أوردت مؤخرا صحيفة (جبر الطار كرونيكل) - التي تصدر من صخرة جبل طارق منذ بداية القرن الماضي -، أن لجنة مركزية بريطانية تضم مسؤولين عن الشؤون الاجتماعية والتنمية، حلت الأيام الماضية بالصخرة للتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تتعرض لها الجاليات الأجنبية عموما والجالية المغربية خصوصا. تأتي هذه الزيارة حسب نفس المصادر الإعلامية بعد أن أطلقت النقابة العمالية (يونايت دي يونيون) حملة شعبية لتسليط الأضواء على الوضعية المجحفة للمهاجرين المغاربة بهذه الصخرة، وفضح الخروقات التي ترتكبها السلطات المحلية، والضغط على حكومتي بريطانيا وجبل طارق لإعادة النظر في سياستيهما المتبعة تجاه الأجانب. وفي هذا الإطار صرح شارلي صيصاريل الكاتب المحلي لفرع نقابة (يونايت دي يونيون) بجبل طارق لوسائل الإعلام المحلية أن المركزية النقابية ستتخذ أشكالا نضالية مختلفة، وستصعد من وتيرة الاحتجاجات لحشد المزيد من التضامن والدعم الدولي لها في هذه القضية الحقوقية والإنسانية. وكانت النقابة العمالية البريطانية (يونايت دي يونيون) قد اتهمت في وقت سابق السلطات المحلية بالصخرة بالتمييز العنصري، بعد تماديها في رفض تمتيع العمال المهاجرين المغاربة بجميع الحقوق إسوة بالمهاجرين الأوروبيين على وجه الخصوص، وخاصة فيما يتعلق بمنح الجنسية البريطانية. واحتدم النقاش بشكل كبير مؤخرا بين ممثلي العمال المغاربة بالمستعمرة البريطانية والنقابات العمالية من جهة، والمسؤولين المحليين من جهة أخرى، حول الملف الاجتماعي للعمال المهاجرين الذين يعيشون ظروفا وأوضاعا مادية واجتماعية صعبة (سكن غير لائق، ضعف الأجور، عدم الاستفادة من جميع الامتيازات الاجتماعية..) خصوصا بعد أن أرخت الأزمة الاقتصادية العالمية بظلالها على الاقتصاد المحلي.. وقد أسالت تداعيات هذه الأزمة المحتدمة بين النقابات العمالية والسلطات المحلية مداد الصحف المحلية، وأثارت اهتمام وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والالكترونية وكذلك الرأي العام البريطاني. يذكر أن عدد أفراد الجالية المغربية بصخرة جبل طارق يصل إلى حوالي ألف فرد، في وقت كان عددهم سنة 1969 أزيد من 5 آلاف مغربي، ويعود سبب تراجع أعدادهم إلى قيام السلطات المحلية بإصدار قانون جديد للهجرة ينص على ضرورة مغادرة المهاجرين للصخرة مباشرة بعد حصولهم على التقاعد، وكذلك الأمر بالنسبة للمهاجرين الذين يعيشون البطالة ولم يزاولوا أي عمل لمدة تفوق الستة أشهر. والملاحظ أن المهاجرين المغاربة بجبل طارق يشتغلون في مهن يأبى السكان المحليون العمل فيها وبأجور زهيدة جدا، ويقطنون في مساكن غير لائقة، في حين يعيش السكان البريطانيون والمهاجرون الأوروبيون (خاصة الاسبان والألمان) في مباني وشقق فارهة ويزاولون مهنا محترمة. وحسب الإحصائيات والمعطيات التاريخية، فإن العمال المغاربة يوجدون بالصخرة منذ أزيد من نصف قرن، لكن غالبيتهم لا يتوفرون على وثائق الإقامة الدائمة ولا على الجنسية البريطانية بسبب تعنت مسؤولي مصلحة الهجرة بالصخرة ورفضهم المستمر (وبدون سند قانوني) منح الجنسية لهم، علما بأن القانون البريطاني يجيز منح الجنسية لكل من قضى فوق أراضيها خمس سنوات على الأقل. وتضع السلطات المحلية بصخرة جبل طارق قيودا على الحق في التجمع العائلي، حيث تمنع التحاق الزوجة والأبناء بولي أمرهم، كما أن إقامتهم يجب أن لا تتعدى الشهر الواحد في السنة، مع مصادرة جوازات سفرهم عند دخولهم الصخرة، وإعادتها لهم بعد انتهاء مدة الإقامة. كما أن بعض أفراد الجالية المغربية بالصخرة الذين تمكنوا في وقت سابق من إعداد وثائق إقامتهم واستقدام أبنائهم، لا يحق لأولادهم الولوج إلى المدارس العمومية ومتابعة الدراسة إسوة بأبناء باقي سكان الصخرة. والأدهى من ذلك أن العمال المهاجرين بجبل طارق لا يستطيعون عبور المنطقة الحدودية (لا لينيا) ودخول الأراضي الإسبانية بسبب عدم توفرهم على بطاقة الإقامة الدائمة. ويتوقع أن تشهد المستعمرة البريطانية جبل طارق خلال الأيام المقبلة تصعيدا نقابيا وسياسيا في حال عدم استجابة السلطات المحلية للملف المطلبي للنقابات العمالية المدافعة عن حقوق العمال المهاجرين خصوصا المغاربة منهم.