مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري،لم تزل تغرس الفسائل،وتضع الصوى،وترسي العلامات. طريقها الذي تنهجه تعرفه،هوشاق،لكنه لاحب،يشف عن الهدف،ويقرب من الغاية. في المرحلة الثانية عشرة من سفر المؤسسة الميمون،حط الركب في باحةسراييفوالفيحاء،إجلالا لحرمةالمكان،وتنفيساعن الجرح الفاغرفاه في حالك الأمس. سراييفو شمس منتصف الليل، قدس أوربا، برزخ الشرق والغرب، ملتقى المساجد والكنائس. بسنا الركن والزاوية،وملءالحناياالعيون الزرق التي تعودت على التحديق في الشمس،فلم يكن لبريقها أن ينطفئ،ولا لأهدابها أن تسقط. سراييفو قامت من بين الأنقاض،أقوى على الانقضاض،تلقي بثقة بنفسهاإلى الأمام،في موجبات الوجود، وممكنات الحدود،هازئة بالغادرين. سراييفو ليست قطعة جنوبية في الشمال، وليست فجوة عميقة في تضاريس الأورال. سراييفو نسق قيم مختلف، وجه حضاري متعدد، ونموذج ثقافي متنوع. مثل هذاالتميزلايرضى النزعة الأحادية التسلطية وإن أدى ذلك إلى الابتزاز،بل إلى التدمير. إن الثقافة باعتبارها وجها للحوار بين الجوار،تساهم في قبول الآخر، وتبني السلام، وتسهل التوافق.أما العجرفة الثقافية التي لاتسمح لغيرها بالحق في الوجود،فليست حاجة نفسية ولاضرورة روحية ولا تجسيدا لهوية أصلية. عندنا نحن الجنوبيين ليست الثقافة راحة في واحة،وإنما هي استعذاب عذاب لايمكن الفرار منه وتحمل عبء لايمكن التخلص منه. إنها فرصة استنهاض قيمنا في مواجهته الصورةالفولكلورية والعجائبيةالتي نمطنا فيهاالغرب.إنهاجنة في وجه استهداف العقول والإرادات وأسباب النهوض. ومثل هذا الطموح هو من أهداف انعقاد هذه الدورة في العاصمة البوسنية سراييفو. لقد وفقت مؤسسة جائزةعبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري ? كماكان من قبل ? في حصر الندوة الأدبية في إبداع الشاعرين خليل مطران ومحمد علي ماك دزدار،وفي حصر الندوة الفكريةفي موضوع الحوار والتعايش بين الشعوب والأديان . خليل مطران شاعر مسيحي في أمة مسلمة،ومحمد علي ماك دزدار شاعر مسلم في قارة مسيحية، ،وكلاهما عانى من وطأة الاحتلال ولم يستكن إليه. «النائم الحجري»عند دزدار ليس نائما تحجر، وإنما هونائم تحت الحجر.من ثم فهو مشروع قيامةوإمكان بعث. النائمون تحت شواهدالقبورسيبعثون لامحالة وفي عجب الذنب منهم سورة وصولة. يقول محمدعلي دزدارفي ديوانه النائم الحجري: سوف تجيء ذات يوم على رأس رتل مسلح من الشمال وتدمرمدينتي وتحيلها دبشا قائلا لنفسك هاهي الآن دمرت وسويت بالأرض ورفعت عهد إيمانها الكافر لكنك بعد ذلك سوف تدهش لسماعك لي أمشي وسط المدينة من جديد أطاردك خلسة من جديد... أما مطران فهو مثله في أمله وتحديه،كلنايذكر صرخته المدوية في وجه المستبد حيث يقول: شردواأخيارهابراوبحرا واقتلواأحرارهاحرا فحرا إنما الصالح يبقى صالحا آخرالدهرويبقى الشر شرا كسرواالأقلام،هل تكسيرها يمنع الأيدي أن تنقش صخرا قطعواالأيدي،هل تقطيعها يمنع الأعين أن تنظر شزرا أطفئواالأعين،هل إطفاؤها يمنع الأنفاس أن تصعد زفرا إن هذه الدورة وهي تضيف إلى الشاعرين مزيدا من التكريم، ومزيدامن التخليد،تستوحي روحيهما باعتبارهمانموذجا للوعي الناهض،والقلب النابض، والعقل القابض. حيث إن قبول الاحتلال العقلي يضمن التبعية حتى بعد انتهاء الاحتلال العسكري وقبول اختراق السيادة الثقافية يوسع من الفجوة التفاهمية التي يجب أن تنبني على الاعتراف المتبادل في الحق في الخصوصية.وذلك ما تحملت الدورة الارهاص به والبحث فيه. * جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس