«.. وذكر فإن الذكرى تنفع المومنين» وإذن فمن باب الذكرى حتى لا نقول من باب اجترار الكلام نذكر المومنين، إن كان هناك مؤمنون، بأن اليوم فاتح أكتوبر هو اليوم العالمي للمسنين. يكفي أننا نتذكرهم هنا في المغرب في هذا اليوم بالذات.. ولنكون صرحاء مع أنفسنا نقول أننا نضطر مجبرين على تذكر شيوخنا وكبار السن عندنا في كل يوم فاتح أكتوبر من كل عام.. ثم نترك لهم كل الأيام الأخرى. نتذكرهم في مثل هذا اليوم مجبرين، لأننا مطوقون بتوصيات والتزامات دولية وخاصة القرار الذي اتخذته هيئة الأممالمتحدة في سنة 1989 بجعل فاتح أكتوبر من كل عام يوما عالميا للمسنين. نظرة تاريخية: إن القرار الأممي بتخصيص يوم عالمي للمسنين لم يأت هكذا اعتباطا أو لمجرد الاستهلاك فحسب، بل كان ثمرة نضالات مريرة وجهود كبيرة واقتناعا شاملا من لدن الجميع هيئات ومنظمات وحكومات وشعوب بالأهمية القصوى التي يمثلها المسنون والشيوخ ومدى الغبن الذي يرزحون تحت نيره بفعل الإهمال واللامبالاة. فقد اهتمت عدة هيئات تابعة للأمم المتحدة بمسألة الشيخوخة منذ سنة 1948 حين قدمت الأرجنتين إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع إعلان بخصوص حقوق الشيخوخة.. ليحال المشروع على المجلس الاقتصادي والاجتماعي. وفي سنة 1969 أدرج بند بعنوان «مسألة كبار السن والمسنين» في جدول أعمال الدورة الرابعة والعشرين للجمعية العامة بناء على طلب مالطا.. وفي سنة 1982 قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة إحداث جمعية عالمية لكبار السن.. وتم تعديل صيغة العنوان فيما بعد لتصبح «الجمعية العالمية للشيخوخة». وقد أبدت الجمعية العامة للأمم المتحدة خطة عمل فيينا الدولية بشأن الشيخوخة التي اعتمدتها الجمعية العالمية المذكورة.. وطلبت من الحكومات بذل جهود مستمرة لتنفيذ المبادئ والتوصيات الواردة في هذه الخطة.. وأعادت الدول المجتمعة في إطار الجمعية العالمية للشيخوخة تأكيد إيمانها بأن الحقوق الأساسية وغير القابلة للتصرف والمكرسة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنطبق تماما على المتقدمين في السن وأقرت أن نوعية الحياة ليست أقل أهمية من طول العمر.. وأنه، لذلك ينبغي تمكين المسنين من التمتع، قدر الإمكان وضمن أسرهم ومجتعاتهم بحياة تعمها الصحة والأمن والرضي وأن يجدوا التقدير باعتبارهم جزءا لايتجزأ من المجتمع. وقد أبدت الجمعية العامة للأمم المتحدة وجهة النظر هذه ودعت الحكومات التي تبنيها وتنفيذ التوصيات والمبادئ الواردة فيها المسنون في المغرب: وضع بئيس ارتأينا أن نتعرض للمقدمة التاريخية السابقة لنؤكد لمن يحتاج الى تأكيد بأن هناك إجماع دولي وأممي على أهمية الوضع الاعتباري للمسنين في كل المجتمعات، وأن هناك دعوة مفتوحة لكل الحكومات من أجل توفير وسائل الرعاية والعناية الاجتماعية والصحية والترفيهية للمسنين.. فماذا بشأن المغرب.؟ واقع الحال يفيد أن عدد الأشخاص المسنين أصبح يكتسي طابعا خاصا ومقلقا خلال السنوات الأخيرة نظرا للتزايد المطرد لأعدادهم والتي يبدو من خلال كل الوقعات والإسقاطات الديمغرافية سيتضاعف عدة مرات مابين 2010 و 2025. فماذا أعددنا لمواجهة هذا التحدي الاجتماعي الجديد؟ لاشيء في الأفق ما يوحي بأن الأمر يحظى بالاهتمام.. فقط هناك تنظير وكلام كثير ووعود عرقوبية.. فيما نرى جحافل المسنين والمتقاعدين ببلادنا ترزح تحت نير الإقصاء والتهميش والفقر والجهل والمرض. طبعا لاننكر أن هناك بعض الجهود والمحاولات الخجولة لتخطي هذا الواقع المرير من ذلك مثلا ما بادرت اليه لجهات المسؤولة بإحداث لجنة وطنية لرعاية الأشخاص المسنين.. وهي اللجنة التي انبثقت عنها ثلاث لجن فرعية هي: اللجنة الصحية، اللجنة الاجتماعية والترفيهية واللجنة القانونية حيث انكبت هذه اللجن على دراسة مختلف أوجه وجوانب الرعاية اللازمة لفائدة الأشخاص المسنين من أجل تسهيل اندماجهم داخل النسيج الاجتماعي. وللأسف ظلت مقترحات هذه اللجن كما هو الأمر دائما مجرد نوايا وأفكار جيدة دون أن يكتب لها النزول الى أرض الواقع. نضالات ومطالب إزاء هذه الوضعية ما انفك المسنون والمتقاعدون عبر جمعياتهم الجادة يرفعون عقيرتهم بالشكوى والدعوة إلى الاستجابة للمطالب العادلة المطروحة.. وخاصة على مستوى مراجعة نظام المعاشات، هذه الأخيرة التي أصبحت عاجزة عن مسايرة تكاليف المعيشة وارتفاعها المتزايد خاصة بالنسبة لذوي الدخل المحدود وذويهم من الأرامل والأيتام الذين يعانون الإهمال والإقصاء ومضاعفات الأمراض المرتبطة بسنهم. ويبدو لأول وهلة ان مطالب المسنين والمتقاعدين تكاد تكون واحدة مشتركة تصب كلها في بوتقة تحسين وضعيتهم المعنوية والمادية والزيادة في معاشات التقاعد والزمانة وإشراك المتقاعدين في كل حوار اجتماعي يعنيهم وترشيد خدمات الصناديق الاجتماعية التي أحدثت في الأصل من أجلهم وتوفير المصالح والهياكل اللازمة لمباشرة قضاياهم الإدارية وتقريبها منهم وتمكينهم من امتيازات تشعرهم بأن الوطن لم ولن ينساهم. هي إذن مطالب بسيطة ومشروعة لكن يبدو أن للمسؤولين المعنيين وجهة نظر أخرى.. ولعل أسوء ما في وجهة النظر هذه أنهم يرون في المسنين والمتقاعدين عبئا ثقيلا، ولذلك يحاول البعض منهم أن يصور لنا قضية التقاعد والمتقاعدين وكأنها وصلت إلى الباب المسدود، مما يترجم في الحقيقة الفشل الذي طال أنظمة التقاعد في المغرب وعبر المسؤولين عن ابتداع وابتكار حلول جذرية لمشكل تمويل صناديق التقاعد ووصول النقاش حول الموضوع إلى الباب المسدود. لكن لا أحد تساءل عمن كان وراء هذه الوضعية الكارثية التي وصلت إليها قضية التقاعد بالمغرب.. المؤشرات تفيد أنه كان هناك عجز وتقصير وسوء تسيير وتلاعب بأموال صناديق التقاعد.. وتفيد أيضا أن الأزمة في حقيقتها هي أزمة هيكلية وليست مادية.. وأن البداية يجب أن تكون بمراجعة الهياكل المؤطرةللقضية. وماذا بعد؟ يأتي فاتح أكتوبر اليوم العالمي للمسنين من جديد كمناسبة لفتح ملف عريض يسبقه سؤال أكثر عرضا يقول: «ماذا أعددنا للمسنين والمتقاعدين ببلادنا» ويأتي الجواب مدويا يفيد أن لا جديد تحت الشمس، ويكفي المسنين والمتقاعدين بالمغرب أنهم أصبحوا تحت المجهر في هذا اليوم الذي هو عيدهم الأممي.. وأن هناك كلاما كثيرا يقال بشأنهم، وندوات عديدة تنظم لمناقشة قضيتهم وأنهم أصبحوا في هذا اليوم فقط ملء العين والسمع قبل أن يطوى ملفهم غدا ليوضع في الرفوف المغبرة للإدارة. متقاعدو ومسنو المغرب مازال أمامهم مشوار طويل من الكفاح والنضال لإسماع صوتهم ومطالبهم.. وهم اليوم إذ يخلدون يومهم العالمي فإنهم يتطلعون بأمل إلى الغد الأفضل.. ويبدو أن هذا الغد الأفضل قد بانت تباشيره من خلال العناية المولوية الأخيرة حيث بادر جلالة الملك بتدشين دور للمسنين والعجزة.. في إشارة سامية إلى حاجة هذه الفئة إلى الرعاية والاهتمام المستمرين.. وهي إشارة نرجوأن تلتقطها بسرعة الأجهزة الحكومية المعنية وتجعل من فاتح أكتوبر لهذه السنة انطلاقة واعدة تكون في مستوى تطلعات رجال خدموا الوطن وأخلصوا له وينتظرون منه الشيء الكثير.