ذات يوم وقعت مع آخرين محضرا لتكوين جمعية أصدقاء مكتبة الإسكندرية، تلك المعلمة التي تشغل حيزا في ذاكرة المنطقة، وعادت لتكون منارة ثقافية متوسطية. وحينما زرت المكتبة الوطنية الفرنسية بباريس، علمت بوجود تنظيم مماثل، يلتف فيه جمع من الشاعرين بضرورة تقديم الدعم المعنوي لتلك المنشأة. وحبذا لو أنجزت مبادرة مماثلة في شكل جمعية لأصدقاء المكتبة الوطنية بالرباط، التي أصبحت بعد الانتقال إلى مقرها الجديد تملأ حيزا في الحياة الثقافية للعاصمة. وأكثر من مجرد تزكية رمزية، أرى أن يكون من أهداف الجمعية تعبئة الجهود لتقديم الدعم المادي الكفيل بتعزيز قدرات المكتبة و مؤهلاتها. ذلك أن هذه المنشأة في حاجة إلى إغناء رصيدها باستمرار، وإلى تصوير المخطوطات المنتشرة في مختلف أركان الخريطة الوطنية، ومتابعة الجهد لاسترداد الوثائق المغربية المنتشرة في مختلف أنحاء العالم، وإنجاز سجل كامل بما تنتجه الجامعات المغربية سنة بعد أخرى من أبحاث أصبحت تضيق بها مكتبات الكليات، حيث وقع التخلص من المخزون في بعض الحالات. كما تدعو الحاجة إلى إعداد فهارس محتويات مختلف المكتبات الخاصة، والحصول على الأبحاث الجامعية ذات العلاقة بالمغرب المنجزة في الخارج، بما في هذا وذاك الفنون بمختلف تعبيراتها. وهذه العمليات تتطلب خاصة في مرحلة أولى، اعتمادات أكبر مما يمكن أن تقوى عليه الميزانية العادية للدولة، ومما هو مخصص عادة لوزارة الثقافة. فالأموال العمومية لن تقوى على تأمين الإغناء المستمر للرصيد المطلوب تكوينه، وهو يزداد تنوعا من حيث أصناف الإنتاج ودعامات النشر. وبالنظر إلى خصاصنا الكبير فإن المطلوب هو عملية إنقاذ شاملة وحثيثة، آن الأوان لإنجازها لاستدراك ما فات من الوقت. يقول لي الباحث المغربي، خالد شقور، وهو من الطاقم المؤطر لمكتبة ميتران بباريس، إن المكتبة الوطنية في أي بلد، أصبحت اليوم، ثالث رموز تقدم بها الدول نفسها للعالم، إلى جانب العلم الوطني والنشيد الوطني. وقد انخرط المغرب في هذا التوجه حينما خصص في 1998 بالأسبقية اعتمادات هامة لبناء مقر ملائم للمكتبة الوطنية إلى جانب متحف الفنون الجميلة. وأضيف إلى ما سبق إنشاء المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، وإصدار تشريع للأرشيف الوطني. إن الاستثمار في هذه المجالات يتطلب حشد الحماس الضروري لكي يقبل ذوو الأريحية على المساهمة بما يكفل عملية تدارك التراث الوطني بمختلف تعبيراته، فضلا عن تدابير جبائية تهدف إلى إعطاء الاعتبار للكتاب، وتكثيف عملية الرقمنة، وصولا إلى تأهيل المرافق التي تتعهد الرصيد الرمزي للأمة برقمنة مآت الآلاف من الوثائق و الكتب النادرة، وصيانة المخطوطات وما حكمها من محفوظات مهددة بالانقراض. إن المكتبة أصبحت بمثابة مركز للأبحاث ومرفق لتنشيط الحياة الثقافية إلى جانب دورها التقليدي. وأختم برقم معبر. في ميزانية السنة القادمة خصصت فرنسا ما لا يقل عن 750 مليون أورو، فقط لمتابعة الرقمنة. 17 أكتوبر 2010