في منتدى فاس حول تحالف الحضارات :الزعيم علال الفاسي من الرواد الذين لا يؤمنون بالوطنية العاطفية أو التهريجية أوصى منتدى فاس حول تحالف الحضارات والتنوع الثقافي في موضوع « الدبلوماسية الدينية والثقافية في خدمة الأمن والسلام العالميين دورة علال الفاسي» بإيلاء الأهمية القصوى للنهوض بجامعة القرويين العريقة لما تمثله من رمزية في تاريخ المعارف الإسلامية. وأكد هذا المنتدى الذي نظم أيام 4/5/6/2010 بمدينة فاس تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس وبدعوة من المركز المغربي المتعدد التخصصات والدراسات الإستراتيجية والدولية والجماعة الحضرية لفاس ومؤسسة علال الفاسي وبتعاون مع عدة شركاء مغاربة وأجانب، على أهمية الدبلوماسية الدينية والثقافية كعناصر مكملة للدبلوماسية الرسمية. وناقش منتدى فاس الذي اختتم أشغاله ببرقية ولاء وإخلاص رفعها إلى مقام جلالة الملك وحضره العديد من المفكرين والأدباء والمثقفين ورجال السياسة في خمس ورشات العديد من المواضيع، كالنقد الذاتي كعنصر محدد في العلاقات الدولية الجديدة: أعمال علال الفاسي كمرجعية، ودور العمل الدبلوماسي في العلاقات الدولية، ومكانة الدبلوماسية الدينية والثقافية في العلاقات الدولية المعاصرة ودور المجتمع المدني في التقريب بين الشعوب والدبلوماسية المشاركة في خدمة السلم والأمن العالميين. عبد الكريم غلاب، عضو مجلس رئاسة حزب الاستقلال: الحركة الوطنية لم تكن حركة تلقائية أو عشوائية وإنما كانت منظمة فكريا بسم الله الرحمن الرحيم باسم مؤسسة علال الفاسي ورئيسها الأخ امحمد بوستة الذي اعتذر لأسباب صحية عن عدم مشاركتكم هذا الحفل البهيج والقيم، وأقدم الشكر والثناء والمتمنيات للمشرفين على المنتدى الذي أحسن اختيار موضوع هذه السنة عن لقاء الحضارات، حيث جعل هذه الندوة باسم المرحوم علال الفاسي، ومن يمكن أن يكون صاحب هذه الندوة غير علال الفاسي، وهي الندوة التي تتحدث عن لقاء الحضارات، وعلال الفاسي كان رائدا في الموضوعين معا، لأنه ابن هذه المدينة العظيمة والممتازة. وأية مدينة يمكن أن تتحدث عن لقاء الحضارات غير مدينة فاس، التي عرفت في تاريخها الطويل والمديد لقاء الحضارات عن طريق علمائها في جامعة القرويين وعن طريق الجهود التي بذلها رجالها في لقاء الحضارات خاصة بين رجال الديانات. وكان علال الفاسي في مقدمة من عملوا على لقاء هذه الحضارات وعلى التمييز بين هذا وذاك وفي الجماعات الإسلامية والشيعية والسنية على الأخص. وامتازت مدينة فاس بجامعة القرويين التي كانت أول جامعة أسست في العالم والتي راعت الثقافة الإسلامية والعالمية، وراعت كذلك لقاء الحضارات، فأمها كثير من المسلمين وكثير من غير المسلمين، ودرس فيها كثير من المسلمين وغير المسلمين، ودرست فيها كذلك كثير من العلوم الإسلامية وغير الإسلامية، وكانت منارة في الغرب الإسلامي، بل في العالم الإسلامي أجمع. وهذه المدينة الممتازة لاتزال صامدة حتى الآن في أوج الأعاصير وقدمت الكثير ولازالت تقدم، ليس لبلاد المغرب فحسب، ولكن لغير المغرب من البلاد العربية والإسلامية. وهذه المدينة يجب أن تكون منطلقا للقاء الحضارات، ونحن اليوم نعيش في عالم مضطرب، وكدت أقول عالما آخر مضطرب وهي كلمة اخترتها ووظفتها في أحد مؤلفاتي الأخيرة. عالم مضطرب رغم ما يبدو على ظاهره وسطحه من هدوء إلا أنه يخفي العاصفة التي هي الاضطراب الفكري والسياسي والاقتصادي. وما أدراك ما الاضطراب الاقتصادي وكذلك الاضطراب الإنساني، الذي يحتقر فيه الإنسان ويذل رغم شهود العيان من ملايين البشر في الدول المتقدمة أو المتحضرة سواء في أمريكا أو في أستراليا أو في آسيا. والواقع أن عالمنا هذا عالم مضطرب، والاضطراب لا يمكن إلا أن يكون نتيجة سوء الفهم لحضارات العالم. وقد عاش العالم عصورا من الاضطرابات الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعنصرية، ولكن كل هذه الاضطرابات، يعتقد أن عالمنا اليوم قضى عليها وانتهت إلى غير رجعة، ولكن جذورها ما تزال قائمة حتى الآن، والشاهد على ذلك ما نراه في فلسطين وأفغانستان وفي العراق وفي كل أنحاء العالم من اضطرابات مدمرة. وأقول مدمرة وهي كلمة قليلة في حق هذا العالم الموجود الآن تحت نيران المدافع وتحت الخوف والرعب من أن تنشأ حرب أخرى مدمرة أكثر، حرب نووية. وهذا الاضطراب لا يمكن الخروج منه إلا بلقاء للحضارات، يرعاه العلماء والمثقفون لأن هذا دور العلماء والمثقفين يجب أن يقوموا به في كل أنحاء العالم. ولا يجب أن يتراجعوا أمام السياسيين أو العسكريين أو الاقتصاديين، ويجب أن تكون هناك كتلة من المثقفين لتنقذ عالمنا اليوم وتنقذ الإنسانية من الدمار الذي ينتظرها وما ذلك إلا بلقاء الحضارات. ونحن نؤمن كمسلمين بالحضارات الإسلامية العربية، نؤمن بجميع الحضارات العالمية التي توجد منذ القدم، كما نؤمن بتلاقي هذه الحضارات العالمية. وقد عمل علال الفاسي كما قلنا على لقاء هذه الحضارات. وللتبشير بإذابة جذور الخلافات بين اليهود والنصارى وبين المسلمين وغيرهم، وقلت إن جامعة القرويين كانت في مقدمة الجامعات التي أنشئت في العالم من أجل إشاعة الفكر المتقدم والمتحرر الذي ينادي بالحرية الفكرية والعقلية والعمل من أجل بقاء الإنسان أولا والعلاقات الإنسانية مع المتدينين وغير المتدينين ثانيا. وكان في جامعة القرويين علماء وطلبة غير مسلمين، ودرست فيها علوم أجنبية، وهناك من جاء من العديد من الدول كسويسرا وغيرها للدراسة بجامعة القرويين. وقد اتسع صدرها لتقبل هؤلاء الطلبة من غير المغاربة ومن غير العرب، وهذه الجامعة قرأت عنها قريبا أن الدراسة تعرف فيها تراجعا، وهذا يحزنني ليس لأنني أبن هذه الجامعة ولكن هذا يحزن التاريخ. وجامعة القرويين يجب أن يعود لها متنها العلمي والتاريخي، وذلك من مهمة أساتذتها وعلمائها والنخبة، ولابد أن ينهضوا للدفاع عن جامعتهم، ولابد أن يتكتلوا لبعث النور في جامعة القرويين ولتقديم برنامج إنقاذها لجلالة الملك، ونعتقد أن جلالته سيرعى هذا الإصلاح، حتى تعود منبرا للعلم والعلماء، ومنبرا للدراسات الإسلامية ومنبرا كذلك للفكر المتحرر سواء كان معربا أو غير معرب. أعتقد أن القرويين هي جزء من حضارة هذه البلاد. وإذا كنا نسعى للقاء بين الحضارات والقرويين منعدمة، فسنسعى وجزء منا منعدم، وهذا لا يليق بالمغاربة أجمعين، ولذلك أدعو مرة أخرى إلى التكتل للدفاع عن جامعة القرويين، وكثير من المثقفين يقولون إن الجامعات الحديثة أصبحت تغني عن جامعة القرويين، وهذا ربما كان خطأ لأن الجامعات لا تغني إحداها عن الأخرى، فكل منها يقوم بدوره العلمي وبجهوده في تطوير الفكر الإنساني أولا والوطني ثانيا. وعلال الفاسي في قبره لا يقبل ولا يرض أن تكون جامعة القرويين، التي رعاها طالبا وأستاذا، في انتظار مستقبل لا يعرف أحد كيف سيكون. ولذا أؤكد أن إخلاصنا لدور هذا الزعيم الوطني يجعلنا ندافع عن جامعتنا ونطلب لها الرعاية والانبعاث من جديد. وكان علال الفاسي ابن القرويين، والكثير كان ينظر إلى القرويين في عصورها المتأخرة نظرة دونية،لكنها في الواقع أنجبت الكثير من النابغين والمناضلين ومن العاملين في سبيل العلم والوطن. وعلال الفاسي الذي تخرج من القرويين تخرج بفكر متحرر ومنطلق إلى الأمام وإلى المستقبل، قد بدأ منذ صغره مفكرا وانطلق من مفكر إلى وطني، فكانت حياته الوطنية منبعثة من تفكيره وتدل على هذا كثير من أشعاره الأولى، التي نظمها قبل الثلاثينيات وأثناءها. وكان متحررا فكريا ويعتقد أن المغرب لا يمكن إنقاذه من غير تطوير الفكر، ولذلك بدأت الحركة السلفية متقدمة على الحركة الوطنية، والحركة السلفية لا تعني الرجوع إلى الماضي البعيد فهي إحياء نضال السلف وإحياء حركة السلف للنهوض بالبلاد ولذلك كانت السلفية في مقدمة عملها هي الإشعاع الأول للحركة الوطنية. والسلفية كانت تقوم على القضاء على التخلفات الاجتماعية وعلى البؤس والفقر وعلى الجهل والدعوة إلى النضال، ولهذا كان معنى السلفية واسع جدا ولذلك انطلق فكر علال الفاسي وإخوانه من السلفية إلى الوطنية، إذ هناك فكر حركته الوطنية في هذه البلاد، والحركة الوطنية كانت من العقل والإحساس بضرورة الفكر من أجل العمل الوطني، ومعنى ذلك إخراج الشعب من الغفلة التي يعيش فيها أثناء الحماية وقبلها، وتوعيته لتحمل مسؤولية الاستقلال، لأنه لا يمكن أن تكون هناك مسؤولية وطنية بدون فكر متحرر وهذا هو نضال علال الفاسي والفكر المتحرر يستهدف التحرر الوطني وهكذا نجح علال الفاسي من الفكر المتحرر إلى الوطنية وكان يعكس الوطنية على الفكر المتحرر. وعلال الفاسي من الرواد الذين لا يؤمنون بالوطنية العاطفية أو الوطنية التهريجية أو الدعائية، ولكنهم كانوا يؤمنون بالوطنية العقلانية التي تسير في الطريق نحو الهدف الذي هو الاستقلال، ولا يمكن أن نصل إلى الاستقلال كما يقول علال الفاسي بشعب غافل عن معنى الاستقلال، وكلمة استقلال كانت ترعب الكثيرين من الذين خدرتهم الحماية، لأن عقلهم لم يتسع لقبول انقلاب خطير في ظرف 44 سنة من استعمار إلى استقلال، والمغرب ربما هو البلد الوحيد الذي لم يطل عمر الاستعمار فيه أكثر من 44 سنة وهذا نتيجة للفكر الذي سبق الوطنية التي كانت لا تسير بخطى عشوائية وإنما كانت تسير بخطى تنظيمية وتكتيكية وعقلانية من مقاومة الظهير البربري وإلى طالب الشعب المغربي تم إلى المطالبة بالاستقلال. والحركة الوطنية لم تكن حركة تلقائية أو عشوائية وإنما كانت منظمة فكريا والفضل في ذلك يعود إلى الذين قادوها وكانوا مفكرين قبل أن يكونوا وطنيين ثم أصبحوا وطنيين بالفكر لا وطنيين بالتهريج والفوضى هذا يجب أن نكون لنبني مستقبلنا لأنه أمامنا مسؤولية كبرى وهي وضع هذا الاستقلال في مقدمة أهدافنا وهو استقلال حقيقي اقتصاديا وتعليميا وفكريا وسياسيا وديمقراطيا وكتاب علال الفاسي ، النقد الذاتي، لم يكن كتابا ارتجاليا ولكنه كان كتابا تنظيميا بحضر لبناء مستقبل المغرب، لذلك حينما نقرأ فصوله نجد أنه يؤسس لنظام الاستقلال المستقبلي بفكر منظم، ويرجع ذلك إلى أن علال الفاسي كان مفكرا ومنظرا قبل أن يكون وطنيا وكان داعية للتفكير. والنقد الذاتي كتب سنة 1949 مجزء ونشر سنة 1950 قبل الاستقلال بخمس سنوات وكان علال الفاسي من خلال هذا الكتاب يتوقع الاستقلال، ويضع إطارا لهذا الاستقلال. ونعود إلى هذه الندوة التي نظمت بإشراف المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية وعمادة فاس ومؤسسة علال الفاسي، وقد نظمت لتجعل من فاس مدينة الدعوة للقاء الحضارات وحري بفاس أن نكون كذلك، ونعتقد أن فاس يجب أن تقوم بهذا الدور وسنستمر في ذلك إلى أن نصل إلى هدفنا وشكرا لكم. امحمد الدويري رئيس جهة فاس بولمان:بإمكان الدبلوماسية الدينية إخراج البشرية من ظلمات الغي إلى نور الفهم والصواب باسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وعلى آله وصحبه حضرات السفراء والوزراء إنه لمن دواعي الغبطة والسرور أن تشرف جهة بولمان في شخص رئيس مجلسها للمرة الرابعة على التوالي على افتتاح فعاليات منتدى فاس حول تحالف الحضارات والتنوع الثقافي وكذا الشعور بالفخر والاعتزاز في مدينة فاس العريقة باستمرارية هذا المنتدى لما يحققه من إنتاج للفكر وترسيخ ثقافة السلم والسلام والأمن والآمان وتعزيز التحالف بين الثقافات والحضارات. حضرات السيدات والسادة، أصبح مفهوم الحوار بين الحضارات والثقافات من المفاهيم والمواضيع الأكثر تداولا في السنين الأخيرة بسب الأزمات التي طبعت عصرنا الحديث بالصراعات الاجتماعية والدينية والعقائدية، ولما أخذه هذا الحوار من تعاريف تجاوزت كثيرا دلالته المعجمية المعروفة. فالحضارة والثقافة ليستا أمرا واحدا، فخلط الثقافة بالحضارة يدفع إلى تحويل جميع الفوارق الاسمية اللغوية، الإثنولوجية إلى فوارق حضارية ويقود هذا الخلط إلى تعسف في استخدام المفاهيم رغم أنه في جل الحواضر الكبرى تعايش في العقود الماضية المسلمون والنصارى واليهود وغيرهم في بيئة واحدة، فحميت الكنائس والبيع كما حميت المساجد واستفادت من العهود والمواثيق التي أبرمت بين المسلمين وغيرهم من اتباع الديانات السماوية. إن الاصطدام الحضاري لن يكون حول الأنبياء والرسل، بل على سوء توزيع الثروة والقوة فهناك 20 بالمائة من ساكنة العالم فقط تنعم في ظروف الدول المتقدمة والهوة تزداد اتساعا بين الأغنياء والفقراء، وحسب تقارير المؤسسات الدولية يعيش 3 ملايير من سكان العالم بأقل من دولارين في اليوم ومليار و200 مليون بأقل من دولار واحد في اليوم أي في عتبة الفقر المطلق، وهناك مليار ونصف من الساكنة لا يتوفرون على الماء الصالح للشرب، كما أن سوء توزيع الغنى في العالم الذي أصبح يتفاحش يوما بعد يوم مع هيمنة العولمة على شكلها الحالي والذي يزيد من درجة السخط والغضب ويؤجج العنف والصراعات الإثنية والعرقية، ومن هنا تأتي قيمة منتدى فاس لهذه السنة حول الدبلوماسية الدينية والثقافية في خدمة السلم والسلام العالميين، ولا غرو أن تنظيرا وتقنينا محكما في هاته الدبلوماسية ليخرج البشرية من ظلمات الغي إلى نور الفهم والصواب. حضرات السيدات والسادة: ليس من قبيل الصدفة أن تحتضن مدينة فاس مثل هذا الحدث فهي من أقدم الحواضر العالمية، شاهدة على التاريخ وعلى تلاقح الحضارات العالمية والتمازج عبر مختلف العصور. وقد لعبت هذا الدور منذ إنشائها، فالرمزية التاريخية لفاس كما قال جلالة الملك محمد السادس نصره الله يوم 15 أبريل 2008 بمناسبة الاحتفال بذكرى مرور 12 قرنا على تأسيس مدينة فاس، قال جلالته» فالرمزية التاريخية لفاس لا تنحصر في كونها شاهدة على عراقة حضارتنا ولكن باعتبارها أيضا منارة للإشعاع العلمي والروحي مضاهية كبرى العواصم العالمية بعمرانها ونشاطها التجاري والاقتصادي ومهارات صناعها ونخبها الثقافية والعلمية المتميزة بالاجتهاد والإبداع في سائر العلوم والفنون ومن بينها العلوم الدينية» انتهى كلام جلالة الملك. وقد اكتسبت مدينة فاس مكانة متميزة بفضل احتضانها لأول جامعة في العالم وهي جامعة القرويين التي شيدت منذ 11 قرنا ونصف ولعبت هذه الجامعة دورا طلائعيا بفضل إشعاعها الروحي والثقافي في الشرق والغرب. ومن جهة أخرى كلكم تعلمون أنه تكريما لمدينة فاس واستجابة لطلب جلالة الملك محمد السادس نصره الله أن أول قرار اتخذه الاتحاد من أجل المتوسط المحدث سنة 2008 من طرف 43 دولة، 27 دولة أوربية و16 دولة مطلة جنوبا وشرقا على البحر الأبيض المتوسط وهو إنشاء جامعة اورو متوسطية في مدينة فاس والتي ستعمل على استقبال وتكوين النخب من الطلبة والأساتذة المرموقين الوافدين من مختلف جامعات العالم وتحقيق التقارب بين الشعوب وإشاعات روح السلام والتسامح بين الناس. حضرات السيدات والسادة. إن كل هذه المعطيات تؤكد من جهة أخرى صواب اختيار منظمي المنتدى لإعطاء هذه الدورة اسم دورة علال الفاسي لأن غالبية هذه الأفكار التي تناولناها هي متطابقة مع روح فكر الزعيم علال الفاسي الذي ازداد في مدينة فاس واستقى فكره من جامعة القرويين وهذه مناسبة نتذكر فيها دور الزعيم علال الفاسي في بناء الأسرة الإنسانية الواعدة والتقريب بين الشعوب والنظريات العلمية في مختلف المجالات والتي لاتزال نورا يوجه الفكر المعاصر ليس فقط في المغرب ولكن كذلك في العالم العربي والإسلامي. ولذا اشكر المنظمين لهذا المنتدى على تسميتهم هذه الدورة بدورة علال الفاسي وعلى رأسهم أخونا الشاب الدكتور عبد الحق العزوزي رئيس المركز المغربي للدراسات الإستراتيجية والدولية وفي الختام أتمنى لكل ضيوفنا الكرام مقاما طيبا في مدينتهم فاسالدوحة الغراء ولمؤتمرنا النجاح والتوفيق والسلام عليكم ورحمة الله. حميد شباط عمدة مدينة فاس: شخصية علال الفاسي ثرية وقائمة على أصول لا تحور ولا تحول قال السيد حميد شباط عمدة فاس في كلمة الافتتاح لمنتدى حول تحالف الحضارات والتنوع الثقافي في موضوع»الدبلوماسية الدينية والثقافية في خدمة الأمن والسلام العالميين، دورة علال الفاسي إن مدينة فاس تفتخر وتعتز أن ينضاف هذا اليوم إلى أيامها التاريخية المجيدة، حيث تجتمع في أحضان العاصمة الروحية للملكة المغربية منارة شامخة وبارزة في عالم الفكر والثقافة والدين والحضارة من مختلف قارات المعمور. وخاطب الحضور موضحا أنهم جاؤوا بغض النظر عن الخلفية الدينية أو الفكرية حاملين لواء المعرفة رافعين رسائل السلم ملوحين بتحية المحبة والإخاء، وأكد شباط أنهم جاؤوا جميعا بهذه القيم الإنسانية العالمية إلى منبع المعرفة والسلام والمحبة والإخاء إلى أم الفضاءات العالمية على وجه البسيطة، إلى جامعة القرويين العامرة، لإحياء الرحم مع تاريخها المجيد وعطاءاتها المتواصلة وتجديد العهد على مواصلة إشعاع قيمها الإنسانية المثلى. ولم يخف في كلمته الافتتاحية أن فاس برمتها إنسانا وعمرانا وحضارة ونبراسها القرويين تبتهج بحضور هؤلاء السيدات والسادة وتنتعش بوفداتهم وتزهو بتشريفهم، ولسان حالها يقول حللوا أهلا وأقموا سهلا، وفي نفس الوقت الجميع بفاس متعطش لعطاءات الذين حضروا المنتدى الفكرية الثرية لتقوي مسيرتها الإشعاعية. وأضاف أن فاس يزداد شعورها تأثرا وعمقا حين اختار منتدى تحالف الحضارات والتنوع الثقافي أن يجعل من أحد أبناء فاس البررة وخريجي جامعة القرويين العلامة زعيم التحرير علال الفاسي الشخصية المحورية لهذه التظاهرة الفكرية العالمية، هذا الرجل الذي رأى النور في عمق المدينة القديمة بفاس وبالضبط بدرب الهكار بحومة العيون. وللإشارة فقط فإن هذا الاسم ليس غريبا على سكان المغرب، فبفاس حومة العيون وبشرق المملكة مدينة العيون وبصحرائها حاضرة العيون. وقال عمدة فاس إن علال الفاسي بزغ من هذه التربة الطيبة ومن أسرة متواضعة ولكنها عالمة لتنطلق رحلته رحمه الله في مختلف أبعادها التعليمية والفكرية والتوعية والسياسية والنضالية والجهاد في مواجهة كل ما يمس الدين والوطن، متحديا ذلك بصبر مضني كل أنواع الاضطهاد و التعذيب وما تزخر به المحاكمات الصورية والسجون القاسية والمنافي البعيدة، وخلال كل هذه المراحل الصعبة كانت الخلفية الفكرية حاضرة بثبات وإصرار عند علال الفاسي، مؤرخا ومفكرا ومبدعا، ليتوج بذلك الزخم الإنتاجي العظيم المتعدد الأبعاد والمجالات والذي يحمل في رمته المشروع المجتمعي المتكامل عند سيدي علال، أساسه القاعدة الدينية وأهدافه إسعاد الإنسان في مختلف مجالات حياته. وأشار أنه قيل الكثير عن شخصية سيدي علال الفاسي، كما كانت هذه السنة التي تؤرخ لميلاده زاخرة ومتميزة في هذا الاتجاه. وما ينتظر هذا المنتدى يزداد قوة وثراء. واستحضر شباط من الآراء والأقوال حول الزعيم علال الفاسي والتي لا تعد ولا تحصى بعضها مما جاء في الكلمة السامية لجلالة المغفور له الحسن الثاني في الذكرى الأربعين لوفاة المرحوم علال الفاسي حيث قال رحمه الله، لقد أحسسنا كما أحس المواطنون .... بأن المغرب فقد باختفاء علال والتحاقه بالرفيق الأعلى أحد أبناء هذا البلد الذين أسدوا إلى وطنهم أعز وأنفس ما يسديه ابن بار ...إلى أن قال جلالته رحمه الله،... وشاء الله أن تتوثق عرى الصلات بيننا وبين الفقيد ويزداد التآزر والتعاطف في مرحلة دعم الاستقلال وتمهيد سبل التشييد والبناء وتيسير أسباب الازدهار والنماء، وكانت لهذه الصلات المستمرة باستمرار الأيام السائرة على سنن مضطردة من الاستحكام فضل كبير في توضيح وإبراز ملامح الصورة التي كانت انطبعت في الفكر والوجدان، ونحن إذاك من الشباب في الريعان وصار تقديرنا لعلال وإكبارنا لجهاده وإجلالنا لسعة عمله وعلمه وصواب تفكيره المسيرة التي تستنير كل وقت من الأوقات الالتقاء وكل خطوة من خطوات الاستنار والاستجلاء والتحليل والتقييم بنور جديد وهاج لأن شخصية فقيدنا شخصية جذابة، آخاذة، ثرية، سخية قائمة على أصول لا تحور ولا تحول حتى. انتهى قول المرحوم الحسن الثاني والفقرة غنية عن التعليق. ولم يكن من باب الصدفة اختيار الموضوع الرئيسي لهذا المنتدى، فانسجاما مع الخط الاستراتيجي لهذه المنتديات بارك بلوغها النسخة الرابعة وتناغما مع التوجهات الكبرى لشخصية سيدي علال كان من الطبيعي اختيار موضوع الدبلوماسية الدينية والثقافية في خدمة الأمن والسلام العالميين. وأوضح أنه ما أحوج الإنسانية اليوم إلى الاستقرار الاجتماعي والطمأنينة الروحية والفكرية ولا ولن يتأتى ذلك إلا بنبذ كل أنواع الحقد والكراهية والإرهاب وبالقابل مد جسور المحبة والإخاء والسلام واحترام الشعوب في معتقداتها ووحدتها الوطنية والترابية والعقائدية ومن بينها الشعب الفلسطيني البطل، لأنه يمثل هذه القيم الإنسانية التي كان يؤمن ويعمل جاهدا من أجلها سيدي علال رحمه الله وستضمن للإنسانية الطمأنينية والاستقرار اللذين يعتبران الركيزة الأساسية لكل تنمية شاملة تنشدها الإنسانية جمعاء. وعبر عن أمله بكل قوة حيث أكد تطلعه بكل حماس أن تجد لأشغال هذا المنتدى الموفق بإذن الله وما سيسفر عنه من مقررات وتوصيات بما فيها نداء فاس انعكاسه الإيجابي في المجتمع الدولي من هيئات رسمية ومؤسسات منتخبة ومجتمع مدني حتى ينخرط الجميع في مسار القيم النبيلة والمثل العظيمة التي نصبو إليها جميعا، كما أتمنى أن تدوي صرخات هذا المنتدى وأمثاله في آذان وضمير من لازال للأسف الشديد يعاند ويواجه الشعوب في معتقداتها والأوطان في وحدتها الترابية، كما هو الشأن بالنسبة للمغرب، هذه البقعة الطيبة التي قدمت ولازالت تقدم الشيء الكثير من أجل ترسيخ القيم الإنسانية انطلاقا من الإشعاع الفكري لجامعة القرويين العامرة إلى جسور المحبة والتسامح التي تشهدها مختلف اللقاءات والتجمعات الفكرية والاقتصادية والفنية الدولية لخدمة الإنسانية جمعاء، هذه البقعة الطيبة يتم التعامل معها اليوم للأسف الشديد ومع القضايا المقدسة من طرف بعضهم بنوع من النكران وبتصرفات منافية للقيم الإنسانية النبيلة، فالأمل كل الأمل أن يتم الابتعاد عن الحقد والكراهية والنأي عن ما يكدر الأجواء ويسمم العلاقات والاقتراب أكثر إلى ترشيح الحكمة والرصانة عملا بما أوصتنا به جميع الديانات السماوية والقوانين التشريعية والأهداف الإنسانية مصداقا لقوله تعالى»إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يأتيكم خيرا» صدق الله العظيم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.