من أهم أحداث السنة التي سنودع الحصيلة المهمة للعمل الحكومي سواء على مستوى المشاريع المنجزة لتطوير الحياة الاجتماعية، من خلال تطوير مناعة البنيات الاقتصادية، أو على مستوى العمل التشريعي بمصادقة البرلمان على عدة مشاريع قوانين إستراتيجية بدءا بمدونة السير التي تعد تحولا نوعيا في مسارنا المجتمعي، وصولا إلى النظام الأساسي للوظيفة العمومية الذي عرف تغييرات مهمة تروم تحقيق تصور متطور لتأهيل الإدارة المغربية، وتدعيم آليات التحفيز للمورد البشري، بعدما ظل هذا المشروع حبيس الرفوف لأكثر من أربع سنوات، ولاشك أن هذه المشاريع تؤكد حقيقة لا جدال فيها وهي قوة التصورات الحكومية المرتبطة بالواقع والبعيدة عن السقوط في فخ مزايدات لا قيمة لها خاصة من معارضة هشة، كما توضح هذه المشاريع إيمان الحكومة الفعلي بفضيلة الحوار المسؤول المبني على المصداقية . وإذا كانت الحكومة قد ربحت رهانات التنمية وفق توجيهات صاحب الجلالة، فإنها أيضا ربحت رهان الجرأة في مواجهة الجهات التي تستهدف سيادتنا ووحدتنا الترابية بفعل ميداني متواصل، وبالجدية والصرامة الضرورتين التي لا تضع قضايانا السيادية موضع مقايضة تحت أي ظرف كان . وإذا كان من الطبيعي في كل بقاع العالم أن تتوفر كل حكومة على أغلبية ديناميكية منتجة ومبدعة تساندها، ومعارضة شرعية تنتقدها، وتكون عاملا مساعدا على فعل سياسي حقيقي مبني على المقارعة بالأفكار والتصورات، بعيد كل البعد عن لغة الخشب وأساليب الاستعلاء على القانون، وخلق معارك وهمية صغيرة لإثبات الذات في غياب أدوات الفعل التنظيمي، وتراكمات التصور السياسي الواضحة وغير المقرصنة، فإن وقائع السنة التي نودع حددت ملامح معارضة غريبة ومخدومة ابتلي بها الحقل السياسي في بلادنا، من خلال سلوكات مثيرة وغير متزنة لفصيل سياسي وقع له ما حدث «الغراب» الذي حاول تقليد سير «الحمامة» ففقد توازنه ليتيه بين مشيته و مشية والحمامة» . ولأن الوقائع لا يمكن تجاوزها خاصة حين استعمال خطاب شعاره «المقاطعة مع النفاق السياسي» والأحداث الواقعية تسير في اتجاه تكريس جيل جديد من النفاق السياسي، فإن وقوفنا على أهم خلاصات العديد من الأحداث سيمكننا من تبين ملامح فشل مخطط انطلق باستقالة مبهمة وتحول إلى جمعية أكبر من حزب اسمها حركة لكل الديمقراطيين، ليصل إلى فوز غريب، ويتوج بإعلان حزب سياسي سيغزو المؤسسة البرلمانية دون أن يكون مشاركا في استحقاقاتها، ويرسم أولى خيوط العبث السياسي بأكبر عملية ترحال سياسي في العالم وليس في بلادنا فقط ، ليصبح بعد ذلك سلطة داخل السلطة، هذا المخطط الذي أوكل مهمة تنفيذه لهواة لا يحسنون قراءات المسارات السياسية لبلادنا، ولا زالوا محكومين بقاموس من أرشيف ماض تجاوزته بلادنا منذ سنوات بإرادة ملكية سامية واضحة، ولا شك أن هذا المخطط أصبح يسيء لمكتسبات بلادنا أكثر مما يخدمها، ومن الأمثلة الدالة «القيامة» التي رافقت تصريح السيد عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية خلال جلسة افتتاح المؤتمر الوطني للحركة الشعبية حول الأحزاب الوطنية الديمقراطية، والصمت الرهيب الذي واكب تصريح رئيس المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة خلال انعقاد لقاء منتخبي هذا الحزب ببوزنيقة مؤخرا، والذي مسح فيه»الموجود السياسي لكل الأحزاب بليكة» ليعتبر أن حزبه هو أول حزب في المغرب بمواصفات الحزب الحقيقي، وما عداه فهي زوايا سياسية ودينية ولا نجد تعليقا على ذلك سوى القول « الله يحد الباس لهاذ البلاد السعيدة»، والمثال الثالث يهم العرض الذي قدمه رئيس جهة مراكش تنسيفت الحوز، ورئيس فريق الحزب السالف الذكر بمجلس النواب أمام صاحب الجلالة الملاك محمد السادس حفظه الله حول تأهيل البنيات التحتية بالجهة، والذي توجه بتوقيع اتفاقيات مع قطاعات وزارية من ضمنها وزارة التجهيز والنقل، وتضمنت ميزانية الوزارة مشاريع هذه الاتفاقية ضمن مشروعها برسم القانون المالي لسنة 2011 ، وهي الميزانية التي تباهى زملاء رئيس الجهة في مجلس المستشارين بإسقاطها لتصفية حسابات سياسية صغيرة دون أن يتبادر إلى دهنهم أنهم يصوتون ضد أنفسهم، وضد الوطن في مشاريع إستراتيجية لا تقبل الحسابات السياسية الملغومة، والمثال الرابع يتعلق بعدم فهم العديد من المتتبعين لاختلاف التصويت بين فريقين ينتميان لنفس الحزب بخصوص مشروع القانون المالي 2011 ، حيث كان الرفض موقف فريق مجلس المستشارين، وتوزع رأي فريق نفس الحزب في مجلس النواب بين الرفض في اللجنة، والامتناع في الجلسة العامة ، والمثال الخامس ما نشر حول اجتماع المكتب الوطني لنفس الحزب من انتقاد لاذع للأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة من طرف رئيس فريق نفس الحزب، على موقفه الداعم للقانون بخصوص ما حدث في لجنة المالية بمجلس المستشارين باعتباره رئيسا لهيئة دستورية، ومن خلال هذه الأمثلة القليلة من أمثلة كثيرة يمكننا التساؤل : من فعلا مصاب بهشاشة حقيقية في الرؤيا والمنطق والممارسة ؟ لاشك أن الجواب واضح خاصة في ظل وجود فرق شاسع بين معارضة حقيقية اتفقنا أو اختلفنا معها هي نتاج شرعي لصناديق الاقتراع، وبين معارضة ولدت ولادة غير طبيعية وأعلنت بوضوح أنها أوكل إليها أمر معارضة المعارضة الأولى ، قبل أن تقرر أن تصبح وصية على تأهيل المشهد السياسي بالبلاد، وتتحول إلى معارضة مفتقدة لحس المسؤولية السياسية، بفعل حرصها على خرق القانون باستمرار، واعتماد خطاب أصبح يفتقد لكل مصداقية، وهو أمر بديهي ما دام هذا الصنف من المعارضة لم يأتي من صناديق الاقتراع، وإنما جاء من شتات غير متجانس ظهر فشله منذ قصة الأمناء بالنيابة إلى واقعة منع مسؤوليه في الحسيمة من استغلال مشكل اجتماعي لأهداف سياسوية . [email protected]