ثمة إجماع بين مختلف الفاعلين والمهتمين بحقل العدالة بالمغرب على كون الأعطاب التي يعاني منها القضاء بالمغرب لا يمكن إصلاحها عبر عقد ندوات أكاديمية، ما لم تكن هناك إرادة سياسية حقيقية من لدن أصحاب القرار لإخراجه من بوتقة التردي التي يعاني منها. ففي الوقت الذي لم تستقر فيه بعد وزارة العدل على تصور واضح لمجرى النقاش الذي سيوضع على طاولة الحوار للمناظرة الوطنية لإصلاح القضاء بالمغرب، المزمع عقدها بعد الدخول السياسي والاجتماعي القادم، سارعت العديد من الهيئات المدنية العاملة في مجال القضاء بالمغرب إلى إنجاز تقارير مفصلة حول أهم الأعطاب التي يعاني منها هذا الجهاز الذي بقي عصيا على الإصلاح. وحسب مصدر مأذون من وزارة العدل، فإن هذه الأخيرة تنكب حاليا على صياغة عدة مشاريع قصد عرضها على المشاركين في هذه المناظرة، وأن هناك عملا حثيثا للتحضير لورش إصلاح القضاء بالمغرب، لكن لم يقع إلى حد الآن البت في الاختيار النهائي. بالنسبة إلى عبد اللطيف الحاتمي، رئيس الجمعية المغربية للمطالبة باستقلال القضاء، فإن أهم الأعطاب التي تحول دون تقدم قاطرة القضاء بالمغرب تتمثل في عدم كفاية الضمانات الدستورية والقانونية كنتيجة لعدم التنصيص عليه كسلطة مستقلة في الدستور المغربي. ويبقى أكبر خلل يقف سدا منيعا دون تحقيق استقلال القضاء يكمن في النص الدستوري الذي لم يعترف للقضاء، في إطار فصل السلطات، بأنه يشكل سلطة من بين سلطات الدولة الثلاث؛ وهو الوضع الذي يتطلب الإصلاح ورفع العائق لكي يتمكن القاضي من التربع على كرسي السلطة المستقلة إلى جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية. وبخصوص معوقات استقلال القضاء بالمغرب على مستوى الضمانات التي يخولها النظام الأساسي لرجال القضاء، يشير الحاتمي، في تصريح ل«المساء»، إلى هيمنة مؤسسة وزير العدل على مختلف مراحل المسطرة التأديبية، فهو الذي يثير أو يحرك المتابعة، وهو نفسه الذي يعين المقرر، وهو الذي يقرر توقيف القاضي عن ممارسة مهامه خلال فترة المتابعة أمام المجلس، وهو نفسه الذي ستعرض أمامه فيما بعد المتابعة، وهو الذي سيترأس أعمال المجلس التأديبي بالنيابة عن الملك، وبالتالي سيبت في المتابعة التي أثارها هو نفسه، ويقرر تبعا لذلك في العقوبة الواجب اتخاذها في حق القاضي المتابع، وهو الذي سيسهر بعد ذلك على تنفيذ مقترحات المجلس، وبالتالي -يضيف الحاتمي- لا يمكن للقاضي أن يكون مستقلا عن جهة الوصاية. من جانبه، قال المحامي بهيئة الدارالبيضاء الطيب عمر في تصريح ل«المساء» إن الأعطاب التي يعاني منها القضاء المغربي كثيرة ومتنوعة المصادر، واستفحلت مع مرور الزمن. وفي مقدمة هذه الأعطاب هناك ثقافة الرشوة التي استفحلت في فكر المتقاضي، الذي أضحى يؤمن بأن حقه لا يمكن أن يحصل عليه إلا إذا أدى، وهذا أمر ترسخ بسبب مجموعة شبكات من الوسطاء الوهميين والحقيقيين. ويضاف إلى هذا العامل -يضيف المتحدث- عدم استقلالية القاضي، سواء من ذاته أو بتأثير ممن هم أعلى منه درجة، إلى جانب مسألة الولاءات في الجهاز القضائي، على أن مسألة إصلاح القضاء ليست مسألة موسمية أو مناسباتية تناقش نظريا في الندوات أو الأيام الدراسية بمناسبة اهتمام الملك بالقضاء أو بمناسبة الدخول القضائي أو تغيير المسؤولين على رأس المحاكم مختلفة الدرجات، بل إنها معركة حقيقية تقتضي طبيعتها التضحيات والتمهيد لذلك بتهييء ميثاق وطني لإصلاح القضاء، يشارك فيه جميع الفعاليات المهتمة. رئيس جمعية ترانسبارنسي المغرب، رشيد الفيلالي، قال إن الأعطاب التي يعاني منها القضاء هي في حقيقة الأمر مشكل دستوري. ولاحظ الفيلالي، في تصريح ل«المساء»، وجود حجاب بين المجلس الأعلى والملك بسبب الصلاحيات التي يتمتع بها وزير العدل. ومما يحد من فعالية هذا الجهاز -يضيف المتحدث- المشاكل المرتبطة بالموارد البشرية العاملة في هذا القطاع من حيث الخصاص في عدد القضاة كما وكيفيا ومن حيث المسار التكويني والهيكلي لهؤلاء، حيث يبقى هذا المشكل موروثا عن التجارب المعتمدة في السابق، المتمثلة في التعيينات العشوائية ومغربة الأطر القضائية التي لم تخل هي الأخرى من عشوائية. وشدد رئيس ترانسبارنسي على كون إصلاح القضاء لا يمكن أن يتم ما لم يتم التطرق إلى كل هذه الإشكاليات.