيثون فسادا في قلب الحقائق، وتزوير الكلام، لاسيما في العمل الصحفي، والبحوث شبه العلمية. وما أحوج هذين الميدانين - الصحافة والبحث العلمي الإنساني خاصة - إلى قوانين وقواعد يقتضيها احترام أخلاقيات الصحافة والعلم معا، وإلا ستظل أرضهما مستباحة لكل المتلاعبين بالكلام، المضلِّلين للأفهام.