وصفه البعض بأنه واحد من بين أهم 100 شخصية على مستوى العالم في القرن الحادي والعشرين، وأنه أحد القيادات الروحية العالمية... ذلك هو طارق رمضان أستاذ الفلسفة والدراسات الإسلامية في جامعة فرايبورج وكلية جنيف بسويسرا، وهو أحد أهم الكُتاب حول واقع ومستقبل الإسلام والمسلمين في الغرب عمومًا، وأوروبا تحديدًا. أجرى معه مراسل إسلام أون لاين في فرنسا حوارا حول اجتهاداته وواقع المسلمين في الغرب وعلاقتهم بالعلمانية وسبيل خروجهم من الضغط والمحنة، وهذا نص الحوار مع تصرف يسير. أنتم تقودون تيارا تجديديا إسلاميا في الغرب، يدعو إلى ضرورة إيجاد خطاب إسلامي أوروبي.. فما هي أهم معالم هذا التيار؟ أود في البداية أن أوضح أمرًا مهما، وهو أن الإسلام عندنا واحد، والقيم الإسلامية واضحة وعالمية وشاملة، ولكن إذا تتبعنا العلوم الإسلامية نجد داخل أصول الفقه معلما مهما، وهو العرف الذي يحثنا على أن نستلهم من كل الثقافات ما لا يتعارض مع القيم الإسلامية. فمن الممكن أن نقول تبعا لذلك: إن هناك إسلاما إفريقيًّا مثلا من حيث الثقافة لا من حيث المنطلقات والمبادئ، أو أن نقول: إن هناك إسلاما أوروبيًّا بنفس الحيثية. غير أنه يجب أن نكون واعين بأننا -الذين نعيش في أوروبا- نعتبر أن هذا المكان وطننا؛ فنستلهم من الثقافة الفرنسية أو السويسرية مثلا ما لا يتعارض مع المبادئ الإسلامية؛ فهذا هو الباب الأول. أما الباب الثاني فينطلق من رفض مقولة الأقلية المسلمة؛ باعتبارها هامشا وحالة استضعاف، فأنا لا أوافق تماما مستعملي هذا المصطلح في نظرتهم للأقليات المسلمة؛ إذ إن الجالية المسلمة أقلية حقيقية من حيث عددها، ولكنها أغلبية من حيث مبادؤها التي تنادي بها، وأنا أقولها بكل صراحة: إن المسلمين الذين يعيشون في أوروبا لا بد أن يفهموا أنهم يمثلون أغلبية من حيث القيم التي يحملونها؛ باعتبارها قيما عالمية وشاملة، ولا تتعارض مع القيم التي نجدها عند الآخرين. ومثل هذا القول يلغي مقولة الأقلية والأغلبية، كما يلغي مقولة وجوب اندماج المسلمين في المجتمعات التي يعيشون فيها إلى مقولات أخرى، من قبيل: وجوب اندماج الثقافة الغربية في القيم الإسلامية؛ باعتبارها قيما إنسانية وعالمية. كل هذا يدعونا إلى التوقف عن الحديث عن الإسلام الأوروبي باعتباره إسلام الأقلية؛ إذ الحكمة ضالة المؤمن، ونحن كمسلمين أوروبيين مدعوون إلى الأخذ بكل القيم التي لا تتعارض مع النظرة الإنسانية للإسلام عن طريق فهم الواقع والتعامل مع البيئة بالنظرة الثاقبة. ألا تعتقد أن طرحا على هذا النحو في البيئة الأوروبية يفترض الحسم في إشكاليات ما زالت ترهق الفكر الإسلامي إلى اليوم، ومن ذلك: التوقف عن اعتبار العلمانية نقيضا للإسلام، كما يفترض الأخذ بمقولة المساواة المطلقة بين الجنسين، أي إن الأقليات المسلمة تحتاج إلى مراجعات فقهية وتنظيرات للمصالحة مع هذا الواقع الثقافي الجديد؟ طبعا هذا واضح ومطلوب؛ فبعض المسائل تحتاج إلى تنظيرات فقهية جديدة وفتاوى، ولكن قبل الخوض في مسائل التنظيرات التي تواجهنا في البيئتين (الأوروبية والأمريكية) يجب أن ننطلق من معطى أساسي، وهو فهم الوجود الإسلامي في أوروبا فهما صحيحا؛ إذ الأصل عندنا هو قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، فنحن هنا لنكون شهداء على الناس. وبناء على هذا الأساس، فأنا أسمي البيئة الأوروبية والأمريكية بدار الشهادة بدلا من دار الحرب ودار السلم، ودار الشهادة تعني أن نكون شهداء على الناس. المنطلق الأول في رأيي يبدأ من اعتبار أن هذه الأوطان بلادنا؛ فنحن أوروبيون وأمريكيون لنأخذ من بيئتنا كل الأشياء التي لا تتعارض مع الإسلام، أما بخصوص الأشياء التي يرى البعض أنها مناقضة للإسلام فلا بد أن نرجع فيها إلى الفقهاء وما تقوله العلوم الإسلامية، أو أن نأتي بفتاوى أو بوجهات نظر المصالح العامة للمسلمين، لكن كل هذا يجب أن ينطلق بعد فهم جيد للوجود الإسلامي في أوروبا. المنطلق الثاني هو عدم اعتبار أن هناك مشكلة قائمة بيننا وبين القوانين الغربية ولا مع العلمانية؛ إذ مشكلتنا الأساسية التي تواجهنا هي وجهة نظر الناس في الإسلام. فبخصوص العلمانية يجب أن نوضح للأوروبيين ولغيرهم أننا لا نخلط بين الأمور الدينية والأمور الدنيوية، وهذا الخلط ليس موجودا في الإسلام. فنحن عندنا فعلا العبادات والمعاملات، وإذا كانت العبادات تتمثل في العمل بمقولة لا اجتهاد مع النص؛ فإن المعاملات مبنية على الانفتاح، وتنطلق من مقولة الأصل في الأشياء الإباحة ما لم تقيد بتحريم. فهذه القواعد يجب أن نقولها للناس؛ إذ نحن نميز بين الأمور الدينية والأمور الدنيوية، ونأخذ من القرآن والسنة والتوجيهات والمقاصد في البابين، ونستثمر العقل في الأمور الدنيوية، وهو الأمر الذي لا يفهمه حتى- بعض المسلمين. إذن نستطيع القول بأن مشكلتنا في أوروبا ليست العلمانية، ولكنها سوء الفهم الشائع؛ إذ العلمانية في الغرب -على سبيل المثال- تعني فيما تعني حرية الرأي، وعندما نعود إلى أدبياتنا الإسلامية نجد أن الحرية أحد أهم مقاصد الإسلام؟ هل يمكن أن نفهم أنه لا يوجد تعارض نظري بين العلمانية والإسلام؟ أنا عندي أن بعض الغربيين وغيرهم يستعملون العلمانية بوصفها معبرة عن حالة اللادين، ونحن نقول: إن هذا الفهم غير صحيح، وهو فهم أيديولوجي يعادي الدين، ونحن نعود إلى المبادئ الأولية للعلمانية باعتبارها حرية الأشخاص فيما يخص حرية العبادة والتدين، استنادا إلى ظروف تاريخية لم نعشها نحن في حضارتنا الإسلامية؛ إذ إننا لم نعرف مفهوم العلمانية بما أننا لم نعرف في تاريخنا مؤسسة كنسية. وبالتالي فنحن نقول: إن العلمانية من حيث هي حرية التدين والاعتقاد معطى مضمون في الإسلام؛ إذ ليس لنا مشكلات في هذا الباب. أما من حيث حرية المعاملات فالأمر متروك للأفكار ومفتوح للاختلافات، وهي أمور من صلب الإسلام شريطة ألا نفهم العلمانية على أنها اللادين، ونفهم أن للدين دورا مهما في المجتمعات، على نحو ما يُقرّ به العديد من البروتستانت والكاثوليك واليهود الذين حاورتهم. فأنا كمواطن أوروبي مسلم، لدي قيم لا أعتقد أنها تتعارض مع العلمانية إذا فهمناها على وجهها الصحيح، بعيدا عن الفهم الضيق لبعض المثقفين في مصر أو تركيا على سبيل المثال. فالعلمانية التي جاء بها الاستعمار ليست العلمانية التي نجدها هنا في الغرب؛ حيث كانت العلمانية الاستعمارية ضد الإسلام، ولكن العلمانية هنا في أوروبا -باستثناء بعض المثقفين الفرنسيين- لا تقول إنها ضد الدين؛ حيث إن العلمانية في أوروبا تفرض التعايش وأن تكون الأديان حرة. هذا جيد، ولكن العلمانية أيضا بقدر ما تتيح من حرية التدين لأي إنسان فإنها تطرح أشكالا أخرى بالنسبة لمسلمي أوروبا، وهو أن يكون الدين شأنا فرديا؛ أي إلغاء البعد الجماعي عن الإسلام.. فماذا تقولون في هذه المسألة؟ طبعا هم يقولون هذا، ونحن نقول: إن الدين الإسلامي فردي وجماعي؛ حيث تساعدنا المبادئ الإسلامية على تنظيم المجتمع. فالمشكلة لدى العديد من المسلمين أنهم يفهمون جماعية الإسلام على أنها تعني الدولة والهياكل السياسية، ونحن نقول: إن الأصل هو أن جماعية الإسلام تساعد على التعايش بين الناس والمواطنين والأديان. ونحن نؤكد على أهمية المسألة الفردية؛ انطلاقا من أن الدعوة الإسلامية في منشئها كانت فردية، وانطلاقا من قوله تعالى: (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا). فنحن نأخذ من القيم الإسلامية ما يساعد على توجيه المجتمع، وليس الفهم الكنسي الغربي الذي يتسلط على المجتمع؛ فيمنع الحوار ويمنع الحرية؛ إذ نقول نحن: إن القيم الإسلامية تأتي من الفرد وتوجه المجتمع، ولكن بالحرية الفردية وبالفهم الصحيح ومن داخل المجتمعات وليس من فوقها أو بالتسلط عليها، كما فعلت الكنيسة. وأنا كمواطن فرنسي أو سويسري أو إنجليزي مثلا أقول: يجب ألا آتي بالمواطنة وأقول أنا مواطن فرنسي أو سويسري أو إنجليزي فقط، وإنما عليّ أن أقوم بالفعل الاجتماعي. فالمفترض أن آتي بقيم تساعد المجتمع، وهذا التقديم ينطلق من القيم الإسلامية، والتاريخ الإسلامي يساعدنا على ذلك. إن مسلمًا بمثل المعالم التي رسمتها في أوروبا من المفترض فيه أن يطرح العديد من المطالب جانبا، خاصة ما يتعلق بمطلب تطبيق الشريعة الذي يمثل محور تفكير دول وجماعات وأفراد من المشر إلى المغرب.. أفلا ترى أن مطلب تطبيق الشريعة في الغرب ليس له معنى؟ لا، بالعكس، فإن له معنى! إذ إني في كتابي الأخير المعنون بمسلمو الغرب ومستقبل الإسلام، وفي أول فصل فيه وهو عن الشريعة قلت: إن الشريعة ليس لها علاقة فقط بالفقه أو الحدود، فأنا حين أقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأبدأ بالصلاة فأنا إذن أطبق الشريعة في قلبي، وأطبق الشريعة في المجتمع، وأطبق الشريعة في بيتي. وأنا كمواطن غربي أحترم القيم الإسلامية، وألتزم بالقوانين الغربية؛ فأنا أطبق الشريعة، ولكن بالفهم الشامل وليس فقط بالحدود. وما أردت قوله هو أن تطبيق الشريعة يعني أن يكون مجتمعي أكثر عدلا وأكثر احتراما للإنسان، وهو ما نجده في المقاصد الخمس للإسلام التي هي: صيانة الدين والعقل والأموال والأنفس والنسل. أنا أقول الآن: إنه في أي مجتمع يمكن للإنسان فيه أن يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله مع التزامه بالقوانين، دون أن يكون هذا الالتزام ضد دينه، عندها أستطيع القول بأننا بدأنا تطبيق الشريعة، ولكن بفهمها الشامل وليس بالفهم الضيق الذي يقصرها على الحدود. ألا تعتقد معي أن مثل هذا الفهم غير موجود لا عند مسلمي الغرب ولا عند مسلمي الشرق، وأن المراد من وراء هذا الطرح هو في الحقيقة الدعوة إلى ثورة داخل التفكير الإسلامي؟ هذا هو عملنا الآن، فأنا كنت في سنغافورة، وقبلها زرت المغرب والأردن، وأخيرا قمت بجولة في إندونيسيا وماليزيا، وقضيت في السنة الماضية- شهرين في أمريكا، هذا إضافة إلى عملي الأساسي في أوروبا؛ حيث جهودنا منصبة على إيصال هذه المعاني إلى عمق الجاليات المسلمة. الرسالة التي يجب أن تصل هي أن هناك حربا نفسية، يقول فيها المسلمون: إنهم أقلية، وإنهم مستضعفون، ويتكلمون تحت السيطرة الثقافية، ويأتي بعضهم بفهم ضيق جدا للمصطلحات الإسلامية كالشريعة وشمولية الإسلام والفقه. فعملنا داخل الجاليات المسلمة في أوروبا وداخل المجتمعات الإسلامية وفي أفهام المسلمين يرمي إلى المناداة بثورة في فهم المبادئ الإسلامية، وأعتقد أن كثيرا من مسؤولي الجاليات المسلمة قد بدؤوا يأخذون بهذا الفهم. لكل ذلك فأنا لا أحبذ منطق الاستضعاف والحديث عن ضرورة الاندماج بالنسبة لمسلمي الغرب؛ فمن منطلقات الرؤية الجديدة ذاتها النابعة من شمولية الإسلام ذاته نرى أن الثقافات الغربية يمكن أن تدمج في قيم الإسلام العالمية، وأنه يجب أن نتوقف عن استعمال منطق الضحية. ولكن يا دكتور طارق مسألة الاستضعاف واقع ملموس، وأنت نفسك كنت قد شبهت في أكثر من مقال واقع المسلمين اليوم بوضعية اليهود قديما، صحيح أن هذا واقع، وأن الإسلاموفوبيا موجودة، ولكن السؤال هو: ماذا سنفعل؟ هل سنظل نردد ذلك طويلا؟ أنا أقول إن مسلمي الغرب قد أصبحوا جزءًا من مجتمعاتهم، وهم مطالبون بالقيام بدور جديد للمواطنين، فعلينا أن نقولها صراحة: إننا ضد العنف وضد الإرهاب، وإننا مع القيم الإسلامية، وإننا نناصر المستضعفين، وإننا صوت من لا صوت له، وعلينا أن نغير الصورة العالقة عند المسلمين بالعمل والحوار والنشاطات والتربية، وعلينا أن نتحمل مسئولياتنا؛ فلا نتحدث عن أنفسنا كضحايا في هذه المجتمعات. نحن الآن في أوروبا قد وصلنا إلى الجيل الثالث؛ فلننطلق ونتحدث عن الإسلام، ولا نترك المجال للذين يتحدثون عن الإسلام بلا إسلام. أنا أقولها اليوم صريحة وبوضوح: الضغط واضح على المسلمين والإسلاموفوبيا واضحة، ولكن على المسلمين أن يكون دورهم أيضا واضحا، فتحت الضغط يجب أن نتكلم، وتحت الضغط يجب أن يكون هناك نشاط.. يجب ألا نكتفي بالكلام، ويجب أن يكون هناك دور جديد للمواطن المسلم في الغرب، خصوصا من الأخوات المحجبات وغير المحجبات اللاتي عليهن أن يقدمن صورة ناصعة للمرأة المسلمة في الغرب. هادي يحمد/ إسلام أون لاين