ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع نهاد الحاج محمد سائق محمود درويش لاثنتي عشرة سنة يكشف خفايا في حياة الشاعر الراحل
طلب مني أن أكتب الشعر نيابة عنه..
نشر في العلم يوم 18 - 08 - 2010

صف لنا يوم محمود درويش في رام الله؟?
كان صباح الأستاذ محمود بطيئاً، كان يصحو عند التاسعة، أشتري له الجرائد وأذهب لإحضاره إلى مكتبه في مركز خليل السكاكيني، تقريباً عند الحادية عشرة صباحاً. طبيعة أيامه زمن مجلة (الكرمل) ، تختلف عمّا بعدها. أيام ( الكرمل) كان على نحو ٍ شبه يوميّ ٍ يأتي إلى العمل وكان غداؤه شبه اليومي مع صديقه ياسر عبد ربه ( أبي بشار) ومع بعض الأصدقاء المشتركين للاثنين. وفي بعض المساءات كان الأستاذ يمارس رياضة المشي مع بعض الأصدقاء، في حي الطيرة الذي يسكنه. وكان مولعا بلعب النرد مع عدد من الأصدقاء. وكانت تمر على الأستاذ أحيانا أيام عديدة لا يخرج فيها من البيت، وحين سألته: لماذا تعتكف في البيت لأيام؟ أجابني بأنه بيتوتي، وأخبرني أنه كانت تمر عليه أسابيع في بيته في عمان لا يخرج فيها من البيت. كان يقرأ بنهم ويكتب أحيانا.?
محمود درويش كان عاشقا للقهوة كيف كنت تتعامل مع هذا العشق؟?
كنت حريصا على أن تكون القهوة دائما في بيته وبمواصفاته التي أحفظها وهي، نصف شقراء ونصف سوداء مع ( هال) ظاهر. كان الأستاذ يعشق رائحة القهوة وكان يشمها باستمتاع في السيارة وأنا أحملها، وسأروي طرفة: مرة من المرات اشتريت له القهوة، كعادتي. في اليوم الثاني سألني: هل غيرت المحل الذي تشتري منه القهوة؟ فاستغربت سؤاله وسألته لماذا؟ فأجاب أن طعم الهال قد تغير. فذهبت من فوري إلى صحاب المحل وسألته: « هل غيرتم نوعية الهال؟» فاستغرب من سؤالي، وقال لي: لم سؤالك؟ فأجبته إن القهوة هذه هي للشاعر محمود درويش، فقال لي مصعوقا: صحيح لقد غيرنا نوع الهال البارحة.?
علاقته مع الحاسوب كيف كانت؟?
لم يكن يجيد استخدام الحاسوب، وقد أهداه مرة الأستاذ ياسر عبد ربه ( لاب توب،) وحاول الكاتب حسن خضر تعليمه لكنه لم يتكيف مع هذه الوسائل. أحيانا كنت أستخرج له من الحاسوب مواد ثقافية من مجلات أو مواقع وصحف عالمية، وكنت أيضا أحضر له ما يكتب عن شعره من مقالات وتحليلات.?
حدثنا عن ملامح الأستاذ قبل الأمسيات الشعرية بساعات؟?
في آخر أمسية له في رام الله 9/7/2008 وبينما نحن متجهون إلى قصر الثقافة - مكان الأمسية كان برفقة صديقه الراحل سهيل جدعون، وحين وصلنا قصر الثقافة كانت هناك مئات السيارات. سمعت الأستاذ محمود يقول لصديقه سهيل وكان التوتر بادياً على صوته: كل هؤلاء الناس جاؤوا لأمسيتي؟؟ فقلت له: أستاذ، هذه بداية قدوم الناس. فأجابني مداعبا: ( الله يعينهم على هاسّاعتين). وقد سألته مرة: لماذا تشرب الماء بكثرة خلال الأمسية الشعرية؟ هل هو العطش،؟ فأجابني: لا أعرف حقاً.?
ماذا تقول لأدونيس الذي قال في محمود درويش ما قال؟?
لست ناقداً ولا شاعراً ولا كاتباً ولكني مواطن عادي شاهدت إساءة الشاعر ادونيس للأستاذ، فاستغربت طروحاته، التي يقول فيها أن قضية فلسطين ساعدت محمود درويش، فأنا أدعو الشاعر ادونيس إلى أن يكتب عن فلسطين لترفع مكانته كما رفعت مكانة محمود درويش كما يدعي، ثم سنطلب من النقاد المقارنة بين قصائد الشاعرين. أظن انه يغار من الأستاذ محمود درويش بسبب أن جماهير الاستاذ محمود في كل عواصم العالم تتجاوز مئات أضعاف أهم شعراء تلك العواصم،?وأقول لأدونيس: فلنفحص هل تتفق معك جماهير الشعر في كل أنحاء العالم؟؟ أم هو رأيك وحدك، وهذا ما أظنه، فلندعُ إلى أمسيتين، واحدة لك وواحدة لصوت الأستاذ في أية مدينة تريدها، وسنرى حكم الجماهير على الأمسيتين، وأنا أرشح قصيدة واحدة تقرأ بصوت الأستاذ أمام قصائد ادونيس. القصيدة التي أرشحها هي ( السروة انكسرت).?
علاقة الأستاذ مع المعجبين كيف كانت؟?
كان الأستاذ يكره الفضوليين جداً. كان منظماً ودقيقاً في مواعيده، ويتضايق من الذين يأتون اليه دون موعد. ويصرون على الدخول في نفس لحظة وصولهم. في الأماكن العامة، كالمطعم مثلاً، كان الناس يأتون إليه ويسلمون عليه وهو يأكل مثلاً، ويطلبون منه صوراً معه. كان يترك الأكل ويلبي طلبهم ثم يعود ثانية إلى الطعام، وكان الأستاذ مهذباً جداً وحضارياً في تعامله مع الناس. كان يمنعني من استخدام الزامور لأنبه سائقاً آخر أغلق الشارع، رغم أن الأستاذ قد يكون على عجل. ?
ما قصة محمود درويش مع قيادة السيارات؟?
* كان الأستاذ يخاف من سرعة السيارات، ويمتعض من السائق المتهور، ويحب السائق الهادئ والنظيف. لم يمتلك رخصة في حياته أبدا. كان شديد الانتقاد لسائقي العمومي في كل أنحاء العالم، وكان يقول لي أن سائق العمومي هو هو في كل أنحاء العالم، وأنهم يتمتعون بنفس الصفات.?
يقال أن محمود درويش كان يطهو بعض الأكلات بشكل متقن، حدثنا عن علاقته مع الطهي والطعام.?
كان الأستاذ يحب الأكل البيتي، حتى عندما كان أصدقاؤه يدعونه إلى الغداء في المطاعم كان يفضل أن يكون الغداء في البيت. غداؤه اليومي كان يتكرر على نحو شبه يوميّ ٍ وهو( ستيك العجل) مع صحن السلطة العربية أو قلاية بندورة بلحم رأس العصفور من لحم الضان. كان مولعا بالسمك، وكان يتقن أكلة الفاصولياء البيضاء، ( ويعزم) أصدقاؤه عليها باعتزاز. وكان يحب أكلة الكوارع التي كان يعدها بإتقان شديد صديقه الأخ ياسر عبد ربه، الذي كان الأستاذ يحب جدا الأكلات التي يعدها ( أبو بشار). وهناك قصة سأرويها عن السمك والأستاذ: كنت أحضر له سمك يافا الطازج من بائع سمك في رام الله، فسأل أحد الأصدقاء البائع: لماذا سمكنا يختلف عن سمك محمود درويش؟: فأجابهم: كونوا محمود درويش لأعطيكم سمك محمود درويش.?
احك ِ لنا عن أصدقاء محمود درويش؟?
ماذا تقصد بسؤالك؟ لم أفهم؟ هل تقصد الأصدقاء قبل رحيل الأستاذ أم بعد الرحيل؟ قبل الرحيل كانوا كثيرين، بعد الرحيل الأوفياء فقط بقوا أصدقاء الأستاذ، وهم يعرفون أنفسهم، وهم من رتبوا بيته حين دخل إلى رام الله للاستقرار، وهم من اهتموا بضريحه، وكل من ساهم ويساهم في إنشاء صرح الأستاذ محمود، ومن رفع الإساءة عن الأستاذ التي لحقت به عبر فاجعة نشر ديوانه الأخير، هؤلاء هم أصدقاؤه حسب وجهة نظري.?قبل رحيله كانت للأستاذ شبكة صداقات واسعة، على مستوى عربي وعالمي، من المثقفين والسياسيين ورجال الأعمال، ومنهم أصدقاء شخصيون جدا. أعطيك مثالا: في آخر سنتين، تقريبا، كان يسهر بشكل يومي عند صديقه رجل الأعمال الفلسطيني الراحل، سهيل جدعون.?* عند أي ساعة كان محمود يخلد إلى النوم؟ وما علاقته مع التلفاز؟?* لم يكن يتجاوز الثانية عشرة والنصف. كان يحب الدراما التاريخية السورية، ومباريات كرة القدم، ويشاهد بعض الأفلام الأجنبية. لم يكن الأستاذ يحب أن يرى نفسه على الشاشة. وسألته مرة: هل رأيت فيلمك الذي أخرجته معك سيمون بيطون، حيث عرض على القنوات المحلية؟ فقال لي: لا أحب مشاهدة نفسي على التلفاز. ?
هل كنت تستنتج من خلال هيئة محمود درويش انه مقبل على كتابة ما ؟هل كنت تلاحظ أمارات المخاض الإبداعي في جسده وسلوكه؟ ?
كنت اكتشف علامات قدوم عمل شعري جديد للأستاذ من خلال أسئلته لي، إلحاحه على سؤال مثلا: هل نوّر اللوز في البلد؟ فسألته: هل من عمل جديد؟ فأجابني أنه يعمل على عمل جديد، فكان عمله الرائع ( كزهر اللوز أو ابعد). وكان دائم السؤال عن سر اختفاء عصافير الدوري حول أشجار مكتبه في السكاكيني. كنت اعرف أن ثمة أشعارا تتكون من خلال أسئلته عن أشياء معينة. كنت اعرف انه بصدد كتابة ما. سأروي هنا حادثة طريفة: كانت مرافق بيت الأستاذ في رام الله تعاني من أعطال متزامنة في الماء والكهرباء والتدفئة والتلفاز وبعد أن أمضيت وقتاً طويلا في إصلاحها طلب مني الأستاذ محمود أن أرافقه إلى مكتبه في البيت، وهناك طلب مني أن أقوم بكتابة الشعر نيابة عنه. كان الأستاذ يضحك وهو يقول لي أنت تقوم بكل شيء نيابة عني فلم يبق سوى الشعر هيا اكتب عني ( وخلصني).?
ماذا عن مسودات قصائد محمود درويش؟ كيف كنت تتعامل معها كشخص قريب جداً من محمود؟?
كنت أرى المخطوطة الأخيرة التي تذهب لرياض الريس، مثل مخطوطة ( حالة حصار) و( في حضرة الغياب) و( أثر الفراشة)، وكان الأستاذ يطلب مني أن أصور هذه المخطوطات وكنت أرسلها أنا عبر ( ارامكس) لرياض الريس. وكان الأستاذ يحتفظ بنسخة عن المخطوطة لديه، وأتوقع انه كان يرسل معي الصورة ويبقي الأصلية لديه. لم يكن أحد على الإطلاق يرى مخطوطته الشعرية قبل أن تصبح كتاباً. وبعد صدور الكتاب كان محمود يهدي عشر نسخ تقريبا لأصحابه، وأريد هنا أن اكشف أن الأستاذ كان يكتب ثلاث نسخ من المخطوطات بمعنى ثلاث مراحل، وهذه معلومات منه، حيث وصف نفسه في حديث مع أحد أصحابه في السيارة، مرة بأنه ( نكد) في الكتابة، بمعنى انه كان يكتب مخطوطة ما، ثم يلقي بها جانباً ويبدأ في عمل آخر ثم يعود لاحقاً إلى الأولى وهكذا، ثلاث مراحل من كتابة المخطوطة: يكتب المسودة الأولى ثم يعدل عليها ثم يعدل على المعدل عليها. وهكذا تمر المخطوطة بثلاث مراحل من التعديل. في ( أثر الفراشة) كانت هناك مسودة سابقة في بيته في رام الله بعناوين مختلفة ونصوص مشطوبة، وتبين لنا أنه لم يتلف المخطوطة الثانية، هذه المسودات موجودة وتم التحفظ عليها.?
ما رأيك وموقفك من طباعة ديوان محمود درويش الأخير بعد وفاته؟
?* لو كان أعضاء لجنة الأصدقاء الذين أشرفوا على طباعة عمل الأستاذ الأخير يعرفون كيف كان الأستاذ يكتب شعره لما أقدموا على خطوتهم التي أدت إلى هذا السجال. لقد أساءت طباعة هذا الديوان إلى الأستاذ بكل المعايير. صار هناك نقاد يقيمون شعر الأستاذ وهم لا علاقة لهم بالنقد. ألم يكونوا يعرفون أن هذه المخطوطة لم تكن جاهزة؟؟ لا أريد أن اشكك في نواياهم، اعتقد أنهم تصرفوا بحسن نية، لكنهم اخطأوا خطأ كبيرا، فلو كلف أحد النقاد الذين كان الأستاذ يثق بهم مثل الأستاذ صبحي حديدي، لما حدث ما حدث. فالمخطوطة الأصلية لم تصل لرياض الريس، بالمناسبة أنا الذي كنت أرسل مخطوطات الأستاذ إلى رياض الريس، وما زلت احتفظ بفواتير بريد ( ارامكس). الذي حدث على ما أظن أنهم اخطأوا، فقد فرغوا المخطوطة على الحاسوب ثم أرسلوها. لم يرسلوا الأصلية كما كان الأستاذ يفعل. تخيل كارثة أن يقوم أي شخص بتفريغ أشعار الأستاذ على الحاسوب؟؟ من يقوم بذلك عليه أن يكون شاعراً وإنساناً مؤتمناً وذكياً وحريصاً.?
* هل تستطيع أن تتخيل غضب محمود لو قدر له أن يعرف ماذا حصل لأشعاره الأخيرة؟?
* لم يكن الأستاذ ليسمح لأحد بأن يتدخل في عمله الشعري أبداً أبداً، كان يفصل بين عمله وحياته الاجتماعية.?* بعد رحيل الأستاذ أين أنت الآن مهنيا، وألاحظ أنك ما زلت تحتفظ بسيارة الشاعر الكبير؟?
* أعمل الآن في مؤسسة محمود درويش التي تأسست بعد رحيله، وما زلت احتفظ بالسيارة، وكل شيء كان يؤمنني عليه الأستاذ ما زال معي، لأثبت لكم مجددا أن محمود درويش لم يرحل كما تعتقدون. بعد أشهر من رحيل الأستاذ انتبهت إلى أني لم أغسل السيارة، علما بأنني كنت أغسلها بشكل يومي حين يكون الأستاذ في رام الله. وقد بقيت السيارة معي بطلب من الأخ ياسر عبد ربه، حيث كنت رافضا أن أركب السيارة بعد رحيل الأستاذ، وقد أصر الأخ ياسر عبد ربه على ترك كل شيء لمحمود على حاله، حفاظا على طقوس محمود ووفاء منه إلى صديقه الأقرب إلى قلبه وبيته. ?
* لماذا تأخر باعتقادك بدء العمل بصرح محمود درويش حتى الآن؟?
* حسب معلوماتي، واطلاعي، لكوني أعمل في المؤسسة، هناك بعض رجال الأعمال الفلسطينيين الذين تم التوجه إليهم بطلب المساهمة في إنشاء هذا الصرح الوطني الكبير، وعدوا في البدايات بمبلغ ضئيل، مقارنة برأسمالهم، وذكرت أسماؤهم في المؤتمر الصحافي، ولم يوفوا بوعودهم حتى اللحظة، وفوجئت أيضا بأن رجال أعمال فلسطينيين، لم يجلسوا في حياتهم على الإطلاق مع الأستاذ محمود قد تبرعوا من أول لحظة. إنني أغار، كمواطن فلسطيني، من رجال الأعمال اليهود في أوروبا الذين يساهمون ويتبرعون لإنشاء شارع او جامعة في إسرائيل.?
* كيف كانت علاقة محمود مع الأطفال؟?
* كان يحب الأطفال. في آخر سنواته كنت ألاحظ ميله لمداعبة الأطفال. الأستاذ إنساني للغاية، رقيق إلى أبعد الحدود، وحين هاتفته في أمريكا قبل العملية بساعات، قال لي: قبل أن تطمئن على صحتي، أخبرني هل ( حكت) ابنتك ياسمين أم ليس بعد؟ هل صارت تحب أن ترى نفسها في المرآة؟. ?
* ماذا عن مواقفه الوطنية هل كنت تناقشه فيها؟?
* كان وطنياً جداً جداً وكان يتألم لسقوط الشهداء. كنت ادخل عليه في المكتب وكنت ألاحظ الألم على وجهه وهو يتصفح الجرائد. كان يقول لي: ( تصور اليوم عشر شهداء!)، وأتذكر بوضوح مقدار ألمه وحسرته على مأساة هدى غالية. وكنت اعرف انه سيكتب عنها وكتب. أسبوع كامل وهو يتحدث معي في السيارة عن هدى، وعائلتها الشهيدة كان مسكوناً بفاجعتها إلى أبعد الحدود. ومحمد الدرة أيضا، كنت اعرف انه سيكتب عن مأساته وكتب.?
* كيف كانت علاقته مع أمه؟?
* كان يحبها جداً لكنه كان يخجل جداً منها. كنت ألاحظ ملامحه حين يحدثني عنها حين أسأله عنها. ثمة حب واحترام ومحبة في علاقته معها. تعرفت على والدة الأستاذ في أوائل سنوات عملي. كانت تزوره في رام الله اسبوعياً مع أبنائها وأحفادها. يحضرون السمك ويتغدون معه. وأحياناً كان هو يزورهم عبر مدينة جنين. في آخر سنواته حين كان يزورها، كنت أسأله عندما يعود عن صحتها، فكان يجيبني أنها بصحة ممتازة وهي تسألني عنك لحظة وصولي إليها، وأسأله: هل ما زالت تتذكرني؟ ويجيبني أنها لا تنسى شيئا وذاكرتها حديدية، وقد زرتها بعد رحيل الاستاذ، واستقبلتني بحفاوة وطلبت مني الجلوس بجانبها، وكانت تقول لي راح راح راح الحبيب.?
* هل أنت راض عن وجود ضريح محمود درويش في رام الله؟?
* وجود الضريح في رام الله يسهل على الفلسطينيين الوصول إليه. محمود رمز من رموز فلسطين وفلسطين كلها تحب أن تراه وتزوره، وقد شاهدنا جنازته الضخمة التي شارك فيها الآلاف، الأمر الذي شكل حالة استثنائية لشاعر يتم الاحتفاء به شعبياً قبل رسمياً. كنت التقي بعمال تركوا أعمالهم ليشاركوا في الجنازة. التقيت بسيدة مسنة كانت تبكي على ضريحه سألتها: هل تعرفين محمود درويش شخصياً؟?أجابت أن ابنها الشهيد كان يحبه، « ألا يكفي هذا لأبكيه»؟؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.