إن تنامي ظاهرة التسول بمدينة الدارالبيضاء على امتداد العقود الثلاثة الأخيرة عرفت أوجها في السنين الأخيرة وإلى حدود اللحظة، وذلك على الرغم من اهتمام الدولة وبعض جمعيات المجتمع المدني بالظاهرة في السنوات الست الماضية عبر انجاز دراسات ووضع استراتيجية واتخاذ بعض التدابير. فالحديث عن ظاهرة التسول بمدينة الدارالبيضاء لايمكن اعتبارها ظاهرة تخص المدينة لوحدها، فهي مظهر على كل حال للواقع الاقتصادي والاجتماعي للسياسات التي كانت منتهجة في السابق وساهمت في ترييف المدن وتحصيل ماهو حاصل؛ والظاهرة هي عامة على الصعيد الوطني وإن كانت جهة الدارالبيضاء تحتل المرتبة الأولى متبوعة بجهة مكناس تافيلالت، كما أكدت ذلك إحدى الدراسات. فجيوش المتسولين في تنامي، فمن الحافلات إلى المقاهي والمساجد وبجانب محطات النقل والفنادق وأثناء توقف السيارات بالأضواء الحمراء، وهناك من المتسولين من يحتلون أماكن خاصة بهم ويتناوبون عليها فيما بينهم.. إلخ المهم في ظاهرة التسول بالدارالبيضاء هو ظهور حالة غير طبيعية وغير مقبولة وهي السعي النهم نحو المال والطمع في تجميع المزيد منه وهذا شيء أكدته وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن حينما صرحت بأن 62 في المائة من المتسولين يتعاطون للتسول الاحترافي مستغلين في ذلك الأطفال والمسنين والأشخاص المعاقين. وقد أكدت ذلك أيضا الحملات التي تم القيام بها في عمالتي أنفا والفداء درب السلطان سنة 2007 حينما تم ضبط متسولين أغنياء بحوزتهم مبالغ مالية مهمة ويتوفرون على املاك عقارية وقد حجز المركز الاجتماعي طيط مليل في فترة شهور محددة مامجموعه 2 مليون و888 ألف درهم. كما أن بعض الدراسات السابقة أشارت إلى أن مدينة الدارالبيضاء بهاحوالي 35 ألف متسول منهم 51 في المائة نساء و11 في المائة أطفال و17 في المائة منهم يتوفرون على ممتلكات. وحسب المعطيات التي تم الإعلان عنها فإن الحملة التي تم القيام بها من طرف مركز طيط مليل خلصت في مدة 3 أشهر محددة الى ضبط 1191 مشردا، 1072 ذكور و119 نساء هناك 266 شخصا معدم ليست لهم أية علاقة عائلية في مقابل 925 يتوفرون على روابط عائلية. وبلغت نسبة الأطفال القاصرين والمسنين 40 في المائة وأحيل 18 متسولا على وكيل الملك بالمحكمة ا لابتدائية بتهمة السرقة الموصوفة من داخل السيارات، كما تم تسجيل 17 حالة وفاة بسبب البرد وتناول الكحول. ولفهم الظاهرة أكثر نورد المعطيات التي أوردتها إحدى الدراسات السابقة حول التسول حيث أكد المستجوبون على أن دوافعهم نحو التسول هي: 51 في المائة بسب الفقر؛ 12 في المائة بسبب الإعاقة 10 في المائة بسبب المرض؛ 9 في المائة بسبب البطالة؛ وذكر 65 في المائة منهم أنهم لم يسبق أن تعرضوا للمساءلة من طرف السلطات رغم أن القانون يمنع التسول. وقال 47 في المائة منهم أنهم غير قادرين على أي عمل حتى وإن وجدوه ورفض 10 في المائة منهم ترك التسول وإن وجدوا العمل. وفي سياق آخر وكما هو معلوم، سبق أن تم إعطاء انطلاقة الاستراتيجية الوطنية للقضاء على آفة التسول منذ سنة 2006 وتم تخصيص مبلغ يفوق 16 مليون درهم وترتكز الاستراتيجية على 3 محاور: الإدماج الاجتماعي الاسري والمؤسساتي وتمتين الترسانة القانونية لمنع التسول المنظم إضافة إلى التحسيس والتوعية وسط الرأي العام. وعلى كل حال وإن كان من المبكر إعطاء حكم أو تقييم لتلك الاستراتيجية الوطنية، فإنه من غير المعقول عدم مراجعة الإطار القانوني الذي يمنع التسول وزجر التسول الاحترافي الذي أصبح ظاهرة حقيقية ومخيفة. وقد سبق لنزهة الصقلي وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن أن صرحت بأنه تم اطلاق سراح جميع من ضبطوا يمارسون التسول الاحترافي وذلك بسبب الفراغ التشريعي فالمادتان 326 و333 من القانون الجنائي اللتان هما الإطار القانوني لمنع التسول لايسمحان بالقضاء الزجري والصارم على الظاهرة، وهذه الخلاصة التي جاءت على لسان الوزيرة هي في حد ذاتها جد مهمة في سياق محاربة الآفة. مع العلم بأن المقاربة في محاربة آفة التسول ينبغي أن تكون إندماجية باعتبار أنها تلامس عدة زوايا وقطاعات. فالإرادة السياسية المتوفرة حاليا ووجود المبادرة الوطنية للتنمية البشرية فضلا عن ا قرار الجميع بالآفة يقتضي التفكير في آليات ووسائل جديدة. ولعل استحضار معالجة المشاكل والقضايا الاجتماعية في إطار التضامن الوطني والتكامل بين مختلف القطاعات العمومية وغيرها سيساهم حتما في التنمية البشرية من خلال سحب البساط من بعض الأسباب كالطلاق والاهمال والمرض أو وفاة معيل الأسرة أو وفاة الوالدين واحتواء ذلك بعمل اجتماعي مؤسساتي (قطاع عام ، عمل خيري أوجمعوي...) إن المجتمع هو مسؤول عن مشرديه وأيتامه وأرامله ومعدوميه في الوقت الذي يجب محاربة التسول الاحترافي الذي يحكمه الطمع والرغبة في جمع المال وهوشيء مخالف للأخلاق السوية وللدين الإسلامي. إن المقاربة المندمجة هي التي من شأنها تحفيز وتجميع الجهود من الديني إلى الإعلامي ومن القانوني إلى تدبير نفقات الطلاق ومن المراكز الاجتماعية إلى الخيريات والمؤسسات الاحسانية ومن الجماعات المحلية إلى مبادرات التنمية البشرية وخلق مشاريع مذرة للدخل وانتاج الثروة ومن الاقصاء الاجتماعي إلى الادماج الاجتماعي.. إن ماتم القيام به في السنوات الست الأخيرة من جهود لمحاربة آفة التسول هو شيء مهم وإيجابي، وبفضل ذلك الجهد والعمل، أصبحنا نظل اليوم على مرحلة أخرى بوضوح أكبر في الرؤية وتصميم على مواجهة ذلك من طرف مختلف الفاعلين والمعنيين بالظاهرة. لكن المعادلة المرة بالنسبة لمدينة الدارالبيضاء هو أن تنامي التسول بها مازال مستمرا في انتظار ايجاد مقاربات وفاعلة للظاهرة على المستوى الوطني. ويظل الإصلاح القانوني على رأس الأمور المستعجلة لتفعيل الإجراءات الزجرية حتى لاتتنامى هذه الآفة السلبية على حساب المجتمع.