في حياة جميع الناس ما لا يعد ولا يحصى من لحظات مؤلمة،منها ما هو متعارف عليه كالمرض الذي قد يصيب الجسد فينهك قواه ، فترى الواحد منا يحاول استعادة نشاطه عبر تناول الأدوية المتعارف عليها،أو زيارة الأطباء،أو حتى النزول ضيفا على المصحات لبضعة أيام،أو أخذ قسط من الراحة،فصحة الإنسان في الحياة هي رأس ماله كما يقال،والعقل السليم في الجسم السليم . وقد يكون الألم مصدره النكبات الموجعة والتي لا مفر منها لأنها من سنة الحياة ، وهي كذلك تتعدد صورها ودرجات قربها أو بعدها من الشخص ، وكما يقال تعددت الأسباب والموت واحد ، وما نراه الآن على الفضائيات وهي تنقلنا لمحطات النكبات الموجعة ، دليل قاطع وواضح على حدة وقع النكبة عند المصاب ، وتدرجها عند المشاهد انتماء أو عاطفة . وهناك الإخفاقات التي تصاحب وسائل الكد ونتائجه، فتعتري المصاب حالة إن لم نقل حالات من الشعور باليأس والضيق والكآبة ، وقد يبلغ به الأمر اعتبار نفسه فاشلا لا يصلح لشيء ، فتراه يندب حظه العاثر ويتحسر على مصيره مع أنه في ريعان الشباب . وما أكثر الحالات التي يشعر فيها الإنسان بالألم يعصره ويجثم على صدره بقوة ، لكنه في كل هذه الأحوال يجد حنانا ومحبة تطوقه وترعى حالته وتهون عليه ، وتذكي في نفسه قيمة الصبر على الشدائد والرضا بما ألم به ، سواء من عائلته وأقربائه ،أو من معارفه وزملائه ، إذ لا يعدم المرء لفتة طيبة وصدرا حنونا ممن حوله ، فتجاوز المحن شيء حتمي في حياة البشر ولا بد من الصبر والتحمل والرضا بالواقع . لكن هناك آلام أخرى تعترض حياة الإنسان وهي ظلم الإنسان لأخيه الإنسان من خلال غدر أو وشاية أو تحقير أو ازدراء ، وتأبى النفس الإفصاح عنها أو حتى الإشارة إليها ، تأخذ بتلابيبه وتزرع الخيبة في لحظاته ، فيحاول جاهدا ابتلاع مرارتها ومحاولة تقليص حدتها ، يبحث في خبايا الإحساس عن يمٍّ ليبتلعها ، لكن هيهات ؟ في ذات كثير من الناس لحظات آلام حزينة ، تمتلك مشاعره ، ويجترها طيلة حياته ، فتدمع العين خفية لأن البوح بها قد يخلق المتاعب ، ويضاعف الألم ، ويكسر الحدود ، ويزرع الأشواك ، ولا يصلح في مثلها لذوي النفوس المرهفة إلا الصمت . وعلة ذلك هو اختلاف المنشإ والتربية اللذين يقودان المرء نحو البوح أو الكتمان لسر دفين،وابتلاع الألم أو إظهاره لأحلك اللحظات،والقدرة على الصمود أو الانهيار،ومحيط المرء بجزئياته وكلياته بمضامينه وأشكاله هو الذي يحدد علاقته بنفسه وبغيره ، فيجعله مسالما قانعا ، أو مشاكسا معاكسا ، أو بطلا مغوارا ، أو حاقدا متمردا . وإطلالة على كُتاب وإعلاميي عصرنا تزكي القول السابق ، فمنهم من فتح الباب على مصراعيه لقلمه في البوح عن مكنونات النفس بكل جرأة ، من خلال المذكرات والقصص والروايات والمقالات ، لدرجة أن تساوت في نصوص بعضها قيم الفضيلة ومساوئ الرذيلة ، وتسلقت البذاءة القمم ، وانسابت الميوعة وتفاهة الكلام عبر الجمل والسطور والصفحات ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وجدت متعاطفين ومؤيدين من الذين اعتبروا ذلك طفرة في الإبداع الأدبي وتحولا مطلوبا في الكتابة ، لأنها تعري واقعا جديرا بالمعرفة وبالمعالجة ؟ أو كنافذة تطل على مكمن الداء فيسهل الدواء ؟ لكن يظل السؤال مطروحا : هل من سبيل آخر لمداواة جروح النفس ؟ ذلك أن خط المسير عند الإنسان يجمع بين لحظات عسيرة وأخرى طيبة ، وظروف متمنعة وأخرى مواتية ، وهو يواكب ألوانا من معاناة ظلم الإنسان لأخيه الإنسان لن تتوقف إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .