من سر نجاح جهود الحركة الوطنية المغربية المباركة التي حررت البلد أن انطلاقتها كانت موفقة وصائبة لأنها كانت تستمد قوتها ومرجعيتها وشرعيتها من الكتاب والسنة بفضل تزودها من النبع الصافي لتطهير النفس من الخوف والجبن والتأسي بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في باب الجهاد لاستنهاض الهمم واستلهام الهداية واستخلاص الدروس والعبر وتحفيز النفس على التحمل والصبر والبذل والعطاء واسترخاص الغالي والنفيس في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ورفع راية الإسلام والذود عن العرض والشرف وحماية الوطن ولذلك كانت النتائج إيجابية. وكان النصر حليف المجاهدين الذين كرسوا حياتهم لله اقتداء بسيد الخلق محمد رسول الله وبصحابته الغر الميامين الذين ضحوا بالنفس والنفيس من أجل هذا الدين الذي رفع الله به البشرية إلى القمة السامقة وصنع به المعجزات وخرج به الأبطال وربى به الأجيال وحرر به الأرض والإنسان وخلق به جنودا أوفياء أقوياء أخلصوا لله فكانوا عند حسن الظن لمواجهة التحديات والصعاب ومقاومة الدخلاء والأعداء الذين يتربصون بنا الدوائر ويتحينون الفرص السانحة لضرب الإسلام والمسلمين بغية الإستلاء على خيرات البلاد وثرواتها للتمكن من إذلال وقهر وتجويع أهلها في محاولة تجريبية لإخضاعهم وإضعافهم وإجبارهم على التبعية والإنسلاخ من الهوية وإبعادهم عن دينهم وعقيدتهم وثقافتهم وتقاليدهم ولو بطريقة تدريجية وتقديم السم في العسل أو محاصرة الإسلام وأهله في دائرة الشعائر التعبدية مع تشديد المراقبة. وهذا ما فطن له الشعب المغربي الوفي الذي التف حول قادة الحركة الوطنية بقيادة محمد الخامس طيب الله ثراه فكان هذا الشعب ملبيا للنداء يسمع وينصت ويتتبع ويتابع ويطبق وينفذ كل التعليمات والأوامر والنواهي الصادرة من القيادة الوطنية وكان للدخلاء والجواسيس وسماسرة الإستعمار والخونة بالمرصاد في وقت كان الإستعمار طامعا في العثور على أيادي مغربية خفية يعتمد عليها في إفشال عمل الحركة الوطنية أوالإطاحة بالقيادة الشرعية ولكنه لم يفلح لأن قوة الشعب المغربي وإيمانه بالله وتشبثه بدينه ووطنه وملكه جعلته يترفع ويأبى ويمتنع ويستعصي. بل كانت صلابته أشد من صلابة صخرة صماء يستحيل أويصعب تكسيرها ولو اجتمعت كل قوى الإستعمار. وبهذا التحدي والمناعة حيل بين الإستعمار وبين ما يشتهي ليخيب ظنه ورجاؤه وبالتالي يفشل في إيجاد حليف مغربي له داخل المغرب أو خارجه حتى أولئك الناس الذين غرر بهم وكادوا أن يخونوا وربما عن حسن نية والذين كان عددهم لا يتجاوز رؤوس أصابع اليد الواحدة حتى هؤلاء ندموا وصب عليهم من المقت واللعنة من الوطنيين الأصلاء ما يشيب له الولدان وتقشعر له الأبدان إلى درجة أنه لم يسمع عن أحد أنه كان انفصاليا أو كان يتاجر على حساب وطنيته أو كان يروج للإستعمارأو يتعاطف أو يتعاون أو يقر السوء في وطنه وهذا ما أرغم المستعمر على الجلاء والتخلي عن كبريائه وجبروته والخضوع للأمر الواقع والنزول عند رغبة المجاهدين بترك البلد إلى أهله وهو ما حدث بالفعل، لكن بعد تضحيات جسيمة ومعاناة طويلة وكفاح مرير. ويرجع الفضل في ذلك إلى قادة الحركة الوطنية الذين بدروسهم ووعظهم وإرشادهم وكلماتهم وخطبهم وتوجيهاتهم وإرشاداتهم وأعمالهم ربوا المواطنين على الصدق والشجاعة والإقدام والتضحية والعمل الجاد وبيع النفس في سبيل الله لتحرير الوطن كما رسخوا في الناس حب الوطن وغرسوا فيهم عقيدة الإيمان وعلى هذا فلما كانت النيات حسنة والقلوب صافية والأهداف محددة والغايات نبيلة والصفوف متراصة والكلمة موحدة استجاب القدر وتحقق النصر والظفر وتلاشت أحلام المستعمر وتطايرت شظاياه في الهواء وذهبت مساعيه أدراج الرياح هباء منثورا، فخضع للمنطق جارا ذيول الهزيمة والخيبة والخزي والعار وهو لا يلوي على شيء، هذا وإذا أمعنا النظر في سر نجاح كفاحنا المسلح الذي اعتمد فيه على الكلمة الصادقة والقلم البريء والخلايا الوطنية المنظمة والخطط المحكمة والوسائل المستعملة في إجراء التواصل والاتصال للتنسيق بين الخلايا والقيادة وفي طريقة التبليغ الدقيقة لإيصال المعلومة والنهج السياسي المتطور والخطاب المتزن لفتح قنوات الاتصال مع الآخر لإجراء مفاوضات ومحادثات والأسلوب الذكي المتبع في قطع المراحل بخطوات ثابتة نحو الإعتاق لتحقيق الاستقلال ومعانقة الحرية لوجدنا أن دعوة علمائنا وقيادتنا إبان الإعداد لتكوين خلايا الجهاد لتحرير البلاد كانت سرية على غرار دعوة محمد صلى الله عليه وسلم في بدايتها حيث كان يلتقي بأصحابه في دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي ولم يكن معه يومذاك إلا قليل. وهو نفس الأمر بالنسبة للحركة الوطنية التي انطلقت انطلاقة جيدة بعدد قليل ثم كثر أفرادها بإذن الله وكان المغاربة على أتم الاستعداد إذ بمجرد ما إن وصلهم النداء حتى استجابوا كلهم وبما أن الدعوة كانت دينية ولم تكن قومية ولا طائفية فإن الله أعان وبارك وسدد وأمد وقوى وكلما خطا الوطنيون خطوات إلى الأمام وفقوا في مواصلة الطريق وكلما مضت الأيام ومرت الليالي ظهرت بشارة الاستقلال ولاحت في الأفق بوادره في ظل استمرار العمل والكفاح والنضال بإجهاد النفس وتحريضها على التحمل وترويضها على الطاعة والامتثال إلى أن جاء الفرج وبزغ فجر الحرية والاستقلال، وكانت الحركة الوطنية قد أخرجت دعوة المطالبة بالاستقلال من المرحلة السرية إلى المرحلة الجهرية وكانت هذه الدعوة قد أصبحت واضحة المعالم كما ظهر أفرادها في العلن نيابة عن الشعب المغربي بواسطة حزب الإستقلال الذي تحت مظلته الشرعية الوطنية المغربية وقع الوطنيون الشرفاء الأوفياء وثيقة المطالبة بالاستقلال في وقت كانت فيه هذه المطالبة تعني في مفهوم الاستعمار البغيض الإعدام والمشنقة والتنكيل والتعذيب والاعتقال والاضطهاد كما كانت كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله تعني في مفهوم قريش القتل أو كل أنواع التعذيب، وبالرغم من كل هذا انتصرت وثيقة المطالبة بالاستقلال على المستعمر كما انتصرت لا إله إلا الله محمد رسول الله على قريش وكان من أسباب النصر وأسراره أن الوطنيين كانوا علماء وفقهاء وعارفين بالله لايخافون في الله لومة لائم تخرجوا في المساجد وزوايا التصوف السني ولذلك ضمت حركتهم كل أطياف الشعب المغربي فاستجاب لهم كل الحرفيين والمثقفين منهم الفلاح والعامل والصانع والخضار والقاريء والأمي والرجال والنساء منهم الكبار والصغار والشيوخ والكهول. ولم يكن يومها عند الناس مال ولا متاع ولا ثروة حيث لم يكن عندهم إلا قليل من الزاد وفي المقابل كان المستعمر يملك من الإمكانيات المادية والمالية والسلاح ما يغري ويخيف ويسيل اللعاب. ومع ذلك فإن المغاربة لم يغتروا ولم ينبهروا بل ترفعوا وتنزهوا وبقوا محافظين صامدين شامخين وبفضلهم أضيف إلى أعيادنا عيد وطني آخر نحتفل بذكراه كل سنة فجزاهم الله عنا خيرا.