النمسا تكشف عن موقفها من قرار محكمة العدل الأوروبية    برقية تعزية ومواساة من جلالة الملك إلى أفراد أسرة المرحومة الممثلة القديرة نعيمة المشرقي    مغاربة يتظاهرون بالآلاف في الرباط لوقف "الإبادة الإسرائيلية" في غزة ولبنان    رسميا.. ريال مدريد يمدد عقد كافاخال حتى عام 2026    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس بالجديدة نهائي النسخة السابعة من الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للتبوريدة    فلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية يقتل مجندة إسرائيلية ويصيب 9 آخرين في بئر السبع    إثر تهجمه على ماكرون.. الإليزيه: تصريحات نتنياهو "مبالغ فيها"    فخ "الموساد" القاتل .. هكذا تحولت أجهزة اتصالات "حزب الله" إلى قنابل موقوتة    زراعة الفستق تزدهر في إسبانيا بسبب "تكيّف" الأشجار مع التغير المناخي    استقرار سعر صرف الدرهم مقابل الأورو وتراجعه أمام الدولار    كارفاخال يخضع لعملية جراحية بعد إصابته الخطيرة    موكوينا: غياب الجمهور غير مقبول بالمغرب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    الملك يعزي أسرة الفنانة نعيمة المشرقي    استبعاد شخصيات ريفية من اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال يثير الجدل    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يكشف تفاصيل لقائه مع وزارة الصحة لتنفيذ اتفاق 23 يوليوز 2024    أستاذ جامعي يلجأ للقضاء بعد تعرض حساباته ومجلته الأكاديمية للقرصنة والاختراق الإلكتروني    تصفيات "كان" 2025.. نفاذ تذاكر مباراة المغرب وإفريقيا الوسطى بعد يوم من طرحها        إعطاء انطلاقة خدمات مصالح حيوية بالمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني    الآلاف يخرجون في مسيرة في الرباط تضامنا مع غزة وبيروت    مشروع لغرس 500 هكتار من الاشجار المثمرة ب 6 جماعات باقليم الحسيمة    غوتيريش يدعو إلى وقف "سفك الدماء" في غزة ولبنان    انتخابات رئاسية باهتة في تونس يغيب عنها التنافس        المغرب يحاصر هجرة ممرضيّه إلى كندا حماية لقطاعه الصحي    منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة…أسعار الغذاء تسجل أعلى زيادة شهرية    أنفوغرافيك | بالأرقام .. كيف هو حال إقتصاد غزة في الذكرى الأولى ل "طوفان الأقصى" ؟        افتتاح المسبح المغطى السومي أولمبي بتاوريرت    أمام "سكوت" القانون.. "طروتينيط" تغزو شوارع الحسيمة    الجامعة المغربية لحقوق المستهلك…تأكد صحة وثيقة تلوث مياه "عين أطلس"    الجزائر تكشف تورطها في ملف الصحراء بدعم قرار محكمة العدل الأوروبية ضد المغرب    ترامب يعود لمكان محاولة اغتياله: "لن أستسلم أبداً"    23 قتيلا في غارات اسرائيلية على لبنان    جولة المفاجآت.. الكبار يسقطون تباعا وسطاد المغربي يتصدر الترتيب    معرض الفرس الدولي في نسخته 15.. غاب عن فعالياته رواق وعروض ال DGSN    أمن طنجة يحقق مع سيدة هددت شابة بنشر فيديوهات جنسية لها    بين أعالي الجبال وقلب الصحراء .. تفاصيل رحلة مدهشة من فاس إلى العيون    "أندلسيات طنجة" يراهن على تعزيز التقارب الحضاري والثقافي بين الضفتين في أفق مونديال 2030    ENSAH.. الباحث إلياس أشوخي يناقش أطروحته للدكتوراه حول التلوث في البيئة البحرية    وفاة الفنانة المغربية نعيمة المشرقي عن 81 عاما    مصدر ل"برلمان.كوم": المغرب يواصل تنويع شراكاته ويمدد اتفاقية الصيد مع روسيا.. وقرار العدل الأوروبية عزلها دوليا    الفنانة المغربية نعيمة المشرقي تغادرنا إلى دار البقاء    في عمر ال81 سنة…الممثلة نعيمة المشرقي تغادر الحياة    وفاة الممثلة القديرة نعيمة المشرقي بعد مسار فني حافل بالعطاء    معاناة 40 بالمائة من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050 (دراسة)            دراسة تكشف معاناة 40 % من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″        وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في رحيل الأديب أحمد عبد السلام البقالي
نشر في العلم يوم 07 - 10 - 2010

في موكب تشييع الأديب المغربي أحمد عبد السلام البقالي إلى مثواه الأخير في مقبرة الشهداء بالرباط، لوحظ أن أغلبية الجمهور العريض من المشيعين هم من الشباب، ذلك لأن البقالي من أشهر كتاب المغرب للأطفال، إن لم يكن أشهرهم. فقد أصدر ثلاثة وعشرين كتاباً من القصص والروايات الموجهة للأطفال، مستخدماً الخيال العلمي، والمغامرات المثيرة، والقصص البوليسية، وموظفاً البيئة المغربية وثقافتها الشعبية وأساطيرها، وسائلَ للتشويق والاحتفاظ بقرائه الصغار وشدّهم إلى النص ومواصلة القراءة؛ وفي الأثناء يُمدّهم بثقافة عميقة، ويُكسبهم لغة رصينة رشيقة مشرقة غنية بالمفردات والتعبيرات السياقية والتراكيب الأساسية، مستعيناً بجميع التقنيات النفسية التربوية لإغناء رصيدهم اللغوي والمعرفي وتعزيزه. وهذا ما أهَّله لنيل جائزة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (تونس) لأدب الطفل. ولهذا، فإنَّ الأطفال المغاربة قرؤوا إنتاجه الأدبي وأحبّوه وعلق اسمه في ذاكرتهم، فخرجوا، وهم شباب، مشيِّعين عندما سمعوا بنبأ رحيله من الراديو والتلفزيون.
يبدأ التشويق لدى البقالي في قصص الأطفال مباشرة من العنوان، فمن عناوين كتبه: "رواد المجهول"، " المدخل السري إلى كهف الحمام"، " نادية الصغيرة في فم الوحش"، " زياد ولصوص البحر"، إلخ. أذكر أنني عندما بدأتُ كتابة القصة القصيرة في التسعينيات، كنتُ أبعث إليه رحمه الله بكلِّ قصة أكتبها لمراجعتها، فكان يعيدها إليَّ في اليوم التالي مع تصويباته المختلفة واقتراحاته القيمة. وكانت إحدى ملاحظاته الرئيسة أنه ينبغي على الكاتب الاحتفاظ بقارئه حتى نهاية النص. فالتشويق بالنسبة إليه عنصر أساسي في الكتابة السردية. وهذا يفسِّر ميله إلى موضوعات الخيال العلمي والمغامرات الجريئة والقصة البوليسية.
ولم يقتصر إبداع البقالي على كُتُب الأطفال فحسب، وإنما كتب كذلك القصة القصيرة والرواية والمسرحية والشعر، ومارس الترجمة الأدبية. فقد أصدر أربع مجاميع قصصية هي: " قصص من المغرب"، و " الفجر" ، و " يد المحبة "، و"المومياء". وقد صدرت مجموعته القصصية الأولى " قصص من المغرب" عندما كان طالباً في القاهرة. كما نشر أربع رويات: " الطوفان الأزرق"، و " العنف الثوري"، و" سأبكي يوم ترجعين"، و " أماندا وبعدها الموت". وأهّلته هذه الأعمال السردية القصصية لنيل جائزة المغرب للقصة مرّتيْن.
ونشر البقالي أربع مسرحيات: " مولاي إدريس" (من التراث المغربي)، و "نار المخيم"، و" لن تقف المسيرة "، و " مصرع الخلخالي". كما كتب عدة مسرحيات للإذاعة والتلفزة.
وكان البقالي قد كتب الشعر في سن مبكر، ونشر أول قصيدة له في مجلة (أنيس) في تطوان وعمره لا يتجاوز الخامسة عشرة. وتشتمل مجموعته الشعرية " أيامنا الخضراء" على قصائد عمودية وأُخرى من الشعر الحرّ. ومن نماذج هذا الديوان قصيدته " كهف الحمام" التي يقول في مطلعها:
أكهفَ الحمامْ
عليكَ السلامْ
ومُلّيتَ بالأعصُر الخالية
جلستُ إليكَ
فحدَّثَ صمتُكَ
عن غابراتِ العصورْ
على ألفِ عامْ..
على ألفِ عامٍ مضينَ
وألفٍ بقينَ
ولا كفَّ تنفضُ عنكَ غبارَ السنينْ
...
وقد ترجم البقالي رواية " أكلة الأموات" للكاتب والمخرج السينمائي الأمريكي ميخائيل كريتشن، التي نُشرت أول مرة سنة 1976، وحُوّلت إلى أكثر من فيلم سينمائي. وتستند هذه الرواية الخيالية إلى واقعة تاريخية حقيقية مفادها أنَّ الخليفة العباسي المقتدر بالله أرسل في آخر القرن الثالث الهجري ( سنة 921 م) عالماً عربياً اسمه أحمد بن فضلان إلى ملك الصقالبة (بلغار الفولغا)، بناء على طلب الأخير لتعليمهم العقيدة الإسلامية وأساليب الحضارة كتأسيس المدارس والمستشفيات، ولكن السفير تعرّض للاختطاف من قِبل الفايكنغ الذين اصطحبوه معهم إلى إسكندنافيا وبقى هناك حتى سنة 942م وتمكَّن من الهرب والرجوع إلى بغداد، وتقديم تقريره إلى الخليفة. غير أن مخطوطة التقرير فُقدت وعثِر على أجزاء منها في أماكن مختلفة من العالم. وقد حقَّق المرحوم الدكتور سامي الدهان أجزاء من رسالة ابن فضلان، نشرها المجمع العربي السوري (مجمع اللغة العربية بدمشق) سنة 1959. واهتم الباحثون الغربيون بهذه الرسالة لأنها توثِّق لقسم من التاريخ الاجتماعي الأوربي. فتولى الأستاذ بيير فراوس أستاذ الأدب في جامعة أوسلو تجميع أجزاء المخطوطة التي عثِر عليها وترجمها إلى اللغة النرويجية. وقد اعتمد ميخائيل كريتشن في روايته " أكلة الأموات" على هذه الترجمة وغيرها. وكتب على ظهر الرواية: " منذ ألف عام خطف الفايكنغ عالماً عربياً اسمه ابن فضلان، وأخذوه معهم إلى بلادهم غير المتحضرة بالشمال، وكان رقيقاً حاضر البديهة ومن سكان المدن المسالمين. أما مختطفوه فكانوا همجاً متوجشين وعشاق حرب."
وقد أخبرني المرحوم البقالي إبان ترجمته هذه الرواية من الإنجليزية إلى العربية، أنه سافر إلى أوسلو وقابل أرملة الأستاذ بيير فراوس للعثور على الأصول العربية لرحلة ابن فضلان التي ترجمها الأستاذ فراوس إلى النرويجية، فلم يعثر عليها. ولهذا لجأ إلى حفظ رسالة ابن فضلان التي حققها الدكتور سامي الدهان عن ظهر قلب، ليتمكَّن من مضاهاة أسلوب ابن فضلان حين يقوم بترجمة رواية " أكلة الأموات" إلى العربية.
نشر البقالي ترجمته لرواية " أكلة الأموات" تحت عنوان " مغامرات سفير عربي في إسكندنافيا قبل ألف عام" في السعودية. وقد توالت طبعات الكتاب هناك. وذات يوم كنتُ أتحادث مع الوزير السعودي الدكتور عبد العزيز الخويطر أثناء اجتماعٍ لوزراء الثقافة العرب بالرباط، فمرّ علينا البقالي، فاستوقفته لتقديمه إلى الدكتور الخويطر. وما إن سمع اسمه حتى قال: " هل أنتَ مترجِم مغامرات سفير عربي؟" وعندما أجاب البقالي بالإيجاب، قال له الدكتور الخويطر: " أنتَ تسببتَ لي بخسائر مالية؟"، فاستوضحناه السبب مستغربيْن، فقال: " لقد أعجبني الكتاب فأخذتُ أشتريه وأهديه لكل مَن يزورني من الأصدقاء."
ولِد فقيدنا البقالي سنة 1932 في مدينة أصيلة الواقعة على المحيط الأطلسي، شمال المغرب. وكان شمال المغرب آنذاك تحت الحماية الإسبانية في حين كان جنوبه تحت الحماية الفرنسية. وقد ضيّقت هاتان الدولتان الفرص التعليمية أمام أبناء المغاربة فكان كثير منهم يرحل إلى دول المشرق العربي لاستكمال دراسته الثانوية أو العالية، وهكذا سافر البقالي إلى القاهرة ليلتحق بمدرسة ثانوية ويحصل على شهادة التوجيهية منها سنة 1955، ويدخل جامعة القاهرة ذلك العام، ليتخرَّج فيها بعد أربع سنوات حاملاً شهادة الليسانس في علم الاجتماع. وفي عام 1959 التحق بجامعة كولومبيا في نيويورك، وهي من أشهر الجامعات الأمريكية وأعرقها، وحصل منها على شهادة الماستر في علم الاجتماع. وفي سنة 1962، عيّن ملحقاً ثقافياً بسفارة المغرب في واشنطن، وفي سنة 1965 ابتُعث قنصلاً عاماً ومستشاراً صحفياً بالسفارة المغربية في لندن، ليعود بعد سنتين إلى واشنطن مستشارا ثقافياً. وفي سنة 1971 التحق بالديوان المغربي في الرباط. وكان عضواً في لجنتي اختيار النصوص المسرحية والغنائية في الإذاعة المغربية، وعضواً في هيئة تحرير مجلة " الثقافة المغربية" التي تصدرها وزارة الشؤون الثقافية بالرباط. وأصدرت هذه الوزارة أعماله الأدبية الكاملة في طبعة أنيقة قبل سنوات قليلة.
وقد وافاه الأجل المحتوم يوم الجمعة 30/7/2010م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.