النفاق هو إظهار الإيمان وإخفاء الكفر، وهو ينشأ عن ضعف النفس وجبنها عن أن تصارح المجتمع بحقيقة معتقداتها. وهو ظاهرة قابلة للتكرر على هامش المجتمعات المؤمنة في كل زمان ومكان. وقد ظهر النفاق في مجتمع المدينة الذي أسسه النبي صلى الله عليه وسلم، وعانى عليه السلام والمومنون من كيد الجماعة المنافقة، وتصدى القرآن الكريم لتعرية حقيقة النفوس المنافقة، وحدد صفاتها حتى يحذر منها المومنون ولا يقعوا ضحية لها، وهذه بعض صفات المنافقين وهي: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف قال الله تعالى: (والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف). المنافق فاسد بطبعه، مفسد لغيره، لا يهدأ له بال حتى يرى المنكر شائعا في الناس. وهذا المعنى أخبر عنه القرآن في آية أخرى واصفا حال هؤلاء المفسدين مقلوبي الفطرة: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون) (النور: 19)، فهم لا يكتفون بالوقوع في الفساد والغرق في مستنقعات الرذيلة، وإنما يريدون للجماهير المؤمنة أن تسير في ركاب الفاحشة، من هنا كانت الدعوة إلى المنكرات، لأن من أحب شيئا دعا إليه. ومن هنا كان النهي عن المعروف والسخرية من الأخلاق الحميدة والاستهزاء بالعفة والطهارة. وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صفتين ملازمتين للمنافقين، فإن المومن يتصف بعكس هاتين الصفتين، فهو يأمر بالمعروف، ويحب الخير ويدعو إليه وينفر من المنكر وينهى غيره عنه، لأن ذلك من لوازم إيمانه قال تعالى: (والمومنون والمومنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويوتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله، إن الله عزيز حكيم) التوبة: .72 البخل لا يجتمع إيمان مع بخل في قلب رجل واحد، لأن البخل والإيمان متناقضان تماما. وإنما يجتمع البخل مع النفاق، وكلاهما ينتج الآخر، قال تعالى: (والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يامرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم)، وقبض الأيدي كناية عن البخل. وقال تعالى عن بعض المنافقين: (ومنهم من عاهد الله لإن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين، فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون، فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) (التوبة: 76 78)، والبخل يكون في المال أساسا ويكون في العلم، كما أشارت هذه الآية في سورة النساء: (الذين يبخلون ويامرون الناس بالبخل ويكتمون ما أتاهم الله من فضله واعتدنا للكافرين عذابا مهينا) (الآية 37). الكسل عن الصلاة قال الله تعالى: (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا، مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) (النساء: 142). المنافق في الحقيقة لا يومن بالله ولا باليوم الآخر ولا بصلاة ولا زكاة، فلماذا يصلي إذن؟ يصلي رياء، أي ليراه الناس، يصلي وإذا اختلى بنفسه لم يصل، وإذا خلا إلى إخوانه المنافقين لم يصل، هو يريد أن يخفي حقيقة كفره عن الناس. له في الصلاة أمام الناس مصالح قريبة يرجوها ومخاوف يتوقاها بالصلاة. أما أنه يصلي خوفا من الله وطمعا في فضله ورحمته فذلك أمر خارج من حسابه. وحقيقة الكفر التي يجتهد المنافق في إخفائها عن الناس تظهر أو يظهر جزء منها في بعض المواقف والأقوال. ومن هذه المواقف الصلاة... ذكر الله قليلا قال الله تعالى عن المنافقين: (ولا يذكرون الله إلا قليلا) يذكرون بألسنتهم قليلا حتى يراهم أو يسمعهم المومنون تفاديا لاكتشاف حقيقتهم. لذلك حض القرآن على ذكر الله كثيرا فقال تعالى: (يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا). احتقار المومنين قال الله تعالى عن المنافقين: (وإذا قيل لهم ءامنوا كما آمن الناس قالوا أنومن كما آمن السفهاء، ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون)، والسفه هو خفة العقل، فالمنافقون يعتقدون أن الصدق في الدين وأخذه بجد أمر ينافي العقل ولا يناسب إلا الجهلاء الفقراء، أما الأذكياء النجباء، فلا يناسبهم التدين، وإنما يناسبهم استغلاله والاحتيال عليه. التواطؤ مع أعداء الدين والسعي وراء الفتن قال تعالى: (وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قال إنا معكم إنما نحن مستهزؤون). ولا يرفع المنافق رأسه ويعلن عن نفسه إلا عندما ينشب الخصام بين المومنين، فيطرح نفسه مخلصا وناصحا أمينا، بينما هو ينفخ في نار الفتنة لتزيد اشتعالا، قال الله تعالى عن المنافقين: (لو خرجوا فيكم مازادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة، وفيكم سماعون لهم، والله عليم بالظالمين، لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون) (التوبة 47 48) والمعنى أن المنافقين لو خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم والمومنين إلى غزوة تبوك لم ينفعوا ولم يدفعوا شرا، وإنما هم الشر بعينه، لأنهم يثبطون الصفوف ويبثون الشائعات المغرضة ويحبون الفتنة ويكرهون اجتماع الكلمة وتوحيد الصفوف وراء القيادة الحكيمة، وقد سبق لهم تدبير المكائد وبثوا الأفكار المسمومة في إبطال الدين ولكنهم لم يفلحوا في النهاية. الحرص على إعلان الانتماء للإسلام قال الله تعالى: (ويحلفون بالله إنهم لمنكم، وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون). وقال تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله، والله يعلم إنك لرسوله، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) يخاف المنافق من المجتمع المسلم إذا اكتشف أمره، لذلك يحتاج دائما إلى تأكيد انتمائه للإسلام في كل مرة تحوم حوله الشكوك. الجرأة على الطعن في مقدسات المسلمين قال الله تعالى: (ومنهم الذين يوذون النبي ويقولون هو أذن، قل أذن خير لكم)، أذن معناه أنه يصدق بكل خبر يسمعه، يعني أنه ساذج مغفل، بينما المومن يمنعه إيمانه أن يتعرض بأذى للذات الإلهية أو للأنبياء أو الصحابة أو القرآن، أو أن يشكك في الجنة والنار وعذاب القبر والصراط وسائر المعتقدات القطعية في الدين، التي أجمعت الأمة على قبولها واحترامها. وأما المنافق فهو يستخف بكل تلك المعتقدات ويظهر في أقواله وأفعاله ما يؤذي مشاعر الموحدين. هذه بعض من صفات المنافقين كما تحدث عنها القرآن الكريم، يبقى أن نقول إن النفاق مرض يصيب النفس الإنسانية، يبدأ صغيرا ثم يستفحل فيصعب علاجه، لأن الله تعالى قال عن المنافقين (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون)... كما يبقى الأمل في الله كبيرا دائما في الشفاء من مرض النفاق كأي مرض، ويبقى باب الرحمة والتوبة مفتوحا لمن تاب، قال الله تعالى: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، ولن تجهد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله، فأولئك مع المومنين، وسوف يوت الله المومنين أجرا عظيما). والحمد لله رب العالمين. محمد المحفوظي