توقيف قاضيين من المجلس الأعلى للقضاء بواسطة قرار من وزير العدل يطرح إشكاليات قانونية ودستورية وسياسية متعددة، لا نملك الجواب المقنع عن مجمل الأسئلة المتفرعة عن هذه الإشكاليات، وهي تفرض اهتماما استثنائيا من الأوساط القضائية والأكاديمية والقانونية، وأيضا السياسية، لأن رائحة السياسة تتطاير من هذا القرار الذي أحدث رجة في الأوساط الحقوقية. هل لوزير العدل وإن كان نائبا لرئيس هذه المؤسسة الدستورية الحق في إصدار قرارات تأديبية في حق باقي أعضاء المجلس، وهو العضو في هذه المؤسسة، ولا يتميز بأية صلاحيات مقارنة مع باقي الأعضاء؟ هل يعطي القانون الحق لوزير العدل وهو المنتمي للسلطة التنفيذية لزجر مؤسسة قضائية، المفروض أنها ليست تابعة بل مستقلة عن السلطة التنفيذية؟! إنها فعلا قضية تستحق كثير الاهتمام خصوصا من طرف رجال القانون وخبرائه. لكن وإن لم نتوفر على أجوبة نهائية على مجمل هذه الأسئلة الحارقة، فإن موجة التضامن العارم التي حظي بها القاضيان اللذان تعرضا للتوقيف في أوساط قضائية وحقوقية وسياسية تؤشر على أن المجتمع رفض هذا القرار واعتبره مسا صريحا بسلطة القضاء وإضعافا لها. نحن لا نتحدث عن السبب وراء هذا التوقيف، الذي قيل إنه تسريب لأسرار مؤسسة المجلس الأعلى للقضاء ، فهذا شأن آخر كان من المفروض أن يعالج في سياقه وفي إطار القانون ولاشيء غير القانون، الحديث هنا عن توقيف قاضيين واحد منهما كان قد أصدر حكما قضى بإلغاء انتخابات العمدة في مراكش. لا نملك أن نحيط بالموضوع بكافة تفاصيله وبجميع الملابسات التي تسيجه وما أكثرها وما أعقدها، ولكنا نعبر عن انشغالنا العميق بما حدث ونصطف وراء الأوساط التي لم تستسغه.