ساهم أحمد أبو طالب عمدة مدينة روتردام في فعاليات الاحتفاء بالذكرى 400 للعلاقات الاقتصادية بين المغرب وهولندة التي احتضنتها مدينة الدارالبيضاء قبل أيام. وكانت هذه الفعاليات مناسبة لتوقيع اتفاقية بين روتردام والدارالبيضاء للتعاون في مجال الماء وتدبير المياه غير المعالجة. فضلا عن تبادل الخبرات بين مسؤولين مغاربة وهولنديين في عدد من المجالات. العلم التقت عمدة روتردام وأجرت معه الحوار التالي. وأحمد أبو طالب عمدة لروتردام منذ 5 يناير 2002 وعين حين كان يشغل منصب وزير الشؤون الاجتماعية والتشغيل، ليكون بذلك أول عمدة من أصل عربي ومسلم يدير شؤون مدينة هولندية 45 في المائة من سكانها من أصول أجنبية، ولد أبو طالب في 29 غشت 1961، وهاجر إلى هولندة وهو ابن الرابعة عشرة، انخرط في العمل السياسي في الحزب العمالي الهولندي. س: كيف هي طبيعة العلاقات بين المغرب وهولندة، وما هو تعليقكم على بعض الملاحظين الذين يرون تقدم العلاقات السياسية على حساب المجالات الأخرى؟ ج- أولا أؤكد بدون تردد أن العلاقات بين البلدين في تطور، فالمغرب وهولندة يتقاسمان 350 ألف نسمة من المهاجرين المغاربة، وهم موجودون في كل المرافق الحيوية بالمجتمع الهولندي، في الأدب والشعر والهندسة، وفي مراكز تسيير شؤون المواطنين، في دواليب السياسة والبرلمان، وعلى مستوى الأقاليم والبلديات. وأظن أن هناك إرادة واسعة من طرف الحكومتين لتعميق وتوسيع هذه العلاقات مستقبلا، لأنه كما قلت هناك رصيد بشري من 350 ألف شخص يجمعنا، وهؤلاء أعتبرهم سفراء فعليين لكلا البلدين. فيما يخص تفوق الشق السياسي على حساب ما هو ثقافي واجتماعي واقتصادي في العلاقات المغربية الهولندية، فهناك شرح تاريخي لهذا المعطى، فقد كانت للمغرب تجربة طويلة مع المجتمع الفرنسي بحكم فترة الاستعمار، وتولدت عنها علاقات طبيعية في منتصف القرن الماضي وبعده مع فرنسا، بحيث ينفتح المغاربة منذ حداثة سنهم على الثقافة الفرنسية واللغة أيضا، ونسبيا بدأ الانفتاح على الأنجليزية وخصوصا في الفضاء الجامعي، لكن في اعتقادي أن اللغة الفرنسية قد تشكل عائقا في الانفتاح المعمق على ثقافات أخرى تتعدى دول جنوب المتوسط، وهذا لا ينفي وجود طلبة هولنديين يأتون للمركز الثقافي الهولندي للتعمق والتعرف على الثقافة والسياسة بالمغرب. وأذكر هنا أن ابنتي تخرجت في العلوم السياسية في هولندة وأنجزت أطروحتها حول تطور الديمقراطية في المغرب، وهي تنتمي للجيل الثاني حيث ازدادت في هولندة، ولم تكن لديها معلومات وافرة عن المغرب فأرادت أن تعمق هذه المعلومات وهي ليست الوحيدة، فهناك الآلاف من الشباب الذين لهم هذه الرغبة، وهذه الرؤية عن المغرب، ومستقبلا، سنستقل مجموعة من الطلبة التقنيين من المدرسة المحمدية للمهندسين كي يجروا تدريبا في روتردام، وهكذا شيئا فشيئا نبني العلاقات البشرية والثقافية، ولا أنسى المهرجان السنوي للسينما المغربية الذي تحتضنه بلدية روتردام، وهو فرصة أيضا ونافذة لمواكبة تطور المجتمع المغربي. س: ما مدى نجاح اندماج المغاربة في المجتمع الهولندي، هل من معيقات في هذا المجال؟ ج: قضية الاندماج واسعة النطاق، وهناك سياسة واضحة من طرف الحكومة الهولندية لمساعدة الأجانب من أجل الاندماج في المجتمع لغويا، وولوج كل المرافق الحيوية من تعليم وشغل وسكن، وإذا قمنا بمقارنة بين سكن المهاجرين الأوائل في الستينيات من العقد الماضي مع جودة السكن حاليا، يكون الفارق شاسعا، فالسكن اللائق يضمن حياة كريمة، وهناك دعم في الكراء إذا لم يستطع أصحابه تسديد كلفته. وفي هولندة، هناك حاليا ضمن الأدباء الكبار أديبان هما حفيظ بوعزة وعبد القادر بنعلي فيما يتعلق بالرواية الهولندية، فهما يؤلفان بشكل رائع وبأسلوب لغوي قديم، وهناك مغاربة يمتهنون التجارة والبناء، وآخرون يمارسون في مجال السياسة والهندسة، لكن هناك أيضا مغاربة يقبعون في السجون، وهذا نعده من السلبيات التي تؤرقنا حتى في المدينة التي أنا عمدة فيها، فهناك فئة من المغاربة تتعاطى الإجرام، ونحمد الله أنها تتناقص، فحاليا 5 في المائة من مجموع الإجرام بالمدينة محسوب على الجالية المغربية، وكان المعدل في السابق 10 في المائة، وهذا الانخفاض مصدر تفاؤلنا في المستقبل، لكن ضمن هذه الجرائم نجد أنواعا خطيرة مثل استعمال العنف والسلاح الأبيض. لذلك هناك منجزات للجالية المغربية نصفق لها، وهناك سلبيات نأمل تلاشيها مع المستقبل. س: ماذا عن علاقة المجلس الأعلى للجالية المغربية المقيمة بهولندة؟ ج: حقيقة ليس لي رأي في هذا المجال، فالمجلس الأعلى للجالية المغربية مؤسسة قائمة بذاتها، لها صلاحياتها ومجالات تدخلها، لكن لا تتوفر لدي معلومات وافية حوله، أحيانا تسنح لي فرصة الالتقاء ببعض المسؤولين حيث نتبادل النقاش حول الجالية المغربية. لكن ما أؤكد عليه هو ارتباطي ومسؤوليتي تجاه المواطنين بروتردام سواء من أصول مغربية أو غير ذلك، فأنا مسؤول عن حمايتهم وأمنهم وشغلهم وسكناهم، أما ما يتعلق بالسياسة المغربية تجاه المغاربة بالخارج فهو ملف السيادة وملف وطني مغربي . س: عبر عدد من الهولنديين عن افتخارهم بوجودكم على رأس عمدية روتردام، فما هي خصائص هذا النظام الجهوي هناك؟ ج: التجربة الهولندية تختلف نوعا ما عن منظومة العمدية في فرنسا، فهذه الأخيرة ممركزة، ونحن نعتمد اللامركزية بطريقة واسعة لدرجة أن قانون المدن يمنح المجالس المحلية وعلى رأسها عمدة المدينة الصلاحيات الكاملة في تدبير شؤون المواطنين دون تدخل الدولة بطريقة مباشرة، وأكثر من ذلك عمداء المدن الكبرى لديهم مسؤولية الأمن، فشرطة مدينة روتردام مثلا تبقى تحت تصرفي الشخصي، بل شرطة الاقليم ككل، إذن فاللامركزية أساس تسيير شؤون المواطنين، والمدن لها موارد خاصة، مثلا مدينة روتردام تملك 70 في المائة من ميناء روتردام ، وهي مساهمة في رأسمال شركة الإنارة وشركات أخرى، هذه الموارد نوظفها وفق معاييرنا المحلية دون تدخل من الحكومة المركزية، وعندما تريد الحكومة المركزية تحقيق عدد من الأهداف في إطار مسؤوليتها تطلب من المدن تنفيذ البرامج، وأذكر مقولة لعمدة طورنطو في لقاء كوبنهاغن حول المناخ والبيئة حيث قال: »لنترك الساسة يتكلمون، ودعونا نحن رؤساء المدن نعمل لصالح المواطنين«. وأظن أن هذا يجسد الفرق بين السلطة المركزية والمسؤولين محليا. وأعتقد أن المغرب رغم تجربة نظام وحدة المدينة الفتية يمكنه أن يخرج بنظام يوافق خصوصياته. س: تطرقتم في مداخلتكم إلى الدور الحيوي للماء وأهمية الموانئ، فما هي استراتيجية روتردام في هذا الموضوع؟ ج: مدينة روتردام توجد ستة أمتار تحت مستوى البحر، وإذا ما وقعت كارثة فإن مليون و200 ألف نسمة ستصبح تحت التهديد. لذلك فإن حماية مجالها بمختلف الطرق من أولوية المدينة. وهذا خولنا خبرة كبيرة في مجال الماء والبحر، لذلك فكل من يبحث عن معلومات حول الماء يجب أن يأتي إلى روتردام، وحاليا نحن نبني ميناء وسط المياه ليستقبل أكبر البواخر، فعمق الميناء بالمدينة هو 22 مترا، ولكن البواخر الجديدة تحتاج إلى عمق أزيد من 28 مترا، وفي المستقبل أي مشروع ميناء يجب أن يضع في اعتباره هذا العمق وإلا ستنقص حركة الملاحة البحرية لديه. والتوجه الاقتصادي الجديد يؤكد أن كل ما هو أزرق وأخضر سيكون ركيزة الاقتصاد في العالم. لهذا، لا يسعني إلا أن أنوه بتوجه المغرب نحو سياسة مينائية جديدة وتحسين فرص الملاحة عبر ميناء طنجة المتوسط وميناء الناضور غرب، فهذا سيفتح له آفاقا اقتصادية واعدة خاصة في الواجهة المتوسطية.