يستفيق الرأي العام الوطني على أن مغرب الأمس أخطأ تقدير التعامل اللازم تجاه إسبانيا، التي منذ 35 عاما وهي تضمر لنا بشأن قضيتنا الوطنية موقف حياد مبطن بسوء النوايا، إذ تعاملت حكومات بلادنا المتعاقبة بسخاء مبالغ فيه مع الجارة إسبانيا، بالاستجابة للعديد من مطالبها دون جدوى، لتكون محصلة ذلك سرابا في سراب، وخاصة في عهد الأحزاب اليمينية الفرنكاوية الاستعمارية العنصرية، علما بأن طالما نادت منابر وطنية بتغيير هذه السياسة الحكومية السخية لكن اتهمت بالرؤية القصيرة وضعف البصيرة. ويبدو بأن تنطبق علينا اليوم مقولة «كم من نقمة في طيها نعمة» بشأن أحداث العيون الأخيرة، حيث بعدما كان الجيران بالأمس يكيدون لنا من الخلف في السر وبشكل غير مباشر، يفتضح أمرهم اليوم في العلن وبشكل مباشر، حيث تورط النظام الجزائر بإيفاده لنا جحافل من العائدين المكونين في ثكناته وكومندوهات مكلفة بمهمة التخريب عابرة للحدود أمام أعين قوات المينورسو مدججة بالخبرة والسلاح الأبيض، سقط البعض منهم اليوم في قبضة العدالة المغربية ويتم التحقيق معهم، كما تورطت إسبانيا في واضحة النهار حينما بعثت لنا نشطاء سياسيين مناصرين للبوليساريو تحت غطاء نشطاء مجتمعها المدني، حاملين معهم أثناء حلولهم بمطاراتنا ما يلزم من المال والعتاد دعما لانفصالي الداخل في احداث الشغب بمخيم إكديم إزيك، وكذا بإرسال صحافييها العنصريين المفتقدين لأدنى مقومات الموضوعية الصحفية، دون إغفال تأييدها بالأمس لأميناتو حيدر قنبلة موقوتة بمطار العيون ومطاراتها الإسبانية أمام كاميرات العالم. لقد ضجرنا فعلا من جور الجار الذي تربطنا معه علاقات حسن الجوار ، حيث بالرغم من كل اتفاقياتنا الدولية مع إسبانيا فهي لم تؤازرنا في العديد من المواقف، سواء تجاه معاناة مغاربة تندوف المدنيين والعسكريين، أو تجاه عملية اعتقال وتعذيب المناضل الصحراوي مصطفى سلمى من طرف البوليساريو على الأراضي الجزائرية، أو تجاه طرد والد مصطفى ولد سلمى من مطار الجزائر، أو تجاه عملية ذبح أفراد قواتنا الأمنية على يد كومندوهات البوليساريو المدربة بالجزائر، بل افتضحت إسبانيا اليوم بزعمها بأن المغرب أصبح دولة محتلة مما يعطيها حق التراجع عن اتفاقية مدريد مع المغرب سنة 1975 المصادق عليها من طرف الأممالمتحدة القاضية بانسحابها كدولة استعمارية من أقاليمنا الجنوبية. إن جميع المغاربة مقتنعون اليوم، ملكا وحكومة وبرلمانا وشعبا، بأن من الواجب نقل بلادنا من مغرب التهدئة إلى مغرب التعبئة، بشكل تتم فيه تعبئة المواطنين بحقيقة الأمور، وخاصة بما تكيده لنا إسبانياوالجزائر في الداخل والخارج من تصعيد دبلوماسي، بعد فشلهما في مكيدة العيون وغيرها من المكائد، إن ظرفية الجوار الدقيقة والطارئة أضحت ظرفية توجب على وجه الاستعجال استنفار كل قواعدنا المدنية والعسكرية، وتجييش كل قوانا وقدراتنا لما يخطط له الخصوم من خطط جهنمية أخرى وما يهيئونه لنا مرة أخرى بمناطقنا الجنوبيةوالشرقية. إننا نجتاز مرحلة استنفار قصوى تشبه حالة حرب على نار هادئة مع الجيران، حرب سياسية ودبلوماسية قوية على مختلف المنابر الدولية، وحرب اقتصادية تروم تضييق الخناق على إقلاعنا الاقتصادي والتنموي الفتي، غيرة وحسدا مما شيده المغرب الحديث من مقومات بنية تحتية متطورة بكل أرجاء المملكة وخاصة بأقاليمنا الشمالية محفزة على الاستقطاب المتزايد لرؤوس الأموال بأراضينا عوض أراضي الجيران، مما جلب لنا تحرشات عدوانية من شأنها جرنا كرها إلى حرب ضارية مع الجوار، مخمنين بأن رائحة حرب بدأت تفوح من تلال وتخوم الواجهة الشرقية للمملكة، من خلال عملية فبركة لسيناريو مخدوم سيتم فيه دفع البوليساريو إلى حمل السلاح الجزائري ضد المغرب لتوقظ الشرارة الأولى للنزاع المغربي الجزائري لا قدر الله. إن المصلحة العليا للبلاد تقتضي اليوم الصرامة والحزم في تقدير الأمور بشكل لم يعد مسموحا معه الخطأ في التقدير، والانتقال السريع من سياسة التهدئة إلى سياسة التعبئة والتصعيد المباشر، بالتراجع عن المواقف المرنة أو مواقف «البين بين « وسياسة المهادنة والمجاملة غير المجدية مع إسبانيا، كنوع من النفاق السياسي غير المجدي مع بلد استعماري توسعي عنصري حاقد، والعمل على التعامل معها مستقبلا بسياسة الند للند دون مركب نقص. لقد آن الأوان للتصعيد السياسي والدبلوماسي ضد إسبانيا، باستدعاء سفير المغرب من مدريد قصد التشاور حتى وإن أدى ذلك إلى قطع العلاقات الدبلوماسية معها، وتحريك ملف المطالبة بسبتة ومليلية المحتلتين والثغور المحتلة أمام اللجنة الرابعة للأمم المتحدة لتصفية الاستعمار، والمطالبة بتعويض ضحايا حرب الريف من جراء استخدام الأسلحة الكيماوية في عشرينيات القرن الماضي أسوة بما تطالب به الجزائرفرنسا تعويضا لها على التجارب النووية الفرنسية بالصحراء، وتسوية ملف تهجير المورسكيين وغيرهم من المسلمين المقيمين جنوبإسبانيا، والتعويض عن الأضرار التي أصابت المغاربة المجندين كرها في الحرب الأهلية الإسبانية، وعدم تجديد اتفاقية الصيد البحري مع إسبانيا، وتوقف المغرب عن القيام بمهمة شرطي حدود إسبانيا في ميدان تهريب المخدرات والهجرة السرية، وقطع الإمدادات الحيوية لسلطات سبتة ومليلية على مستوى المواد الغذائية والموارد الحيوية كالماء والكهرباء، ومقاطعة البضائع الإسبانية، بل الذهاب قدما إلى دعم مطالب مناضلي الباسك وكاطالونيا بشأن ما يطالبون به من حقوق حيوية أساسية من النظام الإسباني الحالي، دون إغفال تعجيل التنسيق مع القوى الإسلامية السنية والشيعية لمكافحة الحرب الصليبية التي يشنها الحزب الشعبي الأوربي والإسباني على الإسلام والمسلمين والعمل على الاصطفاف بجانب المغرب في حربه ضد الغطرسة الإسبانية العنصرية. إن الحرب الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية والأمنية مع إسبانيا انطلقت شرارتها الأولى، مما ينبغي معه مراجعة العديد من ضوابط سلوكنا الداخلي والخارجي، استدراكا لما فات واستعدادا لما هو آت، حيث أن قضية الدفاع عن الوطن لم تعد قراراتها محصورة على وزارات السيادة بمفردها، بل منذ أمد بعيد ومنذ المسيرة الخضراء والمسيرة المليونية بالبيضاء أضحت قضية شعبية تستلزم تخليق مشهدنا السياسي والإداري والبرلماني والدبلوماسي، وتتطلب تسريع وتيرة الإصلاح السياسي والدستوري من أجل تقوية الجبهة الداخلية وترصيص صفوفها بعد تمييع المشهد السياسي الداخلي بفاعلين غير ديموقراطيين ،كل هذا من أجل مواجهة ظرفية دقيقة وصعبة، مرحلة انتقالية ستكون قنطرة عبور إلى مغرب ديموقراطي قوي مهاب الجانب من طرف الجيران والمنتظم الدولي.