مؤشرات محاولات تبخيس العمل السياسي للأحزاب الوطنية التاريخية وعلى رأسها حزب الاستقلال، أصبحت خيوطها تتضح يوما عن يوم، خصوصا بعد بروز حزب الأصالة والمعاصرة بالأسلوب والشكل الذي عاشه جميع المغاربة، وبالطرق التي تؤكدها الوقائع منذ نشأة هذا الحزب الأعجوبة المؤهل ليسجل في كتاب غينيتس للأرقام القياسية، أنه جاء ليفرض وصاية على المشهد السياسي من خلال الإمكانيات الضخمة التي وضعت رهن إشارته وسلطة النفوذ المطلقة التي يتحرك بها بعض قيادييه، وتحكمه في الكثير من القرارات في الوقائع التي عشناها جميعا خاصة بعد استحقاقات 2009 الجماعية وما تلاها من انتخابات للمكاتب الجماعية، ومجالس العمالات والجهات وكان فيها الوافد الجديد القديم يضرب بالقانون عرض الحائط، ولا يزال مستمرا إلى اليوم. ومن خلال متابعة بعض المنابر الإعلامية، وبعض المحسوبين على الباحثين أو المحللين يظهر أن مسار إعلان حرب مكشوفة على العمل المهم للأحزاب الوطنية التي أسسها أبناء الشعب ولم تخرج من رحم الإدارة، ومن بين تلك المؤشرات ما أصبحنا نقرأه ونسمعه من غياب دور هذه الأحزاب عن القيام بواجبها بخصوص قضية وحدتنا الترابية، ولعل حلقة برنامج حوار الأخيرة كانت إحدى نماذج هذه المؤشرات ولأن التاريخ لا يمكن محوه بجرة قلم، ولأن التاريخ محدد أساسي وفاصل مهم في معرفة الحقائق، فإننا بدورنا يمكننا أن نتساءل وبكل وضوح ما الذي قدمه هؤلاء « الباحثون» المهووسين بحب الظهور في التلفزة لهذه القضية، وكم أطروا من الطلبة الذين كانوا مسؤولين عن تدريسهم، وكم عمل ساهموا فيه على مستوى علاقاتهم الدولية في مجال اختصاصهم إذا كانت لديهم فعلا هذه العلاقات، وهي نفس الأسئلة التي نوجهها لبعض الإعلاميين الذين يدخلون في خانة المنتقدين السلبيين، وإذا كان هؤلاء لم يتابعوا مسارات كفاح هذا الشعب في بناء الديمقراطية، وفي معارك تنظيمات الأحزاب الوطنية عبر تنظيماتها الشبابية التي كانت دوما حاضرة بقوة في كل اللقاءات الدولية للدفاع عن الوحدة الترابية كما كانت حاضرة بقوة في المعارك السياسية الكبرى لإقرار الديمقراطية الحقيقية المبنية على النزاهة و المصداقية،معتمدة على إمكانيات مناضليها الذاتية وقوة إيمانها بالقضية ، ويمكن أن يعود هؤلاء إلى المهرجانات العالمية للشباب الديمقراطي منذ مهرجان موسكو مرورا بمهرجانات كوبا ،وكوريا الشمالية، والجزائر، وفنزويلا إلى المهرجان المقبل بجنوب إفريقيا، ليعرفوا ما حققته هذه الأحزاب عبر مناضليها من مكاسب لبلادنا رغم أن الوفد المغربي ظل يشكل أقلية الأقليات، وربما في تاريخ هذه المهرجانات سيكون وفد هذه السنة من أكبر الوفود السابقة، نقول لهؤلاء الباحثين أن يعودوا إلى الوقائع التي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الاضطراب الكبير الذي خلقه وفد المنظمات الشبابية بموسكو في عهد الاتحاد السوفياتي بكل ما يعنيه آنذاك كقوة سياسية وهو يواجه الآلاف المؤلفة من التنظيمات الموالية للانفصال ، ورغم كل الاستفزازات والتهديدات التي وصلت حد التهديد بالتصفية الجسدية، نجح الوفد بأعضائه القليلون جدا في خلق الحدث وتوجيه صفعة مؤلمة للمرتزقة ومن يدعمونهم آنذاك في المعسكر الشرقي ، ونقول لهؤلاء عودوا إلى وقائع بيونغ يونغ بكوريا الشمالية التي كان لي شرف الحضور في مهرجانها ضمن وفدنا الشبابي المغربي ، حينما قمنا بمحاصرة فلول المرتزقة، وأربكنا حكام كوريا الشمالية الذين لم يتوانوا في إرسال تعزيزات عسكرية مسلحة لمواجهة الوفد المغربي القليل العدد، وحضر الوفد الجزائري بكامل أعضائه الذين فاقوا 400 عضوا لفك الحصار عن المرتزقة، وسجلت الصحافة الدولية آنذاك هذا الموقف الصارم للوفد المغربي، الذي كان من نتائجه تقليص العديد من البرامج التي كانت مخصصة للمرتزقة، وبحث السلطات الكورية الشمالية عن تهدئة للوضع خاصة وأنها كانت تحمل شعارا موازيا لشعار المهرجان يقول»كوريا واحدة»، وهي النقطة التي استغلها الوفد المغربي بذكاء ليعبر عن استغرابه من كون كوريا تدعو لوحدة الكورييتين وتريد المساهمة في تفتيت وحدة المغرب، ونقول لهؤلاء عودوا لوقائع مهرجان كوبا التي تحتضن 1600 طفل من أطفال مخيمات العار بتندوف ، والتي واجهناها بالوثائق والوقائع التي تثبث تورطها في تهريب هؤلاء الأطفال، والسهر على تدريب المرتزقة ، والتأثير الذي خلقه موقف الوفد المغربي على وقائع افتتاح المهرجان الذي ترأسه الرئيس الكوبي فيديل كاسترو، وكان الوفد يتشكل من 12 عضوا فقط من شبيبات الأحزاب الوطنية ، وحوصرنا من طرف الكوبيين بكل أنواع الاستفزاز التي لم تنل من العزيمة الفولاذية لوفدنا المسلح بالإيمان بقضيته، قبل أن يحاول الكوبيون التخفيف من صدمة الوثائق الدالة التي وزعناها آنذاك على مختلف الوفود الشبابية العالمية، ونقول لهؤلاء عودوا لوقائع مهرجان الجزائر الذي قدم فيه الوفد الشبابي المغرب أروع صور التحدي للمؤامرات الجزائرية التي ابتدأت بإعلان التلفزة الجزائرية عن غياب المغرب عن المهرجان لحظة وصوله لمطار الجزائر العاصمة، إلى المعركة الشرسة التي عرفتها ردهات ملعب 5 نونبر بالجزائر العاصمة ، بين الشابات والشباب المكونين للوفد المغربي من المنظمات الشبابية، والمرتزقة والتي تدخل فيها كوموندو من الجيش الجزائري لحماية المرتزقة والاعتداء على الوفد المغربي، إلى تلك الصورة المعبرة عن كرم الضيافة في عقلية حكام الجزائر، الذين وزعوا قنينات بلاستيكية على الحاضرين بالملعب ليرمى بها الوفد المغربي خلال استعراض الوفود تحت أنظار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وضيوفه من العالم، والتي لم تزد الوفد المغربي إلا إصرارا على التحدي والمواجهة المكشوفة بإحراج الجزائر ورئيسها بشعارات دالة أربكت أركان المخابرات الجزائرية وحساباتها، هذا المهرجان الذي انتهى بالاعتداء البشع الذي تعرض له بعض أعضاء الوفد المغربي وأصيب البعض منهم بكسور خطيرة، وهي الأحداث التي أدت لاتخاذ قرار ملكي سامي بإرسال طائرة خاصة للجزائر لنقل جميع أفراد الوفد المغربي الذي أعلن انسحابه احتجاجا على ذلك الاعتداء، وتكلف جلالته حفظه الله شخصيا بعلاج المصابين آنذاك ورعايتهم . وإذا كانت هذه وقائع مختصرة لنضالات كثيرة أدت فيها الأحزاب الوطنية عبر مناضلاتها ومناضليها، ومنظماتها الشبابية وظيفتها الوطنية كاملة وبقناعة ، وتحدت قلة الإمكانيات ، والتعتيم الإعلامي المقصود آنذاك على هذه المعارك السياسية، فإن هناك أمثلة كثيرة في مؤسسات أخرى حقق فيها مناضلو الأحزاب الوطنية مكاسب للبلاد في صمت ودون بهرجة، مثل قطعهم الطريق على المرتزقة في المؤتمر التأسيسي لاتحاد طلاب وشباب المغرب العربي بمدينة بنغازي في ليبيا ، وتجميد عضويتهم التي كانت أساسية في اتحاد الشباب العربي، وتنظيمات أخرى ، إضافة لدينامية المنظمات الشبابية الوطنية وفي مقدمتها الشبيبة الاستقلالية داخل أروقة المكتب التنفيذي للفيدرالية الدولية للشباب الديمقراطي. ونعتقد جازمين أن قضية الصحراء المغربية باعتبارها قضية وطنية حولها الإجماع لا يمكن أن نخضعها لمنطق الحسابات السياسوية الضيقة، ولعل نتائج مخيم العيون درس من الدروس الذي علينا استيعابه بعمق حينما يحاول طرف ما أن يجعل من قضية الصحراء المغربية ورقة لكسب موقع سياسي، أو إظهار قوة نفوذ لا يملكها على أرض الواقع، كما أن الكثير ممن يحلو لهم تقديم الدروس للأحزاب الوطنية في قضية الصحراء المغربية، وفي الديمقراطية، وغيرهما عليهم أن يختاروا بين أن يساهموا بوضوح في المجال السياسي ليفيدونا بقدرتهم على التأطير، أو أن يكتفوا بمجالات بحثهم التي قد يفهمون فيها أكثر مما يفهموا في السياسة، وكما يقول المثل المغري» اللي كال العصيدة باردة يدير يدو فيها». [email protected]