شارك الرئيس اللبناني السابق أمين الجميل في مؤتمر أحزاب الوسط الديمقراطي الذي احتضنته بمدينة مراكش بدعوة من حزب الاستقلال يومي 8 و9 من شهر أكتوبر الجاري. وأمين الجميل هو ابن السيد بيار الجميل وهو من مواليد 1942 كان رئيسا للجمهورية اللبنانية في الفترة من 22 شتنبر 1982 الى شتنبر 1988 وقد خلف أخاه البشير الذي اغتيل قبل تسلمه المنصب، وهو ينتمي لحزب الكتائب اللبناني. التقت العلم الرئيس السابق أمين الجميل الذي خصها بهذا الحوار الذي تحدث فيه عن الدور الكبير للمغرب في أمن لبنان بنية صادقه ودون أهداف سياسية أو تدخل في الشؤون اللبنانية منذ عهد المغفور له الحسن الثاني وإلى اليوم، كما أشاد بالتطور الذي يعرفه المغرب في الميادين الاجتماعية والسياسية. س: ماذا يمثل هذا المؤتمر وسياسة الاحزاب الوسطية بالنسبة لكم؟ ج: المؤتمر يلتقي مع كل ما يناضل من أجله المغرب العزيز ويجسد طموحات جلالة الملك والحكومة المغربية من أجل نشر الديمقراطية وفكر الاعتدال في العالم العربي. وتتقاطع أهداف المؤتمر أيضا مع كل الجهود التي يبذلها جلالة الملك محمد السادس من أجل التطوير ومواجهة جميع أنواع التطرف، ولا شك أن كل إنسان يزور المغرب يشعر بالتطور الكبير الذي حصل في المجتمع المغربي وذلك في كل النواحي الإنمائية والاجتماعية والانسانية بالذات، والتعاطي لقضايا المجتمع، واهتمام جلالة الملك بتطوير مكانة الاسرة المغربية، فكل ذلك يميز في الوقت الحاضر المغرب عن العديد من الدول العربية بالذات وإننا نشعر بهذا التميز في المغرب. س: اذا سمحتم السيد الرئيس لبنان البلد الشقيق والكبير تتفاعل فيه أحداث متتالية على المستوى الداخلي، فهو يعرف تجادبا سياسيا، كيف تنظرون الى مساهمة المغرب حكومة وشعبا في تمهيد الطريق نحو توافق لبناني شامل؟ ج: أنا اختبرت العلاقة اللبنانية المغربية في فترة الحقب الصعبة جدا في لبنان في وقت الازمات والتقاتل اللباني على أرض لبنان. وكنت على اتصال مع جلالة الملك الحسن الثاني آنذاك. وكان له رحمه الله أيادي بيضاء على لبنان، وكان الداعم الأول للبنان وللسلام والحوار في لبنان، وأنا أشهد بذلك وهذا يدل على مدى اهتمام المغرب بالوضع في لبنان وهو يمد دائما اليد الأخوية الصادقة للبنان وكان التعاطي المغربي للقضية اللبنانية بشكل تلقائي وبدون رغبة في التدخل أو السعي لكسب أي شيء من هذا الدعم. كان فقط مجرد الشعور بالمسؤولية العربية تجاه لبنان، وهكذا تعاطى المغرب دائما مع الشأن اللبناني. وأنا على يقين أن جلالة الملك محمد السادس هو على خطى والده فيما يتعلق بالدعم المجرد للبنان. ودائما في المحافل الدولية وجامعة الدول العربية المغرب يدعم سيادة لبنان ومساعي السلام والحوار. والمؤسف أن بعض التدخلات في الشأن اللبناني كانت تؤزم الوضع ولا تدعم المساعي الخيرة للمغرب في هذا المجال. وإننا على يقين أنه في معرض التشاور العربي بشأن الأزمة اللبنانية أن المغرب وحكومة جلالة الملك سيبذلون قصارى جهدهم للدفاع عن الحق اللبناني مثل دعم القرارات الدولية بشأن لبنان وهي قرارات غير مسيسة بل ترمي فقط للشرعية ونشر السلام في لبنان ومن هذه القرارات الدولية القرار 1101 المتعلق بجنوب لبنان والداعي إلى أمن واستقرار الجنوب اللبناني، وكذلك أمر المحكمة الدولية التي هي أمر أساسي تبقى في الوقت الذي يتعرض فيه القضاء اللبناني لشتى الضغوطات وبمنع من أن يقوم بواجباته وقد تطوع المجتمع الدولي وبموافقة الحكومة اللبنانية بالذات بكل أطرافها أن يساعد المجتمع في كشف الحقيقة في بعض الجرائم التي حصلت في لبنان منها اغتيال العديد من القادة اللبنانيين منهم الرئيس رفيق الحريري وولدي بيار وعضو سابق في حزب الكتائب النائب أنطوان عاني، فلابد من دعم هذه المحكمة الدولية المنزهة لأنها تضع حدا لهذا الاغتيال السياسي. وهذه هي المرة الأولى في لبنان التي يجرى فيها هذا النوع من التحقيق الجدي بخصوص هذه الاغتيالات ويتوقع أنه في الوقت المناسب سيحاسب القاتل والجاني، وهذا يشكل رادعا لمسألة الاغتيالات المتعددة والمتكررة في لبنان. وسيضع حدا لاغتيال السياسيين. وأن تعطيل المحكمة الدولية ستكون له عدة انعكاسات. أولا على صدقية مجلس الأمن الدولي ويعرض باقي القرارات الدولية لإنشاء محاكم أخرى في بلدان أخرى مثل رواندا أو يوغسلافيا وغيرها يعرض هذه المبادرات الدولية للفشل. كما يعصف بمصداقية أية مبادرة أو قرار آخر لمجلس الأمن الدولي فيما لو سقطت القرارات الدولية المتعلقة بالمحكمة الدولية في لبنان. وثانيا فإن تعطيل المحكمة الدولية يعتبر إجازة للقتل في لبنان وتشجيعاً أي كان أن يقتل طالما أنه لم يعد هناك أمل في معاقبة الجناة بأي شكل من الأشكال. وثالثا أن تعطيل المحكمة الدولية يعطل العديد من المؤسسات اللبنانية ويفقدها فعاليتها على الساحة اللبنانية. س. سيادة الرئيس مسألة المحكمة الدولية تثير الكثير من المخاوف عند بعض الأطراف اللبنانية نفسها من أن هذه العدالة الدولية تحدد المتهم وتصدر الأحكام حتى بشكل مسبق بالنطر إلى الخلفيات من أن قوات عظمى تحرك هذه القضية؟ ج: لا أظن أن كل هؤلاء القضاة من كل أقطار العالم لهم أية غاية أو أنهم يأتمرون بأي كان سواء كان لبنانيا أو فرنسيا أو عربيا أو أمريكيا أو غير ذلك، فمن غير المنطقي إطلاقا اتهام هؤلاء القضاء المنزهين الذين لاعلاقة لهم بلبنان ولاعلاقة لهم بالجريمة أساسا، وهم يتمتعون بصدقية وبمهنية عالية جدا. فهؤلاء لايمكن أن يحكموا حسب اعتقادي بعكس ضميرهم. ثم أنك تعرف من جهة ثانية أن من يحاكم وتصدر في حقة أحكام ويدعى أن المحكمة غير عادلة هو في نظري مثل التلميذ الذي يعلق سقوطه في الامتحان على الأستاذ الممتحن. وهذا شيء طبيعي، فكل شخص يخشى المحكمة يعمل على تعطيلها وعلى تشويه سمعتها. ومن غير المنطقي أن نفكر أن هؤلاء القضاة مسيرون أو يفتقدون الى الحد الأدنى من الضمير أو المهنية. ومن جهة أخرى فكل المحاكمة ستتم علانية وعن طريق المواجهة. وهناك نوعان من الدفاع، الأول تنصبه المحكمة بالذات ونظام المحكمة يوفر للمتهم وسائل الدفاع المستقلة تماما عن جهاز المحكمة، والدفاع موجود في نظام هذه المحكمة، وهو يتحرك تلقائيا للدفاع عن المتهم. ثم هناك الدفاع الذي يلجأ إليه المتهم نفسه، لذلك وبما أن المحكمة علنية فكيف يمكن تزوير الحقائق وان تكون المحكمة غير عادلة وغير مهنية، وهي تتوفر على كل هذه الشروط، فهناك المواجهة وكاميرات التلفزيون و المراقبون القانونيون وغير القانونيين . لذلك لايجب أن نفكر أن محكمة دولية بهذا الشكل يمكن أن تكون مسيسة وغير عادلة ومغرضة. فليس هناك أية مصلحة لأي قاض من هؤلاء القضاة في هذه العملية، وكل قاضي من هؤلاء حريص على سمعته. وكل هذا التهويل والمعارضة للمحكمة والمهاجمة الشرسة لها هي إذن مهاجمة سياسية خوفا من نتائج المحكمة أكثر مما هو شك بصدقيتها. س: تحدثتم سيادة الرئيس عن وجود تدخلات؟ ج: في السابق والحاضر س: هل لاتزال موجودة؟ ج : ما في ذلك شك. س: ماهي هذه التدخلات؟ ج: لا أريد أن أدخل في التفاصيل الآن فكل الناس يعرفون أن هناك تدخلات وافتراءات. س: ماهي تجلياتها؟ ج: انتشار السلاح بالشكل الموجود عليه مثلا ثم هناك تصريحات علنية مكشوفة وبعض الأشخاص لاينفون علاقتهم هنا وهناك س: هل تقصدون ايران أو سوريا؟ ج: أنا لا أريد وأنا خارج لبنان أن أتهم أحدا ولو كنت في أرض لبنان لتكلمت بحرية أكثر، في هذا الموضوع وأنا خارج لبنان، فعلي واجب التحفظ وما أريد أن أقوله أن هناك تدخلات وضغوطات وتحرشات وتهديدات يدركها كل مراقب للساحة اللبنانية بالعين المجردة. وقد بلغت الوقاحة بالبعض الى إعلان ولائه صراحة خارج الحدود اللبنانية. س: ألا تعتقدون أن اسرائيل حاضرة في المشهد اللبناني؟ ج: إسرائيل عدوة والمفروض أن تتوقع من العدو كل شيء، ولربما اسرائيل مسؤولة عن أمور عديدة بلبنان. ومواجهة العدو الاسرائيلي تكون بالوحدة الوطنية ورص الصفوف وتعزيز الشرعية اللبنانية، فبعض المبادرات في لبنان ترمي لتعطيل الشرعية اللبنانية، وهذا يخدم إسرائيل ومصلحتها. ومهما كانت الخلفيات والأسباب فإن المستفيد هو إسرائيل فمن المستفيد من الصراع بين حماس والسلطة الفلسطينية غير إسرائيل؟ وأظن أن التعاطي مع الشأن اللبناني والفلسطيني والعربي بهذا الشكل هو أكبر خدمة لإسرائيل. فإسرائيل عدو وهي تبحث عن أية وسيلة وأية ثغرة للاستفادة منها وتحقيق أعراضها لذلك علينا تحصين الساحة العربية واللبنانية لا أن نسترسل في إمعان تعطيل هذه المؤسسات، تعطيل البرلمان والقضاء والحكومة والاجهزة الأمنية هذه الأجهزة التي كشفت مجموعة من الشبكات الإسرائيلية في لبنان فهل نكافئها بهذه الطريقة؟ هل نكافئ هذه الأجهزة التي كشفت لأول مرة في تاريخ لبنان هذه الشبكة المخابراتية بهذه الطريقة حيث تعرضت لهجمات بعض اللبنانيين الذين يريدون تعطيل دورها وكأننا نعاقب هذه الأجهزة على عمل جيد قامت به. عندما كشفت هذا الكم من الجواسيس الإسرائيليين. فهذه القضية تجاوزت المنطق وكان البعض لايريد مصلحة لبنان، لأنه لايمكن لهذا البلدان أن تواجه إسرائيل بدون تقوية وحدته وتقوية شرعيته. ومن أهم الوسائل التي تحرج اسرائيل وتعزز الموقف اللبناني هي الدبلوماسية اللبنانية والشرعية اللبنانية في الأممالمتحدة وفي العلاقات الدولية، وتعزيز المؤسسات الوطنية، هذه هي قوة لبنان وكل ما سعى إليه البعض هو تعطيل هذه القوى وتعطيل المؤسسات اللبنانية. س: الآن سيادة الرئيس سؤال أخير إذا سمحتم أنتم تحضرون الآن اجتماعات الأممية الديمقراطية لأحزاب الوسط. كيف تنظرون إلى مثل هذه المواقع والمنابر في تفعل السياسة الموازية وتمتين العلاقات بين الشعوب والأحزاب؟ ج- هذا شيء طبيعي طالما أن هذا النوع من المنظمات لاتتعاطى أبدا مع شؤون الدول الخارجية ولا تحاول أن تنصب نفسها محل المؤسسات الشرعية بل هناك اجتماعات لبلورة أهداف إنسانية عامة، والعمل على تطورها بما يخدم الانسان فنحن في هذا الاجتماع تكلمنا عن الديمقراطية والمودة بين الشعوب وعن ضرورة التنمية ونشر العدالة وحقوق المرأة وعن أمور تهم الإنسان بمعزل عن الأمور الأخرى، وإلى كل ما يجمع الانسان بأخيه الإنسان وهذا شيء لايمكن أن تقوم به الدول، بل يمكن لهذه المنظمات أن تطورها وهذا شيء إيجابي جدا والدليل على ذلك وجود هذه الجماعة الكبيرة من القيادات الدولية. ولا اعتقد أن أحدا من هؤلاء المشاركين يريد أن يهيمن على الآخر أو أن يتدخل في شؤون الآخر، بل ان هذه التنظيمات هي وسيلة من وسائل تثبيت الديمقراطية واحترام الآخر وتعزيز المؤسسات الشرعية بكل دولة.